الألياف البصرية النانوية:

 تتيح هذه التقنية تصوير انتشار الضوء عبر الليف البصري النانوي بشكل مباشر، والذي يشَاهد هنا كموجات زرقاء. أما الصورة أعلاه فهي تبين لقطة أبعد لتشتت ريلي على طول الليف البصري. يمثل الجزء الأبيض المشبع العنق الضيق لليف النانوي.
 


الألياف البصرية (optical fibers) عبارة عن خيوط زجاجية بسماكة شعرة الإنسان، مُستخدمة في توجيه الضوء، وقد أثبتت الألياف ذات النقاوة الاستثنائية أنها طريقة ممتازة لإرسال المعلومات على طول مسافات طويلة جداً، وأسست لأنظمة الاتصالات الحديثة. 

يعتمد الإرسال على ما يُعرف بالانعكاس الداخلي الكلي (total internal reflection)، حيث ينتشر الضوء جراء الارتداد الفعال إلى الأمام والخلف وعلى السطوح الداخلية للألياف. على الرغم من أن كلمة "الكلي" تُشير إلى أن الضوء يبقى بالكامل محتجزاً داخل الليف، إلاّ أنّ قوانين الفيزياء تقول أن بعضاً من الضوء- ذلك الشكل المعروف بالحقل سريع الزوال (evanescent field)- يُوجد خارج الليف. 

في الاتصالات، يكون قلب الليف أكبر من طول موجة الضوء المارة بعشر مرات، وفي هذه الحالة تصبح الحقول سريعة الزوال ضعيفة وتنعدم بسرعة بعيداً عن الليف. تمتلك الألياف النانوية (Nanofibers) قطراً أصغر من طول موجة الضوء المُوجّه، وهنا لا ينسجم حقل الضوء مع حجم الجزء الداخلي من الليف، مما يؤدي إلى تعزيز الحقول سريعة الزوال الموجودة خارج القلب، ويسمح ذلك للضوء باحتجاز الذرات -أو الجسيمات- بالقرب من سطح الليف النانوي. 

طوّر باحثو JQI بالتعاون مع علماء من مختبر الأبحاث البحرية تقنية جديدة من أجل تصوير انتشار الضوء داخل ليف نانوي بصري، وفصل الفريق نتائجه في العدد الحالي من مجلة Optica. تتمثل النتيجة بالحصول على قياس غير غازي (non-invasive measurement) لحجم وشكل الليف، بالإضافة إلى مشهد بالزمن الحقيقي لكيفية تطور الحقول الضوئية على طول الليف النانوي.

يُقدم القياس المباشر للحقول الموجودة داخل وحول الليف النانوي البصري رؤيةً على كيفية انتشار الضوء في هذه الأنظمة، ويُعبد الطريق أمام هندسة المصائد الذرية سريعة الزوال (evanescent atom traps) .

يستخدم الباحثون في هذا العمل كاميرا حساسة لجمع الضوء الناتج عما يُعرف بتشتت ريلي (Rayleigh scattering)، ليقدموا بذلك أولى القياسات الموضعية لتحرك الضوء داخل ليف بصري نانوي. 

يحصل "تشتت ريلي" عندما يرتد أو يتشتت الضوء عن جسيمات أصغر بكثير من طول موجة الضوء. وفي الألياف، يُمكن أن تكون تلك الجسيمات شوائب أو اهتزازات كثافة داخل الزجاج، وبالتالي ينطلق الضوء المتشتت عنها من الليف. 

يسمح هذا الأمر بمشاهدة انتشار الضوء من الجانب، وبطريقة مشابهة كثيراً لتلك التي يستطيع الشخص مشاهدتها عند رؤية شعاع ضوء الشمس عبر الضباب. ومن المهم القول أن كمية الضوء الصادر تعتمد على الاستقطاب (polarization)، أو اتجاه الاهتزاز الضوئي، وشدة الحقل في كل نقطة، مما يعني أن التقاط هذا الضوء يُعتبر طريقة لمشاهدة الحقل. 

ويهتم الباحثون هنا بفهم انتشار الحقل عندما تكون أمواج الضوء مؤلفة مما يُعرف بالوضعيات عالية الترتيب (higher-order modes)؛ فبدلاً من حيازة بروفايل مكاني متجانس مثل ذلك الخاص بالمؤشر الليزري، قد تبدو هذه الوضعيات مشابهة "للدونات"، أو البرسيم، أو أي نمط آخر أكثر تعقيداً. 

تُقدم الوضعيات عالية الترتيب بعض الفوائد مقارنةً مع تلك منخفضة الترتيب أو الأساسية؛ فجرّاء تعقيدها، يُمكن للحقل سريع الزوال أن يتمتع بشدة ضوئية أكبر في المنطقة ذات الأهمية المتوضعة مباشرةً خارج الليف. 

يُمكن كذلك استخدام هذه الوضعيات عالية الترتيب لصنع أنواع مختلفة من الأنماط البصرية، وإلى الآن لم تصبح الألياف النانوية قياسية، وبالتالي يُعد التوصيف الحذِر والكامل لكل من الليف والضوء المار داخله خطوة مهمة نحو جعلها أداة أكثر عملية وتكيفاً بالنسبة لتطبيقات الأبحاث. 


طوّر فريق البحث سابقاً تقنيات للتحكم بعملية تصنيع الليف بقصد دعم النقاء الشديد للوضعيات عالية الترتيب، وتعتمد جودة الوضعية على أشياء مثل عرض قلب الليف وكيفية تغير هذا العرض على طول الليف.


قد تتسبب الانحرافات والعيوب الموجودة في قطر الليف في وجود تجمعات غير مرغوب بها، وبحصول فقدان لوضعيات معينة؛ وعبر تحليل كيفية تغير الضوء المُرسل مع تمدد الليف إلى ليف نانوي، استطاع فريق البحث استنتاج كيفية تغير الوضعيات أثناء الانتشار داخل الليف. 

على أية حال لا توجد حتى الآن طريقة للقياس المباشر لشدة الحقل على طول الليف، مما سيُقدم رؤية أعمق وتحكماً بأشكال الحقول سريعة الزوال في موقع الذرات المُحتجزة، وقد يكون ذلك مفيداً في تحليل الألياف في الأماكن التي تتغير فيها شروط الانتشار لعدة مرات، أو في الحالة التي يُعاني فيها الليف من انفعال أو انحناء أثناء الاستخدام. 

يستطيع العلماء عبر جمع صور "تشتت ريلي" رؤية كيفية تغير الحقل على طول الليف النانوي بشكلٍ مباشر، ويُشاهدوا أيضاً تأثيرات تغير نمط الضوء المحقون في الليف. بالإضافة إلى ذلك، كان الفريق قادراً على استخدام معلومات الصور في الحصول على تغذية عكسية للنظام، وخلق تجمعات و وضعيات مرغوبة في الليف النانوي، وبذلك برهنوا على وجود مستوى من التحكم عالٍ جداً.

يُمكن استخدام التقنية نفسها في قياس بروفايل وعرض الليف نفسه، وفي هذه الحالة، تمّكن الفريق من تقدير نصف قطر الليف البصري الذي بلغ 370 نانومتر وتغيرات الوسط التي وصلت إلى 3 نانومتر. 

بشكلٍ ملحوظ، تم إجراء هذا التصوير الموضعي باستخدام بصريات قياسية نسبياً ولم يكن هناك حاجة إلى تدمير سلامة الليف جرّاء استخدام أغطية خاصة، وهي ضرورية عندما يتم الاعتماد على المسح المجهري الإلكترني. 

يعني ذلك إمكانية استخدام هذه القياسات المميزة لأّمْثَلة (optimize) الحقول التي تتفاعل مع الذرات أثناء التجارب، ويُعلق فريدريك فاطمي Fredrik Fatemi عالم الفيزياء والباحث في مختبر الأبحاث البحرية والمؤلف الرئيسي للدراسة: "أحد ميزات هذه التقنية هي إمكانية تطبيقها على الألياف المركبة حالياً في جهاز، ويستطيع المرء أيضاً سبر الألياف أو البنى النانوية الضوئية (nanophotonic structures) الأخرى المصممة للوضعيات الأساسية باستخدام أطوال موجية بصرية أقصر".

لتحسين هذا البحث بشكلٍ أعمق، يُخطط الباحثون لتعديل البصريات بقصد تصوير كامل طول الليف في صورة واحدة، أما حالياً، فتُصنع الصور عبر جمع مجموعة من الصور عالية الدقة معاً، كما هو موجود في الصورة المرافقة للمقال.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • قياس غير غازي أو باضع (non-invasive measurement): وهو نوع من أنواع القياسات التي يتم إجراؤها على الأجسام أو الأنظمة دون التسبب بتغيرٍ فيها.
  • تشتت ريلي (Rayleigh scattering): هو التشتت المرن للضوء أو الأمواج الكهرومغناطيسية على جسيمات أصغر بكثير من طول موجة الإشعاع الساقط.
  • الألياف النانوية (Nanofibers): هي ألياف تمتلك قطر أقل من 100 نانومتر، ولا يُمكن لحقل الضوء أن يتناسب مع حجم الجزء الداخلي لهذا النوع من الألياف، مما يؤدي إلى تعزيز قوة الحقول سريعة الزوال بجوار الليف.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات