هل يمكن ظهور بحيرات سائلة على سطح المريخ في الوقت الحالي؟

تشير دراسة جديدة إلى أن كوكب المريخ يمكن أن يحتوي بحيرات من الماء على سطحه في الوقت الحاضر على الرغم من درجات الحرارة المتدنية للغاية. ورغم أن الكميات الضئيلة من المياه يمكن أن تتبخر بسهولة تحت ظروف الضغط المنخفض في الغلاف الجوي للمريخ، إلا أن الماء القادم من مصادر معينة مثل مستودعات المياه الجوفية (aquifers) يمكن أن يصمد على السطح بما يكفي لتجمعه في بحيرة. ويمكن للبحيرات الأكبر حجماً أن تبقى بحالتها السائلة لمدة سنة على الأقل كما يقول الباحثون.


يتحدث جوليس غولدسبيل Jules Goldspiel الباحث في معهد علوم الكواكب في أريزونا إلى موقع Space.com قائلاً: "لا أحد يساوره شكٌ في أن الماء السائل كان متواجداً في فترة زمنية معينة على سطح المريخ. ولكن السؤال الذي يشغلني هو فيما إذا كان ذلك وارداً في الوقت الحاضر، حيث تسود ظروفٌ غير ملائمة لوجود الماء السائل".

 

تُظهر هذه المحاكاة الحاسوبية البحيرة التي كانت تملأ فوهة غيل (Gale Crater) على المريخ في الماضي البعيد. تشير الأبحاث الجديدة إلى إمكانية تشكل البحيرات على سطح المريخ في الوقت الحاضر. ويمكن أن تبقى لمدة سنة على الأقل إذا كانت عميقة بما يكفي، رغم أن قشرة جليدية ستتشكل سريعاً على سطحها. المصدر: NASA/JPL-Caltech/ESA/DLR/FU Berlin/MSSS
تُظهر هذه المحاكاة الحاسوبية البحيرة التي كانت تملأ فوهة غيل (Gale Crater) على المريخ في الماضي البعيد. تشير الأبحاث الجديدة إلى إمكانية تشكل البحيرات على سطح المريخ في الوقت الحاضر. ويمكن أن تبقى لمدة سنة على الأقل إذا كانت عميقة بما يكفي، رغم أن قشرة جليدية ستتشكل سريعاً على سطحها. المصدر: NASA/JPL-Caltech/ESA/DLR/FU Berlin/MSSS


وقد قام غولدسبيل بتصميم محاكاة حاسوبية لمعرفة فيما إذا كان الماء السائل قادراً على التجمع وتشكيل بحيرات سائلة في الوقت الراهن، ويتابع قائلاً: "من المحتمل أن ذلك سيتحقق لفترة قصيرة". وقد قدّم غولدسبيل نتائجه في الثاني عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني ضمن الاجتماع السنوي السابع والأربعين لقسم العلوم الكوكبية التابع للجمعية الفلكية الأمريكية في ناشيونال هاربر في ميريلاند.

تدفّق أيها الماء!


قبل بضعة مليارات من السنين كان المريخ يمتلك غلافاً جوياً سميكاً وسطحاً دافئاً نسبياً مع الكثير من الماء. ولكن معظم الهواء المحيط بالكوكب الأحمر تطاير في الفضاء منذ مليارات السنين. ونتيجة لذلك فإن الكوكب بارد وجاف للغاية في الوقت الراهن.

يمكن مثلاً لدرجات الحرارة على سطح المريخ أن تهبط في الوقت الحالي إلى 80 درجة مئوية تحت الصفر (60 درجة فهرنهايت تحت الصفر). وبما أن الضغط الجوي على سطح الكوكب منخفض، فإن الكميات الضئيلة من الماء السائل التي تتواجد على سطح الكوكب ستتبخر سريعاً متحولة إلى غاز. يقول غولدسبيل: "إذا وضعنا الماء على سطح المريخ فهو إما سيتبخر أو سيتجمد".

وتشير الأبحاث الأخيرة إلى أن الماء يمكن أن يبقى سائلاً لفترة من الزمن إذا تدفقت كمية كافية منه من مصادر معينة مثل مستودعات المياه الجوفية، ويؤدي ذلك إلى تشكل مظاهر مُحيّرة تعرف باسم خطوط المنحدرات الدورية (recurring slope lineae) أو اختصاراً (RSL)، والتي تظهر على بعض منحدرات الكوكب الأحمر خلال الأشهر الدافئة. وتتشكل خطوط المنحدرات الدورية هذه حين ينحسر سطح الكوكب عن مصدر معين للمياه بفعل الانزلاقات الأرضية أو أية أحداث أخرى. وفي النهاية يبدأ الماء بالتجمد ليؤدي إلى انسداد هذا المنبع وإيقاف التدفق كما يقول الباحثون.

ويتساءل غولدسبيل عن ما يمكن أن يحدث إذا تمكن الماء من التجمع في بحيرة. وقد قام بتصميم محاكاة حاسوبية لمعرفة ما الذي سيحدث حين يتدفق الماء البارد أو الماء الدافئ على سطح منحدر ليتجمع في حوض يبلغ نصف قطره مائة متر (320 قدم). وفي حين أن الطبقة السطحية سوف تتبخر، إلا أن طبقة من الجليد ستتشكل في النهاية فوق سطح هذه البركة.

وقد اكتشف غولدسبيل أن الماء سيتجمد على الفور حين يتجمع في بركة ضحلة يبلغ عمقها حوالي ثلاثة أمتار (10 أقدام). ولكنه وجد أن الماء سيبقى سائلاً لمدة سنة على الأقل حين يتدفق بما يكفي لملء بحيرة بعمق 20 متراً (65 قدم).

علاوة على ذلك فقد تبيّن لغولدسبيل أن الماء البارد الذي تبلغ درجة حرارته حوالي درجتين مئويتين (35 درجة فهرنهايت) يمكن أن يشكل قشرة جليدية تعمل كعازل حراري. حين يحدث ذلك في أوقات الصيف المريخي فإن الجليد الذي يسد مصدر المياه سينصهر ما يسمح بتدفق المزيد من المياه إلى البحيرة. وسيتجمد الماء الجديد على سطح الجليد الموجود، ولكنه سينقل إليه بعض الدفء الذي يعبر للأسفل ويؤدي إلى انصهار الطبقة الموجودة على تماسٍ بالماء السائل، ما يؤدي إلى ترقق الطبقة الجليدية حتى أثناء تشكلها.

أما إذا كان الماء ساخناً – حوالي 77 درجة مئوية (170 درجة فهرنهايت) – فهو لن يؤدي إلى تشكل بحيرة صغيرة فحسب، وإنما سيساعد أيضاً على المحافظة على طبقة من الماء تحت سطح التجمع المائي السائل. وقد تمكّن العلماء من العثور على تجمعات جليدية تحت سطح المريخ، واقترح باحثون آخرون أن الماء السائل يمكن أن يتموضع تحت التربة الحمراء للكوكب. بل إن جيوب الماء المختفية تحت سطح الكوكب يمكن حتى أن تدعم وجود الحياة، حيث تستتر عن الأشعة الكونية المؤذية التي تمطر الكوكب كما يقول علماء البيولوجيا الفلكية.

يشكل التجمد الكامل المصير النهائي للماء الساخن الذي يتدفق دفعة واحدة. وقد قام غولدسبيل حتى الآن بتنفيذ هذه المحاكاة لمدة سنة مريخية واحدة فقط، ولكنه يخطط لاختبارها لفترات أطول حتى يعرف مدة بقاء مثل هذه البحيرة قبل أن تتجمد تماماً. وهو يعتقد أن ذلك سيستغرق من ثلاث إلى أربع سنوات.

ولكن إذا كان الماء يغذي البحيرة بشكل متواصل فمن الممكن لها أن تبقى لفترة أطول، حيث يُساعد وصول الماء الساخن في هذه الحالة على ذوبان جليد الصيف الرقيق أصلاً. ويمكن للماء الساخن أن يأتي من مظاهر معينة مثل الفوهات المائية الحرارية (hydrothermal vents) منخفضة الضغط، أو "المرشحات المائية الحرارية" كما يحلو لغولدسبيل أن يسميها.

ورغم أن 77 درجة مئوية قد تبدو درجة حرارة مرتفعة، إلا أن غولدسبيل ينوه أن "الأرض تشهد درجات حرارة مشابهة بشكل دائم، كما في مياه يلوستون[1] التي تنبع ساخنة. وبذلك فإن درجات الحرارة هذه لا تعتبر غريبة على الأنظمة المائية الحرارية".

عميقة ولكن ليست ساخنة


منذ ثمانينيات القرن الماضي، درس العلماء احتمال تدفق الماء على سطح المريخ في العصور الحالية. ولكن على حد معرفة غولدسبيل لم يقم أحدٌ حتى الآن بتحديد فترة بقاء هذا الماء بشكله السائل على الأعماق المختلفة تحت الظروف السائدة اليوم.

ورغم غياب العلامات المرئية لوجود الكتل الجليدية التي قد تمثل مؤشراً على وجود هذه البحيرات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أنها لا يمكن أن تتشكل في المستقبل تحت الظروف السائدة حالياً. ولكن يتوجب على الماء أن يتدفق سريعاً وأن تكون البحيرات عميقة حتى تتمكن من التشكل ولو لفترة مؤقتة كما يقول غولدسبيل.

ويختتم غولدسبيل حديثه قائلاً: "ليس بالضرورة أن يتجمد الماء البارد بسرعة أكبر من الماء الدافئ. ولكن الطبقة العميقة تتجمد بسرعة أكبر من الطبقة الرقيقة".

ملاحظات


[1] يقع منتزه يلوستون الوطني (Yellowstone National Park) في ولاية وايومينغ (Wyoming) في وسط الولايات المتحدة الأمريكية. وهو يعتبر أول منتزه وطني رسمي في الولايات المتحدة والعالم حيث تم تسجيله رسمياً في عام 1872. ويشتهر المنتزه بوفرة المياه والشلالات، إضافة إلى نوافير المياه الطبيعية الساخنة (السخنات) التي تنبع من الصخور بتأثير الفعالية الجيولوجية والبركانية تحت الأرض. 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات