علماء ناسا يساعدون في فهم كوكبٍ اكتُشف حديثاً

 تَصوّر فني لأحد الكواكب الخارجية الشبيهة بكوكب المشتري والمعروف باسم 51 إيريداني بي 51 Eridani b. وفيه تظهر الطبقات الساخنة الواقعة عميقاً داخل غلافه الجوي وهي تُضيء عبر السحب. وبسبب كونه حديث التشكّل، لا يزال كوكب 51 إيريداني بي ساخناً، ويحمل في طيّاته معلوماتٍ حول الكيفية التي تشكّل بها قبل حوالي 20 مليون سنة. 


حقوق الصورة: دانييل فوتسيلار وفرانك مارتشيس، معهد البحث عن كائنات ذكية خارج الأرض SETI


من أفضل الطرق التي يُمكن اتباعها من أجل معرفة كيف تطوّر نظامنا الشمسي هي دراسة الأنظمة النجمية الأحدث عمراً والتي تمرُّ في مراحل تطورها الأولى. مُؤخّراً، تمكّن فريقٌ من علماء الفلك، بما فيهم علماء من وكالة ناسا، من اكتشاف كوكبٍ شبيهٍ بكوكب المشتري يقع داخل نظامٍ نجميٍ حديث العمر. ويُعدّ هذا الاكتشاف مُهماً جداً، إذ أنّه سيساعد العلماء على فكّ لغز تشكّل الكواكب حول شمسنا. 


تُوضح هذه الصورة التي التقطتها أداة جيميني لتصوير الكواكب بالأشعة ما تحت الحمراء بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول 2014 اكتشاف كوكب 51 إيريداني بي الخارجي. وقد أُزيلَ النجم الساطع الواقع في منتصف الصورة لكي يُصبح بالإمكان رصد الكوكب الذي يقل سطوعه عن سطوع النجم بملايين المرات.  حقوق الصورة: مرصد جيميني وجيه راميو (جامعة مونتريال) وسي. ماروا، المجلس الوطني للبحوث، هيرزبيرغ
تُوضح هذه الصورة التي التقطتها أداة جيميني لتصوير الكواكب بالأشعة ما تحت الحمراء بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول 2014 اكتشاف كوكب 51 إيريداني بي الخارجي. وقد أُزيلَ النجم الساطع الواقع في منتصف الصورة لكي يُصبح بالإمكان رصد الكوكب الذي يقل سطوعه عن سطوع النجم بملايين المرات. حقوق الصورة: مرصد جيميني وجيه راميو (جامعة مونتريال) وسي. ماروا، المجلس الوطني للبحوث، هيرزبيرغ

يُعتبر الكوكب الجديد، والذي أطلق عليه اسم 51 إيريداني (إيري) بي 51 Eridani (Eri) b، أول كوكبٍ خارجيٍ يُكتشف بواسطة أداة جيميني لتصوير الكواكب (Gemini Planet Imager)، أو اختصاراً (GPI). الـ GPI هي أداة جديدة تتولى تشغيلها فِرقُ تعاونٍ دولي، وقد تم تركيبها على تلسكوب جيميني الجنوبي (Gemini South Telescope) البالغ قطره 8 أمتار في جمهورية تشيلي. صُممت أداة GPI خصيصاُ لتقوم باكتشاف وتحليل الكواكب الشابة الخافتة التي تدور في فلك النجوم الساطعة، وذلك عبر تقنية تُعرف باسم التصوير المباشر (direct imaging). من خلال هذه التقنية يقوم علماء الفلك باستخدام البصريات المُكيّفة (adaptive optics) لجعلِ صورةِ النجم المقصود أكثر وضوحاً، ثم يقومون بحجب نور ذلك النجم للكشف عن وجود الكوكب الذي يدور حوله. وبعدها يحلّلون أي ضوءٍ آخر مُتبقي. وفي حال وُجد ضوءٌ ساطع آخر غير ضوء النجم فسيدل هذا على وجود كوكبٍ حوله.

 

وتعليقاً على هذا الموضوع يقول جيمس غراهام James Graham، أستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي وأحد العلماء العاملين على مشروع أداة جيميني لتصوير الكواكب: "هذا هو نوع الكواكب الذي كنا نتخيل اكتشافه أثناء عملنا على تصميم أداة جيميني لتصوير الكواكب".

وهنال
ك طرق أخرى لاكتشاف الكواكب، ولكنها طرق غير مباشرة، ومنها طريقة العبور (transit) التي تستخدمها بعثة كبلر Kepler التابعة لوكالة ناسا؛ حيث تقوم البعثة من خلالها باكتشاف الكواكب عبر قياس معدل انخفاض ضوء النجوم عندما يمر أماه كوكب يدور حوله.

وقد وصف بروس ماكينتوش Bruce Macintosh، أستاذ الفيزياء في جامعة ستانفورد وعضو معهد كافلي لفيزياء الجسيمات الفلكية وعلم الكونيات Kavli Institute for Particle Astrophysics and Cosmology، هذا الأمر بقوله: "لكي نكشف عن وجود الكواكب فإننا نستخدم كبلر لرصد ظلالها، بينما نستخدم أداة GPI لرصد سطوعها". 

من حيث العمر، يُعتبر كوكب 51 إيريداني من الكواكب حديثة التشكّل، إذ لم يمضِ على ظهوره سوى 20 مليون عام، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل من رصده بشكلٍ مُباشرٍ أمراً ممكناً. عندما تلتحم الكواكب، تطلِقُ المواد الساقطة على الكوكب كميات كبيرة من الطاقة ما يُؤدي إلى ارتفاع حرارة الكوكب. وعلى مدى مئات الملايين من السنين القادمة، تقوم هذه المواد بإطلاق هذه الطاقة بعيداً عن الكوكب على شكل ضوء أشعة ما تحت الحمراء.

وتعليقاً على هذا يقول ماكنتوش، الذي قام بعملية تصنيع أداة GPI ويقود حالياً الدراسة المسحية الخاصة بتتبع وملاحقة الكواكب: "تمتلك العديد من الكواكب الخارجية التي صوّرها علماء الفلك سابقاً أغلفةً جويةً تُشبه في شكلها النجوم الباردة جداً. لكن 51 إيريداني هذا يبدو ككوكب فعلاً".

هذا وأظهرت الأرصاد التي قامت بها أداة GPI أن كوكب 51 إيريداني بي أكبر من كوكب المشتري بحوالي الضعفين. وبالمقارنة، فإنّ الكواكب الأخرى التي تم تصويرها مباشرة من قَبل هي أكبر من المشتري بخمسة أضعاف أو أكثر. وإضافة إلى كونِ هذا الكوكب هو الأقل حجماً من بين جميع الكواكب الخارجية التي اكتُشفت حتى الآن، فهو أيضاً أكثرها برودة، حيث لا تتجاوز درجة حرارته 800 فهرنهايت، في حين تصل درجة حرارة الكواكب الأخرى إلى ما يقارب الـ 1,200 فهرنهايت. كما سجّلت فيغلافه الجوّي أقوى قراءة لغاز ميثان في تم رصدها في كوكب خارجي حتى الآن.
 
بالمقابل، لم تُظهر الكواكب الخارجية الشبيهة بالمشتري التي رُصدَت سابقاً سوى إشارات ضئيلة على وجود الميثان، وهي بهذا تختلف كثيراً عن عمالقة الغاز في نظامنا الشمسي التي رُصدَت إشارات واضحة لوجود الميثان في أغلفتها الجوية. ويقول الباحثون أن جميع هذه السمات تُشير إلى أن هذا الكوكب يمر بالمراحل نفسها التي يُعتقد أن المشتري كان قد مرّ بها حينما كان لا يزال حديث التشكّل. 

من ناحية أخرى، يُوجد الكربون في الأغلفة الجوية للكواكب الغازية العملاقة الباردة في نظامنا الشمسي على شكل غاز الميثان، وهي بهذا تختلف عن معظم الكواكب الخارجية التي يُوجد فيها الكربون على شكل أول أكسيد كربون. وفي هذا الصدد يقول مارك مارلي Mark Marley، عالم فيزياء فلكية في مركز أبحاث إيمز Ames Research Center التابع لوكالة ناسا في موفيت فيلد، كاليفورنيا، والمُشارك في قيادة النظرية وأحد أعضاء فريق GPI المسؤول عن تفسير أرصاد أداة GPI، يقول: "لأن الغلاف الجوي لكوكب 51 إيريداني بي غنيٌ بالميثان، فهذا يعني أن الكوكب سيُصير مُشابهاً جداً لكوكب المشتري بعد فترة من الزمن".

وإلى جانب مساهمتها في زيادة عدد الكواكب المعروفة، ستقدِّم أداة GPI أدلة رئيسية حول الكيفية التي تتشكّل فيها الأنظمة الشمسية. ويعتقد علماء الفلك أن الكواكب الغازية العملاقة الموجودة في نظامنا الشمسي كانت قد تشكّلت عبر بناء مركزٍ كبيرٍ على مدار بضعة ملايين من السنين، ثم سحَبَت كميات كبيرة من الهيدروجين وغازات أخرى لتشكيل غلافها الجوي. لكن الكواكب الخارجية الشبيهة بالمشتري أشد حرارة مما تنبأت به النماذج، ما يدل على أنها قد تشكّلت بطريقة أسرع مما تشكلت كواكب الغاز في مجموعتنا الشمسية، إذ يعتقد العلماء أن المواد انهارت بسرعة لتكوّنَ في النهاية كوكباً ساخناً جداً. وهذا الاختلاف ذو أهمية كبيرة. سوف يُساعد استخدام أداة GPI لدراسة الأنظمة الشمسية الأصغر عمراً مثل 51 إيريداني علماءَ الفلك على فهم الكيفية التي تتشكل فيها الكواكب القريبة منا، ومدى شيوع طريقة تشكّل هذه الكواكب في أرجاء الكون.

يقول ماكنتوش: "يُعتبر الكوكب المُكتشف حديثاً، 51 إيريداني بي، أول كوكب يتّصف بحرارة منخفضة وقريبٍ من نجمه بشكل كافٍ ليعطينا دليلاً على أنه قد تشكّل بنفس الطريقة القديمة التي تشكّل بها المشتري. وربما يكون النظام النجمي الذي يوجد فيه هذا الكوكب قد تشكّل هو الآخر بنفس الطريقة".

تم نشر نتائج هذا الاكتشاف في النسخة الحالية من سينس إكسبرس Science Express، وكذلك في نسخة الـ 20 من أغسطس/آب من مجلة Science.

تم بناء GPI بواسطة مجموعة من المؤسسات الأمريكية والكندية، وقد موّله مرصد جيميني الذي يُعد شراكةً دولية تجمع كلاّ من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا والأرجنتين والبرازيل وتشيلي. مولت حملةَ الدراسة المسحية للكواكب الخارجية التابعة لمُصور الكواكب جيميني جزئياً مؤسسةُ العلومِ الوطنية National Science Foundation ووكالةُ ناسا وجامعةُ كاليفورنيا وبرنامجُ البحث والتطوير الموجّه للمختبرات في مختبر لورنس ليفرمور الوطني Lawrence Livermore National Laboratory. 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات