الاختصارات الكمومية: هل سنشهد قريباً ولادة محرك كمومي

الاختصارات الكمومية: هل سنشهد قريباً ولادة محرك كمومي

 

تتواجد التقنيات الكمومية بأشكال كثيرة من التطبيقات انطلاقاً من الحواسيب والمستشعرات وأنظمة التشفير، ووصولاً إلى أنظمة المحاكاة والتصوير، إلا أن جميع الأنظمة الكمومية (Quantum Systems) الحالية والمستقبلية تشترك بأمرٍ واحد وهو حاجتها إلى امتلاك القدرة على التحكم بأنظمة فيزيائية مثل الذرات أو الفوتونات.

 

ومن الطرق الشائعة لتحضير الأنظمة الكمومية وفقاً لحالة كمومية مرغوب بها، تقنية تُعرف بالعملية الكمومية الأدياباتية (Quantum Adiabatic Process)، ولكن هذه العمليات غالباً ما تكون طويلة إلى درجة تستطيع معها الضوضاء البيئية التسبب في فقدان تماسك الحالة الكمومية ومن ثم خسارتها لكموميتها.

 

ولتسريع عملية تحضير الحالة الكمومية والتقليل من فقدان الترابط (Decoherence)، فقد اشتّق علماء الفيزياء ما يُعرف بـ "اختصارات الأدياباتية shortcuts to adiabaticity" التي تختصر بـ STA، حيث يُشير ذلك إلى أي عملية يتم من خلالها تحضير حالة كمومية خلال وقتٍ أقصر مقارنةً مع العمليات الأدياباتية ودون فقدان الفوائد الناجمة عن كون العملية أدياباتية.

 

كما وسّع العلماء طريقة STA، المُطورة في الأساس للتعامل مع الأنظمة المكونة من جسيمات منفردة، من أجل التعامل مع الأنظمة متعددة الأجسام (many-body systems)، وهي التي ترتبط بشكلٍ أكبر بالتطبيقات العملية، ومع ذلك فإلى الآن، يُواجه تطبيق طريقة STA مع الأنظمة متعددة الأجسام تحديات كبيرة جداً جرّاء التعقيد المتأصل في هذه الأنظمة.

في ورقة علمية نُشرت في مجلة Physical Review Letters، اشتّق عالم الفيزياء ستيف كامبل (Steve Campbell) وزملاؤه من جامعة كوين في المملكة المتحدة وجامعة باليرمو في بيزا بايطاليا والجامعة الوطنية في سينغافورا طريقة جديدة وهجينة لتحضير الحالات الكمومية للأنظمة متعددة الأجسام، وهي تجمع بين STA والتحكم الأمثلي (Optimal Control).

 

تكمن الفائدة الأساسية للطريقة الجديدة في قدرتها على إنجاز أداء مثالي تقريباً بالنسبة لـ STA، ما يسمح بالوصول إلى تبسيط كبير؛ ولا يتم الأمر عبر المعرفة الكاملة بالآليات التي تحكم العملية، تبين هذه الطريقة أنه من الممكن تسريع عملية تحضير الحالة الكمومية بتكاليفٍ منخفضة جداً ما يبرر الحاجة إلى استخدام الاختصارات الكمومية.

 

يقول كامبل لـ Phys.org: "يبيّن عملنا أن الحل موجود عندما تكون مسألة الجسم المتعدد الكمومي من صنف ليبكن-ميشكوف-كليك (LMG)، التي تُمثل حالة مهمة جداً وقد جذبت اهتمام الكثير من أعضاء المجتمع الكمومي بما في ذلك فيزياء الحالة الصلبة ومعالجة المعلومات الكمومية والفيزياء الرياضية وكل ذلك غيضٌ من فيض".

 

ويتابع قائلاً: "تعتمد طريقتنا في حل المسألة بشكلٍ أساسي على نهج ‘اعرف عدوّك‘، حيث نستغل التناظرات المتأصلة في المسألة والتي نُريد مواجهتها والاستفادة منها لاشتقاق اختصار كمومي ناجح".

 

ووفقاً للباحثين، يُمكن فهم هذا الاختصار الكمومي أو STA وكأنه سائق يبحث عن أسرع الطرق للوصول إلى العمل.، يقول كامبل: "باختصار، يُمكن فهم عملنا بالاعتماد على تشبيه ليمان البسيط: افترض أنك تريد قيادة سيارتك على الطريق السريع من المنزل إلى مكتبك، لكنك لا تريد في الوقت نفسه دخول نقاط الزحام يوم الاثنين، إنك تُريد في الواقع الوصول إلى مكان عملك، ولا تُريد دفع أي شيء، لكنك ستكون في هذه الحالة بطيئاً جداً، ومن المرجح أنك لن تتمكن إلا من حضور نصف ما عليك القيام به ذلك الصباح".

 

ويُضيف كامبل: "نتيجة لذلك تُقرر سلوك اختصار يأخذك على طول طريق يتطلب دفع تكاليف مادية للقيادة عليه، حسناً، لقد دفعت القليل، لكنك في المقابل وصلت إلى مكان عملك في الموعد الدقيق وباختصار كبير للزمن، ويُمكنك القيام جرّاء ذلك بالكثير من الأمور في صباح يوم الاثنين هذا، وسيكون مديرك سعيداً، كما سيُقدم لك علاوة تعني بدورها أنها ستُغطي تكاليف ما دفعته للوصول في الواقع إلى العمل".

 

ويتابع: "الآن خذ كل ما سبق إلى العالم الكمومي، فسيارتك هي نظام كمومي مُحضر في حالة معينة (مثلاً أن تكون في المنزل) ويجب أن ينتقل إلى حالة جديدة (أن تكون في مكتبك مثلاً)، ولديك خياران: تستطيع فعل ذلك ببطء لا متناهي (الذهاب على الطريق المزدحم)، أو أخذ اختصارات سريعة (أي تطبيق اختصار الأدياباتية STA) ذات التكلفة الأعلى قليلاً -عند الحديث عن الطاقة- لكنّها ستؤدي إلى الانتقال المرغوب به وبشكلٍ أسرع بكثير".

 

عند وجود شخص وحيد في المسألة، فإن الأمر يُشبه حالة مسألة وحيدة الجسم، لكن وكما يُضيف كامبل، عندما نُضيف العديد من الركّاب فإن ذلك الأمر يجعل من المسألة أكثر تعقيداً وتتحول إلى حالة تُعرف بمسألة الأجسام المتعددة.

 

يقول كامبل: "الآن، قُم بنفس الشيء مع كل أصدقائك الذين يُريدون الوصول إلى مكتبك في الوقت نفسه، ويتركون منازلهم عند نفس اللحظة، كما أن الجميع يُواجهون قضية الزحام نفسها، وهذا ما ندعوه بمسألة الأجسام المتعددة. تبدو تلك المسألة صعبة جداً (عليك إقناع الجميع بالدفع)، وفي الواقع، في الوقت الذي عُرفت فيه تقنيات STA وعملت من أجل المسائل وحيدة الجسم، إلا أنّ تطبيقها في حالة الأجسام المتعددة الكمومية لا يزال غير معروف تماماً حتى الآن".

 

إن إثبات قدرة STA على العمل مع الأنظمة متعددة الأجسام، سيخلق طريقة جديدة قابلة للاستخدام في مجالٍ واسع من التطبيقات، وذلك لأنّ تحضير الحالة الكمومية مهم بالنسبة للعديد من التقنيات الكمومية المستقبلية.

 

يُخطط الباحثون في المستقبل لإجراء فحص أعمق للتكاليف الحقيقية، أو لمعرفة مقدار الطاقة اللازمة لتطبيق STA بشكلٍ دقيق، كما يخططون للمضي في الخطوة الأولى نحو بناء محرك كمومي (Quantum Engine) يستخدم هذه الطريقة بحيث تقوم فيها الأنظمة متعددة الأجسام بلعب دور بعض الدارات الترموديناميكية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات