بإمكان التصميم الجديد للتليسكوب الهائل ذي المجالات المتعددة Multi-field Hypertelescope تصوير عدة نجوم في آنٍ واحد وبدقة عالية. تستخدم التليسكوبات الهائلة صفائف كبيرة من المرايا مع وجود مساحات فيما بينها. يمكن لهذا التصميم متعدد المجالات أن يُدمج مع النموذج الأولي للتليسكوب الهائل الذي يتم اختباره حاليا في جبال الألب.
(في الصورة (حقوق الصورة: Antoine Labeyrie, Collège de France and Observatoire de la Cote d'Azur.
صمم الباحثون كاميرا جديدة يمكن أن تسمح للتليسكوبات الهائلة بتصوير عدة نجوم في آنٍ واحد. يمتلك التليسكوب ذو التصميم المُحسن إمكانية الحصول على صور عالية الدقة جدا لأجرام سماوية خارج نظامنا الشمسي مثل الكواكب، والنجوم النابضة pulsars، والعناقيد النجمية globular clusters، والمجرات البعيدة.
يقول أنطوان لابيري Antoine Labeyrie، وهو أستاذ متفرغ في مؤسسة كوليج دي فرانس Collège de France ومرصد دي لاكوت دازور Observatoire de la Cote d'Azur، وأول من ابتكر هذا التصميم: "يمكن للتليسكوب الهائل ذي المجالات المتعددة عموماً أن يلتقط صورة واضحة التفاصيل للغاية لنجمٍ ما، مع احتمال إظهار كواكب هذا النجم وحتى تفاصيل أسطحها." وأضاف: "قد يسمح لنا برؤية الكواكب المتواجدة خارج نظامنا الشمسي بتفاصيل كافية تمكننا من استخدام منظار الطيف للبحث عن أدلة على وجود كائنات تعتمد على التمثيل الضوئي."
كشف لابيري ومجموعة من الباحثين من مختلف المعاهد في مجلة Optics Letters الخاصة بجمعية البصريات الأمريكية OSA، عن نتائج النمذجة البصرية التي تؤكد أن بإمكان تصميم المجالات المتعددة أن يوسع تغطية مجال الرؤية الضيق للتليسكوبات الهائلة التي تم تطويرها حتى الآن بصورة كبيرة.
جعل المرآة أكبر حجماً...
تستخدم التليسكوبات البصرية الكبيرة مرآة مقعرة تعمل على تركيز الضوء الصادر عن الأجرام السماوية. على الرغم من أن بإمكان المرايا الأكبر حجماً إنتاج صور أكثر تفصيلاً بسبب انخفاض تشتت أشعة الضوء بها، إلا أن هناك حدّاً لحجم المرايا التي يمكننا صنعها. وقد صُممت التليسكوبات الهائلة لتجاوز هذه القيود الحجمية باستخدام صفائف كبيرة من المرايا يمكننا المباعدة بينها بشكل واسع لتكوين مرآة أكبر.
أجرى الباحثون تجارب على نماذج أولية لتليسكوبات هائلة صغيرة الحجم نسبياً في السابق، ويجري حالياً إنشاء نسخة كاملة الحجم في جبال الألب الفرنسية. استخدم الباحثون في هذا العمل الجديد نماذج الكمبيوتر لإنشاء تصميم يعطي التليسكوبات الهائلة مجال رؤية واسعا جداً. يمكن تنفيذ هذا التصميم على الكرة الارضية أو على فوهة قمرية أو على نطاق واسع في الفضاء.
سيتطلب بناء تلسكوب هائل في الفضاء، على سبيل المثال، مجموعة كبيرة من الأساطيل المكونة من مرايا صغيرة متباعدة لتشكيل مرآة مقعرة عملاقة. تعمل المرآة الكبيرة على تركيز الضوء الصادر عن نجمٍ أو عن جرمٍ سماويٍ ما، ثم تقوم بتوجيهه باتجاه مركبة فضائية منفصلة تحمل كاميرا وغيرها من المعدات البصرية اللازمة.
يقول لابيري: "إن تصميم المجالات المتعددة ما هي إلا إضافة بسيطة للنظام البصري للتليسكوب الهائل، ولكن من شأنها أن تعزز قدراته بشكلٍ كبير." كما أضاف: "يمكن أن يكون قطر النسخة النهائية التي ستكون منشورة في الفضاء أكبر بعشرات المرات من قطر الأرض، ويمكن استخدامها للكشف عن تفاصيل الأجرام الصغيرة للغاية مثل نجم السرطان النابض Crab pulsar، وهو نجم نيوتروني يُعتقد أن حجمه لا يتجاوز 20 كيلو متراً.
توسيع مجال الرؤية
تستخدم التليسكوبات الهائلة ما يُعرف بظاهرة تكثيف الحدقة pupil densification حيث تعمل على تركيز الضوء المجّمع لتكوين صور عالية الدقة. غير أن هذه العملية تَحُدُّ من مجال رؤية التليسكوبات الهائلة بشكلٍ كبير، حيث تمنع تكوين صور للأجرام الكبيرة أو المنتشرة مثل العنقود النجمي الكروي، أو الأنظمة الكوكبية خارج النظام الشمسي exoplanetary system، أو المجرات.
وقد طوّر الباحثون نظاماً بصرياً مصغراً يمكن استخدامه مع الكاميرا الرئيسية للتليسكوب الهائل لإنشاء صور منفصلة لكل مجال من مجالات الرؤية في الوقت نفسه. أما بالنسبة للعناقيد النجمية، فإنه يتيح التقاط صور منفصلة لكل واحدةٍ من آلاف النجوم المتواجدة بشكلٍ متزامن.
يمكن النظر إلى تصميم المجالات المتعددة المقترح كآلة مصنوعة من عدة تليسكوبات هائلة منفصلة، لكل واحد منها محور بصري مائل بشكلٍ مختلف مما يمنحها مجال تصوير فريد. تقوم هذه التليسكوبات المنفصلة بتركيز الصور المتقاربة نحو مستشعر كاميرا واحد فقط.
وقد استخدم الباحثون برنامج المحاكاة البصرية لوضع نماذج للتطبيقات المختلفة للتليسكوب الهائل متعدد المجالات. وقد قدمت جميعها نتائج دقيقة أكدت إمكانية إجراء عمليات رصد متعددة المجالات.
تتطلب إضافة تقنية المجالات المتعددة للنماذج الأولية للتليسكوب الهائل تطوير معدات جديدة، تتضمن معدات البصريات التكيفية adaptive optics لتصحيح العيوب البصرية الباقية في التصميم اللامحوري off-axis design. ويواصل الباحثون تطوير تقنيات المحاذاة alignment techniques وبرمجة التحكم بحيث يمكن استخدام الكاميرا الجديدة مع النموذج الأولي في جبال الألب. كما أنهم طوروا تصميماً مشابهاً لنسخة ستكون على متن القمر.