دواء سريع التأثير لاضطراب الوسواس القهري


 دراسة جديدة توفر فهمًا أعمق لآليات عمل اضطراب الوسواس القهري وتفيد بأن العلاج ممكن بصنف دوائي تمت دراسته في التجارب السريرية

 مستقبِلة كيميائية دماغية تعمل كمفتاحٍ لأعراض اضطراب الوسواس القهري في الفئران



في دماغ الفئران، هناك مستقبلةٌ كيميائيةٌ واحدةٌ مسؤولةٌ عن مجموعةٍ من أعراض الوسواس القهري Obsessive compulsive disorder أو اختصارًا (OCD)، تبعًا لدراسةٍ قامت بها جامعة دوك Duke University، وهي دراسة منشورة على الإنترنت في مجلة Biological Psychiatry.

قدمت النتائج فهمًا جديدًا للمرض وللعديد من الأمراض النفسية الأخرى، بالإضافة إلى أنها تشير إلى وجود قابليةٍ عاليةٍ للشفاء من هذه الأمراض باستخدام صنفٍ دوائيٍّ تمت دراسته في التجارب السريرية.

أوضحت إحدى كبار الباحثين في هذه الدراسة، الدكتورة الطبيبة نيقول كالاكوس Nicole Calakos، وهي بروفيسورة مساعدة في علم اﻷعصاب وعلم اﻷحياء العصبي في المركز الطبي لجامعة دوك: "هذه النتائج الجديدة باعثةٌ للأمل بشكلٍ كبيرٍ للاقتراب من فهم الأمراض التطورية العصبية neurodevelopment diseases واضطرابات السلوك والأفكار".

ويعدُّ اضطراب الوسواس القهري اضطرابًا قلقيًا يتصف بوجود أفكارٍ وسواسيةٍ وتصرفاتٍ قهريةٍ متكررة، تصل لدرجةٍ تعيق المريض من أداء ممارسات الحياة اليومية، حيث يعاني ما يقارب 3.3 مليون من هذا المرض في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.

في عام 2007، استحدث باحثو جامعة دوك بقيادة غوبنغ فينغ Guoping Feng -والذي يعمل حاليًا في جامعة ماساتشوست للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology- نموذجًا من الفئران يحاكي المرض المذكور من خلال حذف الجين الحامل لشيفرة الـ Sapap3، وهو بروتين يساعد في تنظيم الترابط العصبي بين الخلايا العصبية، بحيث يسمح للخلايا أن تتواصل.

وكما يقدِم بعض المصابين بالمرض على غسل أيديهم بشكلٍ مفرط، فإن الفئران التي تفتقد بروتين Sapap3 تُظهر أعراض القلق وتُقدِم على تنظيف نفسها بشكلٍ مفرطٍ ومماثلٍ للنموذج البشري، وعلى الرغم من أن الباحثين أشادوا بالنموذج الجديد لشبهه ومحاكاته للأمراض النفسية للإنسان، وحيث أنهم بدأوا في استعماله لدراسة مرض الوسواس القهري، يبقى السؤال التالي مطروحًا "كيف يمكن لفقد بروتين Sapap3 أن يؤدي لسلوك التنظيف ذاك؟".

وجد فريق كالاكوس في دراسةٍ جديدة، أن فرط النشاط في أحد أنواع مستقبلات النواقل العصبية mGluR5 -وهي مستقبلة موجودة في منطقة دماغية مرتبطة بمرض الوسواس القهري- كان المسؤول الرئيسي عن السلوك الغير الطبيعي، وعندما قام الباحثون بإعطاء الفئران الفاقدة لبروتين Sapap3 مادة كيميائية لحجب المستقبلة mGluR5، لاحظوا انحسار شعور القلق وسلوك التنظيف.

أضافت كالاكوس: "كان انعكاس تأثير الأعراض سريعًا وخلال دقائق".
في المقابل، وجدت الدراسة الأصلية التي وصَّفت الفئران الفاقدة لبروتين Sapap3، أن مضادات الاكتئاب تساعد في علاج اﻷعراض ولكن على مدى أسابيع، وهي الفترة المتوقعة عند علاج المرض لدى المصابين من البشر.

وفي الدراسة الجديدة، عندما أخذ الباحثون بالاعتبار أن الأدمغة كانت غير ناضجة النمو، وأن التراجع في أمراض النمو العصبي أمرٌ غير سهلٍ وغير سريع، فإن هذا التأثير السريع كان مفاجئًا، كما أوضحت كالاكوس.

 

تُظهر الفئران المعدلة جينيًا والتي تغسل وجهها بشكلٍ مكثف، إختلالًا في توازن نشاط الدماغ المرتبط بالسلوك القهري. حيث أن الخلايا المسؤولة عن سلوكٍ معينٍ تكون أكثر نشاطًا في هذه الفئران.  وجدت دراسة جامعة دوك أن حجب مستقبلة دماغية تسمى mGluR5، يعيد توازن النشاط بين الخلايا المسؤولة عن نشاط اﻷداء "الحمراء" والخلايا المثبطة له "الخضراء".  حقوق النشر محفوظة لـ كريستين إيد Kristen ade جامعة دوك Duke University  موقع NeuroscienceNews.com
تُظهر الفئران المعدلة جينيًا والتي تغسل وجهها بشكلٍ مكثف، إختلالًا في توازن نشاط الدماغ المرتبط بالسلوك القهري. حيث أن الخلايا المسؤولة عن سلوكٍ معينٍ تكون أكثر نشاطًا في هذه الفئران. وجدت دراسة جامعة دوك أن حجب مستقبلة دماغية تسمى mGluR5، يعيد توازن النشاط بين الخلايا المسؤولة عن نشاط اﻷداء "الحمراء" والخلايا المثبطة له "الخضراء". حقوق النشر محفوظة لـ كريستين إيد Kristen ade جامعة دوك Duke University موقع NeuroscienceNews.com


ومما يثير الاهتمام، أنه إذا أعطيت الفئران المخبرية السليمة الدواء الذي يزيد ويقوي نشاط المستقبلة mGluR5، فإن هذه الفئران تُظهر سلوك التنظيف المكثف وسلوك القلق المشاهَدَين في الفئران المفتقدة لبروتين Sapap3 على الفور.

وجد الباحثون أن انعدام تأثير بروتين Sapap3، يجعل مستقبلة mGluR5 فاعلةً دائمًا، وهذا بالمقابل يجعل مناطق الدماغ المشاركة في الاضطراب القهري في حالة إفراطٍ للنشاط. 
وبشكلٍ خاص، فإن مجموعة العصبونات التي تعطي الضوء الأخضر لأداء فعلٍ معينٍ مثل غسل الوجه، تعمل لوقتٍ إضافي (حيث أن هذه العصبونات تستطيع أن تعزز وتشجع عادةً ما مثل أكل الحلويات، وذلك تبعًا لدراسةٍ نشرها فريق كالاكوس سابقًا هذه السنة).

وقد أضافت كالاكوس قائلةً إن العلماء يجب أن يولوا مستقبلة mGluR5 اهتمامهم في علاج السلوك القهري، ولكننا لا نعلم بعد بالتحديد ما هي السلوكيات القهرية أو ما هي الفئة المناسبة من المرضى التي يجب أن نطبق العلاج عليهما.

وأخيرًا، تحرى الباحثون في -مرحلةٍ لاحقةٍ من الدراسة- مسألة استهداف المستقبلة mGluR5 بأدويةٍ لزيادة أو تقليل فعاليتها في الدماغ. 


فمثلًا، تعتبر الأدوية الحاجبة للمستقبلة mGluR5 إحدى الخيارات المقترحة لعلاج مرض باركنسون Parkinson’s disease، ولكن مثبطات المستقبلة mGluR5 لم تنجح في التجارب السريرية دائمًا، لذلك قالت كالاكوس إنه يبدو من المنطقي استهداف مناطق مختلفة من مسار المستقبلة mGluR5، أو تطبيق العلاج على مجموعاتٍ فرعيةٍ من المرضى وليس على كل المرضى. 


وقد أصبح من الممكن الآن قياس نشاط المستقبلة mGluR5 في اﻹنسان، باستخدام تقنيات التصوير الجديدة غير المخترقة للجلد Non-invasive imaging technologies، وهي تقنياتٌ قد تجعل من ذلك أمرًا ممكنًا.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات