ماذا لو لم يهبط البشر على سطح القمر؟

رائد فضاء من رحلة أبولو 12 وهو يأخذ صوراً للقمر باستخدام كاميرا من طِراز هانسيلبِلاد Hasselblad.

حقوق الصورة: NASA



دعنا ننسى مقولة: "خطوة صغيرة لإنسان، ولكنها قفزة كبيرة للإنسانية".


قبل خمسين عاماً، حققت ناسا إنجازاً هائلاً عندما هبط أول انسان على سطح القمر. احتفل الأمريكيون بالذكرى السنوية لهذا الانتصار في شهر يوليو/تموز، والذى يٌمثّل الانتصار في سباق الفضاء خلال الحرب الباردة.


ولكن، ماذا لو لم يحدث هذا الإنجاز؟ ما هي النتيجة؟ وما هو السيناريو الذى سنعيشه في ظل تاريخ بديل لم يصل فيه البشر إلى القمر أبداً؟


لا يحب المؤرخون الافتراضات، وخاصة تلك التي ليس لديهم الكثير من البيانات عنها. لذا، عندما عرض موقع live science هذا الموضوع التخيلي على مدير مؤرخي ناسا السابق روجر لاونيوس Roger Launius، كان لديه بعض الأسئلة الأولية.


تساءل لاونيوس: "هل يعنى أنه لم يصرّح أحد بأن هناك سباق للوصول إلى القمر من الأساس؟ أم أنه كان هناك مثل هذا السباق فعلياً ولكن ألغته الولايات المتحدة؟ أم أنّ الولايات المتحدة تعهدت بتحقيق ذلك لكنها خسرت أمام الروس؟".


عند الأخذ بالاحتمالات دفعةً واحدة، حلل لاونيوس التاريخ المحتمل الذي لم يوجد فيه سباق للوصول إلى القمر، وقال أنّ المنافسة خلال الحرب الباردة كانت مهمة لكلٍ من أمريكا والاتحاد السوفيتي كونهما يريدان برهنة تفوقهما العلمي والتكنولوجي.

قال لاونيوس أنه لو كان دوايت أيزنهاور Dwight Eisenhower (سياسى وجنرال أمريكي شغل منصب الرئيس الرابع والثلاثين لأمريكا منذ عام 1953 وحتى عام 1961) هو الرئيس في الستينيات لكان رد فعله مختلف عن الرئيس جون كينيدي John F. Kennedy فيما يخص نجاح السوفييت في إطلاق يوري جارجارين Yuri Gagarin، وهو أول انسان يُسافر إلى الفضاء عام 1961 على متن المركبة الفضائية فوستوك1.


بالتأكيد كان أيزنهاور يدعم ناسا، والتي نشأت في عهده عام 1958، لكنه مع ذلك قضى فترة الستينيات كلها بالشكوى من ناسا لإضاعة كل هذا الوقت دون أي إفادة، وأنه يجب علينا القيام بأمرٍ آخر. قال لاونيوس: "ليس هناك سبب يجعلني أعتقد أنّ رد فعله سيكون: دعونا نذهب إلى للقمر".


يعتقد لاونيوس أنّ أيزنهاور كان سيقوم بصرف الكثير من الأموال التي كانت مخصصة لمشروع أبولو على العديد من الجهات الأخرى، خاصةً لتعزيز القوة العسكرية الأمريكية، التي كانت من وجهة نظره في المقام الأول لحسم الحرب الباردة. لذا، من المحتمل أنّ ذلك كان سيضعف طموح الأمريكيين في الوصول إلى القمر.


إنهاء الخطة


ماذا عن الاحتمال الثاني؟ ماذا لو بدأت أمريكا مشروع أبولو فعلياً ولكن قررت التوقف عند حد معين؟


قال لاونيوس أنّ هذا السيناريو كان محتملاً. ففي استطلاعات الرأي في الستينيات عن هوية المتقدم في سباق الفضاء بين الأمريكيين والسوفييت، كان الناس يعتقدون أنّ السوفييت هم المتقدمون في بداية العقد.


قال لاونيوس: "لكن هذا الأمر انقلب بحلول عام 1965"، أي مع بداية برنامج جيميني Gemini لنقل رواد الفضاء إلى مدارٍ حول الأرض، "ففي تلك المرحلة كان من الممكن للرئيس أن يقول: لا يتعين علينا القيام بذلك وفق جدولٍ زمني متسارع".


وضع كنيدي هذا الجدول السريع لهبوط البشر على القمر قبل نهاية الستينيات، كما كان واضحاً في "خطاب القمر" الشهير الذي ألقاه في جامعة رايس في ولاية تكساس عام 1962. لكن اغتياله جعل الرئيس اللاحق له ليندون جونسون Lyndon Johnson يحترم وصيته، وذلك وفقاً لما قالته ناسا.


لكن برنامج أبولو كان باهظ التكلفة أيضاً، حيث استهلك 5.3% تقريباً من الميزانية الفيدرالية في ذروته، أي ما يقارب 104 مليار دولار حسب قيمة العملة في الوقت الراهن، وذلك وفقاً لما كتب لاونيوس في ورقةٍ بحثيةٍ. (كانت ميزانية ناسا 20.7 مليار دولار في 2018).


كان جونسون، بصفة خاصة، يتمنى لو أُنفِقت كل تلك الاموال في حربه ضد الفقر وليس في سباق القمر، ووفقاً للاونيوس، كان من الممكن للرئيس أن يقول: "ليس علينا أن نحقق ذلك وفق الجدول الزمني المُحدد سابقاً، فما المشكلة لو قمنا بذلك عام 1980 أو في وقتٍ لاحق؟"، ربما في هذا السيناريو، سيستمر الجدول الزمني بالتأخر مراراً وتكراراً، بحيث لا تصل الولايات المتحدة إلى القمر أبداً.


المنافسة الشرسة


إنّ السيناريو المٌفترض الأخير، هو الذي يخسر فيه الأمريكيون سباق الفضاء أمام السوفييت، وهو الأقل احتمالاً. على الرغم من أنّ للسوفييت كان لديهم برنامجٌ للوصول إلى القمر، إلا أنّ الكثير من موظفي الاستخبارات الأمريكية كانوا يعلمون في ذلك الوقت أنّ ذلك كان عبارةً عن "شكليات مضللة،" حسب تعبير لاونيوس.


قال لاونيوس أنّ الصواريخ الروسية المتجهة إلى القمر شهدت إخفاقاتٍ شبة مستمرة حتى عام 1974، أي بعد وقتٍ طويل من هبوط الولايات المتحدة على سطح القمر. أشار لاونيوس أنه بعد انتهاء الحرب الباردة وبداية العمل بين خبراء الفضاء الروس وناسا، اعترف أحدهم للاونيوس بأنهم اعتقدوا أنّ الحظ حالف الولايات المتحدة في رحلة أبولو 11.


"ولكن عندما شاهدنا هبوط رحلة أبولو 12، فقد أدركنا أننا مُتأخرون بالفعل"، وفقاً لما أخبر أحد خبراء الفضاء الروس لاونيوس.


كان هبوط أبولو 12 دقيقاً، حيث كان موقع الهبوط على بُعد بعض مئات الأقدام من إحدى مركبات برنامج سوفاير Surveyor التي مهدت الطريق للهبوط على القمر. يقول لاونيوس أنّ الروس عندما شاهدوا هذا الهبوط، فقد اعتقدوا "أنه من المستحيل أن ننجح في القيام بذلك".


مأساة في الفضاء


الاحتمال الأخير هو حدوث حادثٍ كارثي كموت طاقم المهمة على سطح القمر؛ ولكن حتى في ظلّ هذا السيناريو المفجع، لا يعتقد لاونيوس أنّ السابق الوصول للقمر كان سينتهي.
قال لاونيوس: "بالتأكيد، كان ذلك سيبطئ من سرعة السباق، ولكن لم يكن ليوقفه".


بالفعل، وقعت أحداث فظيعة في برنامج أبولو قبل الهبوط الناجح لأبولو 12، بدايةً مع الحريق الذي نشب في مقصورة أبولو 1 الذى أدى إلى مقتل أفراد الطاقم الثلاثة خلال اختبار الإطلاق على الأرض. قال لاونيوس معقباً عن ناسا: "ولكن كلما حدث شيء يعيقهم، فهؤلاء الشجعان لم يكن ليموتوا هباءً".


ومع كل ذلك، ماذا سيبدو الوضع في الوقت الراهن لو لم تهبط البشرية على القمر؟


يقول لاونيوس أنه من غير المحتمل أنّ تكنولوجيا اليوم ستكون متخلفة كثيراً في حال لم نهبط على القمر، فلم تخترع ناسا في الواقع عناصر فرعية من برنامج أبولو يمكن أن يُستشهد بها، مثل مشروب تانج ومركب تيفلون، وفقاً للمتحف الوطني للطيران والفضاء. إنّ محاولة تحديد كيف ستبدو الأمور؛ ووفقاً للمتحف: "لو لم نشارك في رحلات الفضاء ... لن تكون ممكنة، لكن الأمور ستكون مختلفةً في الواقع".


بالنسبة للاونيوس، سيكون التغيير الأكبر في جدول تكنولوجيا الرحلات الفضائية؛ ففي ورقته العلمية، كتب لاونيوس أنه عندما تأسست وكالة ناسا، كانت النقاط التالية تمثل خطوات التقدم الطبيعي لاستكشاف الفضاء:


• إرسال الأقمار الصناعية لمدارٍ حول الأرض لفهم الفضاء بصورة أعمق.
• إرسال البشر في رحلات نحو مدارٍ حول الأرض لدراسة رد فعلهم هناك.
• تطوير مركبات فضائية قابلة لإعادة الاستخدام لتستخدم للسفر من وإلى الفضاء.
• بناء محطة فضاء مأهولة بشكل دائم.
• إرسال أشخاص للقمر وبناء قاعدة هناك.
• إرسال البعثات الاستكشافية إلى المريخ، ومن ثم بدء استعمار الكوكب الأحمر.

من الواضح أنّ برنامج أبولو حقق أحد الأهداف النهائية ودفعه إلى الأمام بشكلٍ ملحوظ. ربما لو لم يحدث ذلك، لكانت ناسا اهتمت أولاً ببناء مركبة فضاء قابلة لإعادة الاستخدام مثل مكوك الفضاء ثم بعد ذلك بناء محطة فضاء. وفي ظلّ هذا الجدول الزمني البديل، كنّا سنبدأ الآن بالسفر إلى القمر.


بالتأكيد، لو لم نصل إلى القمر سابقاً، فسيحاول المجتمع الفضائي في الوقت الحالي تحقيق ذلك بكل جهده، وفقاً لما قال لاونيوس. ولكن بدون الحرب الباردة، فلن يكون هناك دافعٌ سياسي لتحقيق ذلك. ووفقاً للاونيوس "أشك أنّ الرئيس الأمريكي سيقول أننا نحتاج للقيام بذلك، ولكن الناس المهتمين بالفضاء سيقولون هذا بكل تأكيد".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات