قيود نظرية قوية على إيصال الإشارات الضوئية إلى أجهزة الحاسوب

تعدنا البصريّات، وهي شكلٌ من أشكال إرسال الطاقة بالاستفادة من الأشعة الضوئية، بالتفوق على الأشعة الإلكترونية المسؤولة اليوم عن عمل حاسوبك وهاتفك الذكي. 

لطالما سعى المهندسون لإيجاد طريقة لتصغير التقنيات البصرية، الموجودة في كابلات الألياف البصرية السريعة في أيامنا هذه، حتى يتمكنوا من زيادة سرعة وفعالية إرسال البيانات بالاعتماد على الضوء إلى الرقائق الحاسوبية، لكن مهندسين من جامعة ستانفورد قد أعلنوا عن وجود قيود نظرية قوية على ما أمله الباحثون لفترة طويلة من الزمن، إذ توقعوا الوصول إلى جهاز بسيط ويسمح بإرسال البيانات البصرية في اتجاه وحيد إلى رقاقة حاسوبية.

أعلن أستاذ الهندسة الكهربائية شانهوي فان Shanhui Fan وطالب الدراسات العليا يو جيري شي Yu Jerry Shi من جامعة ستانفورد اكتشافاتهما في ورقة علمية نُشرت في مجلة Nature Photonics، وبالمختصر، قد تُخيب الأخبار الجديدة آمال بعض المهندسين، لكنهم يعتقدون أن اكتشافاتهم ستُرشد الباحثين نحو البحث عن طرق لبناء طريق وحيد الاتجاه ليسلكه الضوء في رقاقة حاسوبية. 

درس فان وشي جهازاً يُعرف بالعازل غير الخطي (nonlinear isolator)، والذي أمل الباحثون بأنه سيسمح للمعلومات القادمة من الأشعة الضوئية بالتحرك "نحو الأمام" فقط، وفي الوقت نفسه يمنع الإرسال العكسي للمعلومات، وسيبسط مثل هذا الجهاز من عملية انتقال البيانات في الرقاقات الحاسوبية. 

يقول فان: "تبيّن لنا أنه يُوجد تسربٌ عكسي لم يتعرف إليه أحدٌ في السابق في مثل هذا النوع من الأجهزة". درس فان وشي رياضيات إرسال المعلومات البصرية للوصول إلى استنتاجاتهما، كما استخدما عمليات المحاكاة الحاسوبية. 

يحتاج المهندسون إلى الرقاقات الحاسوبية من أجل نقل المعلومات في اتجاهٍ وحيد، واليوم تعتمد تلك العملية على الأشعة الإلكترونية، وقد تعتمد في الغد على الأشعة الضوئية. تحتوي رقاقات اليوم على أجهزة خاصة تُعرف بالصمامات الثنائية (diodes) التي تُحافظ على جريان الأشعة الإلكترونية -وبالتالي على تدفق المعلومات- في الاتجاه الصحيح، وتحجب الأشعة الإلكترونية التي تُحاول التدفق في الاتجاه العكسي، وبذلك تمنع تشوه الإشارات. 

ستحتاج الرقاقة الحاسوبية البصرية، التي تستخدم الأشعة الضوئية، إلى "الصمام الثنائي الضوئي"، المعروف أيضاً بالعازل البصري؛ ودون ذلك الجهاز، ستتشوه الإشارات وسط ضجيج الخلفية (background noise).

على مدار عقود، وعدَنا جهازٌ يُعرف بالعازل غير الخطي بالكثير من حيث المساعدة في الحفاظ على تدفق المعلومات البصرية في اتجاهٍ واحد، وحجب الإشارات القادمة من الضوء المتدفق في الاتجاه المعاكس، ويُعلق فان: "لقد كان نهجاً طبيعياً، وهي فكرة وُجدت على مدار العديد من العقود". لكن نتائج فان وشوي تُشير إلى وجود قيد قوي جداً على العوازل غير الخطية؛ فعلى الرغم من أن الباحثين استخدموا الرياضيات وعمليات المحاكاة لإثبات وجهة نظرهم، إلا أن أسبابهم الدافعة إلى معارضة العوازل غير الخطية كانت صحيحة. 

استخدم الباحثون في أعمالهم السابقة طريقةً خاصة لاختبار فيما إذا كانت العوازل الخطية ستُحافظ على تدفق المعلومات في الاتجاه الصحيح، فوجهوا شعاعاً ضوئياً إلى "الأمام"، وتأكدوا من أن العازل سيسمح للضوء بالمرور. بعد ذلك، وجهوا شعاعاً من الضوء إلى "الخلف" نحو العازل، وتأكدوا من أن العازل سيحجب الشعاع، لكن لم يكن ذلك تدريباً قياسياً لاختبار الأشعة المتقدمة والمتراجعة في الوقت نفسه.

يقول فان: "قد يكون هناك أكثر من 100 ورقة علمية تستخدم هذه الطريقة، وقد كتبت بعضاً منها".

بالاعتماد على تلك الاختبارات، بدا أن العوازل غير الخطية تعمل؛ فقد ظهرت وكأنها تُحافظ على تدفق الأشعة الضوئية في اتجاه وحيد في الرقاقة الحاسوبية البصرية؛ لكن ما توصل إليه شي وفان بعد دراسة الرياضيات الكامنة وراء العوازل غير الخطية يطرح مشكلة، فأثناء حركة الأشعة المتقدمة تتسرب الأشعة المتراجعة في أرجاء الجهاز. 

يُعلق فان على الأمر قائلاً: "حالما تفهم النظرية الكامنة وراء المسألة، ستصير المشكلة واضحة تماماً، وستقفز مباشرةً إليك". كتب شي برهاناً رياضياً، واستخدم عمليات المحاكاة الحاسوبية للبرهان على كون العوازل الخطية طرقاً ثنائية الاتجاه في الواقع، ويُضيف فان: "إذا كان الضوء متجهاً إلى الأمام، يُمكن حينها للضوء القادم من الاتجاه المعاكس أن يتحرك داخل الجهاز أيضاً".

تُعتبر هذه الاكتشافات مهمة من أجل تصميم العوازل الخاصة بالرقاقات البصرية، ويحتاج المهندسون إلى البحث في مكانٍ آخر عن أجهزة تسمح للمعلومات البصرية بالتدفق في اتجاهٍ وحيد، وليس في الاتجاهين. 

يدرك فان وشي أنهم ينقلون أخباراً غير مرحب بها إلى زملائهم، ويقول فان: "إنها فكرة كانت موجودة على مدار الكثير من العقود، لكنها لن تعود بسيطة بعد الآن؛ لقد سددنا المسار قائلين: لا تعبر في هذا الطريق". 

لكن الباحثين لا يزالان يأملان أن تجدد هذه الأخبار من الاهتمام بالطرق الأخرى لصناعة المسارات أحادية الاتجاه للاتصالات البصرية في الرقاقات الحاسوبية. وفي الواقع، يأمل شي العمل على مثل هذا النوع من الأسئلة في بقية بحث الدكتوراه الخاص به.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات