البروتونات والبروتونات المضادة تبدو متطابقة
أجرى باحثون اختبارًا مكثّفًا على خاصيّة أساسية للنموذج القياسي في فيزياء الجسيمات (standard model )، وتُعرف هذه الخاصية بتناظر CPT. وقد جاء هذا الاختبار نتيجةً لعملٍ مشترك بين معهد ريكن لعلوم المواد الناشئة RIKEN، وبين معهد BASE، وأُجري في منظمة الأبحاث النووية الأوربية CERN.
نجحت هذه التجربة في أخذ قياسات عالية الدقة لنسبة الشحنة إلى الكتلة لدى كل من البروتونات (protons)، ونظرائها البروتونات المضادة (antiprotons).
نُشرت هذه الدراسة أو التجربة في مجلة "Nature"، وقد تم تنفيذها باستخدام مبطئ البروتونات المضادة الموجود في سيرن، إذ يستطيع هذا الجهاز توليد بروتونات مضادة ذات طاقة منخفضة لاستخدامها في دراسات المادة المضادة.

تظهر الصورة مسقطًا مقطعيًا للجهاز المستخدم من معهد BASE. أثناء التجربة تُستقبلُ البروتونات المضادة المرسلة من مبطئ البروتونات، وتتشكل أيونات الهيدروجين السالبة أثناء عملية حقن الجهاز. تعمل تجهيزات الجهاز مع زوج من الجسيمات فقط في وقت واحد، في حين أنّ مجموعة كبيرة مؤلفة من الأزواج تكون موجودة في خزان الجهاز وجاهزة للاستخدام مستقبلاً. عند هذه المرحلة، تكون البروتونات المضادة موجودة في مصيدة القياس، بينما تكون أيونات الهيدروجين السالبة محتجزة عند نهاية القطب الكهربائي. وبعد إتمام قياس البروتونات المضادة، يتم عكس العملية فتحل البروتونات المضادة محل أيونات الهيدروجين السالبة، والعكس صحيح. تُعاد هذه العملية مراراً وتكراراً، مما يتيح إمكانية إجراء مقارنة عالية الدقة بين نسبة الشحنة إلى الكتلة لدى كلا الجسيمين. Credit: CERN
يعتبر هذا الثابت ركيزةً أساسية في النموذج القياسي، ويعني أن جسيمات المادة المضادة يجب أن تكون صورة طبق الأصل لجسيمات المادة، بحيث أن العنصر الوحيد المختلف هو الشحنة الكهربائية.
يقول ستيفان أولمر Stefan Ulmer، وهو العالم الذي قاد فريق البحث في هذه التجربة : "إنها مسألة غاية في الأهمية، فهي ستساعدنا في فهم سبب عيشنا في كونٍ لا يحوي عملياً أية مادة مضادة، وذلك بغض النظر عن حقيقة أن الانفجار الكبير (Big Bang) يجب أن يكون قد أدى إلى خلق كليهما (أي المادة والمادة المضادة). ففي حال وجدنا انتهاكات وتجاوزات لثابت CPT، فإن ذلك ربما يعني أن كلاّ من المادة والمادة المضادة تتمتّع بخصائص مختلفة عن الأخرى (على سبيل المثال، يتحلل البروتون المضاد بشكل أسرع من البروتون)، إلا أننا وجدنا أن نسبة الشحنة إلى الكتلة ستبقى هي ذاتها، ضمن حدود صارمة جداً".
ولإجراء هذه البحوث، استخدم فريق العلماء خطةً مشابهةً لتلك التي طورها العمل المشترك المسمى TRAP في تسعينيات القرن الماضي. وقد قام العلماء باستقبال البروتونات المضادة، وأيونات الهيدروجين السالبة -بدلاً من البروتونات- المرسلة من مبطئ البروتونات المضادة Antiproton Decelerator، ومن ثمّ حصروا زوجًا من البروتونات المضادة وأيونات الهيدروجين في جهاز يُعرف بمصيدة الكتابة المغناطيسي (magnetic Penning trap)، وذلك بهدف إبطاء سرعتها لتصبح ذات طاقة متدنيةً جداً.
وبعد ذلك، قاس الفريق التردد السكيلوتروني للأزواج (cyclotron frequency)، وهو قياس يسمح للعلماء بتحديد نسبة الشحنة إلى الكتلة، ثم قارنوا تلك التردادات مع بعضها بهدف معرفة مدى التشابه فيما بينها. وبشكل إجمالي، قاس العلماء ما يقرب من 6500 زوجٍ خلال مدة زمنية استمرت لـ 35 يوماً.
وفي معرض تعليقه على نتائج التجربة يقول أولمر: "لقد وجدنا أنّ نسبة الشحنة إلى الكتلة هي ذاتها ضمن نطاق يبلغ 69 جزءاً من التريليون". ويتميز هذا القياس بأنّ تحليل الطاقة فيه أعلى بأربع مرات من القياسات السابقة التي أجريت على زوج البروتون والبروتون المضاد، كما أنه يحدّ بشكل كبيرٍ من إمكانية انتهاك ثابت CPT.
ويردف أولمر قائلاً: "نخطط في نهاية المطاف إلى إنجاز قياسات تكون دقتها أعلى على الأقل بـ 10 أو 100 مرة من المعيار الحالي". ويؤثر هذا البحث على ما يعرف اصطلاحاً بمبدأ التكافؤ الضعيف (weak equivalence principle) الذي تُبنى فكرته على أساس أن الجسيمات ستتأثر بالجاذبية بنفس الطريقة، بغض النظر عن كتلتها ونوع شحنتها. وقد استخدم فريق البحث نتائج اكتشافاتهم في حساب ذلك خلال جزء واحد من المليون، فوجدوا أن كلاً من المادة والمادة المضادة يتصرف بنفس الطريقة فيما يتعلق بالجاذبية.
وتقول العضو في فريق أبحاث BASE كريستينا سمورا Christian Smorra: "هناك العديد من الأسباب، إضافة إلى النماذج الأساسية، التي تجعلك تؤمن بالفيزياء. وتتضمن هذه الأسباب اللغز الغامض للمادة المظلمة (dark matter)، إضافة إلى حالة عدم التوازن بين المادة والمادة المضادة بالطبع. وستحدد هذه القياسات، ذات الدقة العالية جداً، عدداً من الثوابت الجديدة والمهمة، كما ستساعدنا في تحديد اتجاه الأبحاث العلمية في المستقبل".