جُهد عشر سنوات: اورا-ناسا وطبقة الأوزون

أول الأجهزة التي قامت بدراسة الأوزون كانت أنف فريدريك شونباين. عندما كان يقوم شونباين بتجربة في التحليل الكهربائي للماء، لاحظ الكيميائي الألماني-السويسري وجود رائحة حادة وقدر أنها "رائحة الكهرباء" ولذلك أطلق عليها اسم أوزون (ozone) –وهو اسم يعود إلى الأصل اليوناني ozein، أي الرائحة. منذ ذلك الاكتشاف في العام 1839، عرف العلماء بأن "رائحة الكهرباء" ما هي إلا ناتج لتفاعل كيميائي يُنتج الأوزون O3.

عرف الباحثون بأن هذا الاكتشاف الشمي لشونباين يمتلك آثار على صحتنا والمناخ، وهم يُجرون الآن أبحاثاً علمية بالاعتماد على أكثر من أنوفهم.

احتفالاً بالذكرى السنوية العاشرة له في 15 يوليو 2014، قدم القمر الصناعي أورا-ناسا قياسات رئيسيّة لتحسين فهمنا للأوزون. بوجود أجهزته الأربعة، يُساعد أورا الباحثين على فهم كيفية قيام الكيمياء في الغلاف الجوي بالتأثير على الحياة الموجودة فوق سطح الأرض.

عندما شم شونباين رائحة الأوزون اللاذعة، لم يتوقع الحنكة والتعددية المثيرة للإعجاب في جزيء الأوزون. يلعب الأوزون أدواراً مفيدة ومؤذية ويعتمد ذلك على موقعه في الغلاف الجوي.

عند مستوى سطح الأرض وبالقرب منه، يُعتبر الأوزون ملوثاً جوياً ضمن الطبقة السفلية من التروبوسفير، حيث يعيش البشر.

تدمر المستويات الموجودة من الأوزون على الأرض النباتات وهي مؤذية بالنسبة لعملية التنفس لأنه بإمكانها أن تُخفض من الوظائف الرئوية لدى البشر. في الطبقة الوسطى من التروبوسفير، حيث يُمكن لملوثات مثل أحادي أكسيد الكربون أن تبقى لفترة أطول من اللازم، يُساعد الأوزون على تنقية الهواء عبر إنتاج الجذر الهيدروكسيلي –مركب مهم ويتفاعل مع الملوثات الجوية ويُساعد على التخلص من المواد الكيميائية السّامة الموجودة في الغلاف الجوي.

في مناطق أعلى من التروبوسفير، يؤثر الأوزون على المناخ حيث يُعتبر غاز دفيئة ويقوم باحتجاز الحرارة ضمن الغلاف الجوي للأرض. يُقدم مطياف الإصدار التروبوسفيري (TES)، الموجود على متن أورا، قياسات لغازات الدفيئة –مثل الأوزون وبخار الماء. عند مستويات أكثر ارتفاعاً ببضعة أميال، يلعب الأوزون دوراً فريداً في جعل الحياة ممكنة على الأرض.

فهم الأوزون كشاشة شمسية بالنسبة لنا

تقع معظم كمية الأوزون –حوالي 90% -في الطبقة الممتدة بين 12 إلى 30 ميل فوق سطح الأرض، في الستراتوسفير، أي أكثر ارتفاعاً من أي مستوى حلقت فيه طائرة جوية. عند تلك الارتفاعات، يُشكل الأوزون درعاً مفيداً يقوم بامتصاص الأشعة فوق البنفسجية المؤذية والقادمة من الشمس وبالتالي يحفظنا بعيدين عنها. يُمكن لجزء صغير من الضوء فوق البنفسجي UV أن يجد طريقه إلى سطح الأرض –وهو ضروري من أجل عملية نمو النباتات، لكن بالتأكيد الأمر ليس كذلك بالنسبة للبشر. يُؤدي البقاء تحت اشعة الشمس لفترة طويلة من الزمن إلى احتراق الجلد المكشوف.

يتشكل الأوزون الموجود في الستراتوسفير بشكلٍ طبيعي عندما تتحطم جزيئات الأكسجين جراء تعرضها للضوء فوق البنفسجي عالي الطاقة. قامت الأقمار الصناعية التابعة لناسا بقياس طبقة الأوزون لأكثر من ثلاثة عقود، وتقوم هذه القياسات في الوقت الراهن بمساعدة العلماء على فهم المزيد عن العوامل المختلفة التي تؤثر على تراكيز الأوزون.

عملية تشكل ثقب الأوزون حادثة موسمية. في كل شتاء يمر على القطب الجنوبي، تقوم الرياح القوية بالتحول إلى دوامات كبيرة، تُعرف بالدوامات القطبية. داخل الدوامة القطبية، تعمل درجات الحرارة الباردة وغازات الكلور، الناتجة عن مصادر بشرية، معاً على التدمير السريع للأوزون عندما يعود ضوء الشمس في الربيع.

عرف الباحثون أن التغيرات التي تحصل من سنةٍ إلى أخرى في درجات الحرارة الباردة، دورة الرياح وتراكيز الكلور تؤثر على ثقب الأوزون.

يستخدم العلماء السابر الطرفي الميكروي (MLS)، الموجود على أورا، من أجل الحصول على نظرة شاملة عن ثقب الأوزون من سنة إلى أخرى. يقيس جهاز MLS الأوزون وآثار لغازات أخرى، أو المواد الكيميائية التي تُوجد بتراكيز منخفضة في الستراتوسفير، يهدف كل ذلك إلى دراسة التركيب الكيميائي الموجود في ثقب الأوزون ومحيطه.

في العامين 2006 و2011، كشفت أجهزة اورا عن أكبر وأعمق ثقبي أوزون خلال العقد الماضي. على أية حال، أوضحت بيانات أورا وبشكلٍ مفاجئ أن الثقوب كانت كبيرة وعميقة لأسبابٍ مختلفة.

في العام 2006، هبط الأوزون إلى مستوى منخفض في مساحة واسعة جراء دورات التفاعل التي تتضمن أحادي أكسيد الكلور –وهو المادة الأساسية المدمرة للأوزون التي يقوم بقياسها MLS. في العام 2011، قادت قياسات MLS إلى أن نسبة الكلور غير العضوي أقل بـ 10% مما كانت عليه في العام 2006.

توضح عمليات المحاكاة الحاسوبية التي امتدت على عامين أن الكلور لم يكن الاختلاف الوحيد. كان ثقب الأوزون في العام 2011 كبير وعميق، كما هي الحال في العام 2006 بصرف النظر عن المستوى الأقل للكلور. نتج ذلك عن وجود اختلافات في الأرصاد الجوية بين العامين. في العام 2011، نقلت الرياح كمية أقل من الأوزون إلى القطب الجنوبي.

تقول Susan Strahan، عالمة غلاف جوي من مركز غودارد-ناسا لرحلات الفضاء في غرينبلد بميريلاند:

‘‘لا يُمكن فهم التغيرات في عمود الأوزون بدون وجود معلومات عن الكيمياء والظواهر الجوية الموجودة عند مستويات مختلفة من الستراتوسفير. ولذلك، يُعتبر قياس بروفايلات دوامات الأوزون وآثار الغازات الأخرى بوساطة MLS أمراً ضرورياً جداً من أجل فهم حالة طبقة الأوزون وكيفية تغيرها في المستقبل‘‘.

تطبيق:

قياس الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس

يُعتبر قياس كمية الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي أمراً مهما من أجل تقدير كمية الإشعاع فوق البنفسجي الذي يصل إلى الأرض. يمتص الأوزون إشعاع UV القادم من الشمس. يسمح وجود كميات أقل من الأوزون في الستراتوسفير بوصول كمية أكبر من إشعاع UV إلى السطح. في الوقت الذي يحتاج فيه الناس إلى الضوء فوق البنفسجي كمصدرٍ للفيتامين D، إلا أن التعرض الزائد له ربما يُسبب مشاكل مباشرة، مثل الحروق الشمسية، وأمراض طويلة الأجل مثل سرطان الجلد وإعتام عدسة العين. يحد ارتداء القبعة والنظارات الشمسية من التعرض للشمس والدبغ الشمسي. كما أن مراقبة مُشعر الأشعة فوق البنفسجية يُمكن ان تخفض من الأمراض التي تتعلق بالشمس.

يومياً، تقوم الإدارة الوطنية للغلاف الجوي والمحيطات مع وكالة الحماية البيئية بحساب مشعر الأشعة فوق البنفسجية، الذي يوضح كمية الأشعة UV التي وصلت إلى سطح الأرض. يتمتع المُشعر بمقياس يمتد من 1 إلى 10، حيث تُمثل 10 وجود أشعة شمسية عالية الطاقة ومؤذية لصحة الأشخاص. يُحسب المشعر بالاعتماد على استخدام التنبؤات الخاصة بالأوزون والقادمة من العديد من المصادر، بما في ذلك أجهزة OMI وMLS، الموجودة على متن القمر الصناعي أورا.

يتم الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخرى التي تؤثر على كمية الأشعة فوق البنفسجية التي تصل إلى الأرض عند حساب مشعر UV. تستطيع السحب أن تحجب الأشعة فوق البنفسجية وأن تُشتت ضوء الشمس، سامحةً بذلك بوصول بعضها إلى الأرض. يمتص العشب الإشعاع فوق البنفسجي في حين تقوم كل من الرمال والثلج بعكس كمية أكبر من الإشعاع عن سطح الأرض. لذلك، يجب أخذ المزيد من الحيطة عند الشاطئ وفي الجبال، حيث تُشكل الأشعة فوق البنفسجية المنعكسة خطراً على أعين الناس. يُمكن لجسيمات صغيرة تُعرف بالهباب أن تقوم أيضاً بامتصاص وتشتيت الأشعة.

سيبقى الأوزون الستراتوسفيري عاملاً أساسياً في حماية الحياة من الخطر المحتمل للأشعة فوق البنفسجية. يقول Nick Krotkov، عالم جو من غودارد:

‘‘يحمينا الأوزون من أشعة UV-B وUV-C. بدون وجود الأوزون الستراتوسفيري، ستجد هنا كل الفوتونات عالية الطاقة والخطيرة‘‘.

النظر إلى مستقبل طبقة الأوزون

عملية التنبؤ بمستقبل طبقة الأوزون ليست مهمةً سهلة وتتطلب بيانات يتم جمعها على مدار عقود من الزمن. لا تعتبر التغيرات اليومية، وحتى السنوية مؤشرات جيدة للسلوك طويل الأمد.

من أجل القيام وبدقة بتقييم صحة طبقة الأوزون، يحتاج العلماء إلى رصد الستراتوسفير خلال تغيره على مدار فترة طويلة من الزمن –بشكلٍ مشابه لقيام أحدهم بمراقبة صحة استثمارات التقاعد. لا يتسجيب الستراتوسفير عند سلالم قياس زمنية من رتبة الدقائق.

قامت سلسلة من الأقمار الصناعية التابعة لناسا، بما في ذلك أورا، برصد الستراتوسفير لأكثر من ثلاثين عاماً لتساعد العلماء على تحديد التغيرات الحاصلة في الأوزون –التي تظهر على سلالم زمنية تمتد على عقود ولكن لا يمكن قياسها ضمن جداول زمنية أقل. على سبيل المثال، في العام 1987، وقعت دول من جميع أنحاء العالم على بروتوكول مونتريال.

حظرت هذه المعاهدة الدولية المواد المستنفذة للأوزون مثل الكلوروفلوركربون (CFCs). يتم تحطيم الـ CFCs، المستخدم في البرّادات وأنظمة التكييف، من قبل الأشعة فوق البنفسجية في الستراتوسفير ليحرر ذرات الكلور التي تقوم بالمشاركة في التفاعلات الكيميائية المدمرة للأوزون. بمساعدة القياسات التي تؤخذ من الأرض والمهمات المحمولة جواً، رصد أورا وسابقيه تأثير بروتوكول مونتريال على طبقة الأوزون، حيث أمكن للعلماء البدء برؤية الانخفاض في مركبات الكلور.

مع ذلك، لازلنا بحاجة إلى مجموعة من البيانات طويلة الأمد من أجل رؤية تأثير برتوكول مونتريال. يُقدر علماء ناسا أن تأثير تخفيض CFC على ثقب الأوزون في القطب الجنوبي لن يكون ملحوظاً بشكلٍ معتبر حتى حلول 2025.

يواصل القمر الصناعي أورا ومهمة المرصد المداري الوطني Suomi، التي أقلعت في العام 2011، قياس طبقة الأوزون. خلال العقود القادمة، سيدرس العلماء أيضاً العوامل الأخرى التي تؤثر على طبقة الأوزون –مثل التغير المناخي.

تقول Anne Douglass، عالم أورا في غودارد:

‘‘بسبب أورا والأقمار الصناعية السابقة لها، نعرف أن المواد الكيميائية المدمرة للأوزون، مثل CFCs، قد انخفضت. الاستمرار في المراقبة طويلة الأمد لطبقة الأوزون أمر أساسي من أجل فهم كيفية تأثير التغير المناخي مع عودة مستويات الكلور الستراتوسفيري إلى الوضع الطبيعي‘‘.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات