تعني كلمة "كون" كل شيءٍ موجود: أي كلّ المكان وكلّ الزمان، ويقودنا هذا لطرح السؤال التالي: كيف يمكن أن يكون هناك أكثر من كونٍ واحد؟ كل كونٍ من هذه الأكوان هو في حد ذاته جزءٌ من كل ما هو موجود، وبالتالي فهو ينتمي إلى الكون الواحد، أليس كذلك؟ لا بأس، سنعود لنُجيب على هذا السؤال لاحقاً في هذا المقال.
لكننا غير قادرين على رؤية الكون كلّه لأن الضوء الآتي من المجرات أو النجوم البعيدة يستغرق بعض الوقت للانتقال عبر مساحات الفضاء، وبعض ذلك الضوء لم يتمكن من الوصول إلينا حتى الآن لأنه ببساطة لم يمتلك الوقت الكافي. يتألّف الكون المنظور (observable universe) من جميع المناطق الموجودة في الكون التي انطلق منها الضوء بعد حدوث الانفجار العظيم، وهذا هو الجزء من الكون الذي يمكننا رؤيته مبدئياً في حال استخدمنا أدواتٍ علمية قوية قادرة على الكشف عن ذلك الضوء.
حالياً، يُقدّر العلماء المسافة بيننا وبين حافة الكون المنظور بحوالي 41.4 مليار سنة ضوئية، وقد يبدو هذا الأمر غريباً للوهلة الأولى لأنه إن كان عُمر الكون يساوي 13.8 مليار سنة، فهذا يعني أن المسافة إلى حافة الكون المنظور هي المسافة التي يستطيع الضوء أن يقطعها في 13.8 مليار سنة، لكن الحقيقة أن الكون آخذٌ بالتوسّع، والنجوم والمجرات تتحرك باستمرار بعيداً عن بعضها البعض. كان العالم إدوين هابل Edwin Hubble أول من رصد هذا التوسّع في عشرينيات القرن الماضي. وفي تسعينيات القرن الماضي أظهرت عمليات الرصد أن معدل توسّع الكون في تسارع مستمر. وبسبب هذا التوسّع، فإن المسافة القصوى التي كان من الممكن للضوء أن يقطعها منذ حدوث الانفجار الكبير هي أكبر من 13.8 مليار سنة ضوئية، إذ تُظهر الحسابات أن المسافة الفعلية تُعادل 41.4 مليار سنة ضوئية.
لكن ماذا يوجد وراء حافة الكون المنظور؟ وما الذي حدث قبل الانفجار العظيم؟ الجواب: لا أحد يعلم بالضبط. فهناك احتمالٌ بأن الكون كان موجوداً قبل الانفجار العظيم، ولربما كان في حالة انكماش عوضاً عن التوسّع في ذلك الوقت. كما أننا لا نعلم الشكل العام للكون، إذ يُحتملُ أن الكون لا نهائي في حجمه وامتداده، وقد يكون له نهاية. لكن احتمال وجود نهاية له لا يعني أبداً أن له حافة فعلية يمكن أن تقع من فوقها لو تجاوزتها لأنه إن كان هناك حافة "بالمعنى الحرفي للكلمة" فلا بد أن هناك شيئاً ما وراء تلك الحافة وهذا يعني أن هذا الشيء هو في حد ذاته جزء من الكون نفسه. من ناحية أخرى، من الممكن أن يكون لجسمٍ ما حجمٌ مُحدد من دون أن يكون له حافة بالضرورة. خذ الشكل الكروي كمثال، سطح الكرة له نهاية (أي أن مساحة سطح الكرة محددة ولها نهاية، فمثلاً يمكنك طلاء الكرة بالدهان بكمية محددة فقط لا تستطيع تجاوزها لأن مساحة سطح الكرة ستنتهي)، لكنك مهما مشيت على سطح الكرة فإنك لن تسقط عن حافتها.
الأكوان الأخرى
أما الفكرة الأخرى فتقول أن هناك "أكواناً متوازية" وهي مُستلهمةٌ من نظرية ميكانيكا الكم (theory of quantum mechanics) التي تنصّ على أن الأشياء في الكون يُمكن أن تتخذ حالتين أو أكثر في الوقت عينه، فمثلاً يمكن للإلكترون أن يتواجد في عدة أماكن في الوقت نفسه، كما يُمكن لنواة مُشعّة أن تكون مُضمحلّة وغير مُضمحلّة في ذات الوقت. وهذا يقودنا إلى طرح السؤال التالي: لماذا لا نرى هذا "التراكب" (superposition) في الحياة الواقعية؟
أحد الأجوبة المحتملة هو: إن كان هناك نظامٌ ما في حالة تراكب وكان أحد الأشخاص يراقبه أو كان خاضعاً للقياس بواسطة أداة قياس معينة، ففي هذه الحالة ينقسم العالم إلى عدة أفرع، ويكون النظام متواجداً في كل فرع من هذه الأفرع في واحدة من الحالات التي كانت موجودة سابقاً في الوقت نفسه. ويحتوي كل فرع على الواقع، وبالتالي يمكن أن نعتبره كوناً قائماً بذاته. إنها حقاً فكرة تتحدى قدرات دماغنا على الاستيعاب. يمكنك معرفة المزيد حول هذا الموضوع من خلال مقالنا "هل هناك أكوانٌ متوازية؟"