كيف يوازن الدماغ بين المجهود والمكافأة

 كيف نقرر ما إذا كان أمرٌ ما يستحق الجهد المبذول؟ هذا ما كان الباحثون من جامعة أوكسفورد وكلية لندن الجامعية يبحثون عن إجابته.

من المعلوم أن كل فعل نقوم به يكلفنا طاقة جسدية، ومع ذلك، تتجه الدراسات المتعلقة باتخاذ القرار نحو كيفية وزننا للأمور بعقولنا، لا من حيث تكلفة الطاقة لهذه الأفعال، ولكن من حيث المخاطر والوقت الذي تكلفه هذه الأفعال. كما أن فهمنا لكيفية معالجة الدماغ للقرارات التي يقيّم فيها الجهد مقابل الثواب قد يزودنا بفهم أعمق حول الاضطرابات العقلية التي تتميز بعدم الرغبة في بذل أي مجهود.

ومن أجل ذلك، قرر فريق البحث أن يرى ما إذا كان هناك نظام معين في الدماغ يختص بتقييم التكلفة الجسدية للقرارات التي يتخذها، ويقرر بناء عليها، وذلك في دراسة يدعمها كل من صندوق ويلكم Wellcome Trust و مجلس الأبحاث الأوروبية European Research Council.

قالت الباحثة الدكتورة ميريام كلاين فلوغا Miriam Klein-Flügge: "طلبنا من المتطوعين الأخذ بالخيارات التي تشمل مستويات مختلفة من المكافأة النقدية والجهد البدني، بينما وضعناهم في آلة التصوير بالرنين المغناطيسي، فوجدنا أن القرارات تتأثر بحجم المكافأة وبالجهد المطلوب، ولا عجب أنهم فضّلوا خيار المكافآت الكبيرة والمجهودات الأقل. ومن ثم نظرنا في مناطق الدماغ المتعلقة بصنع القرار".

وجد الفريق نمطًا من النشاط متعلقًا بثلاث مناطق من الدماغ في منطقة تعرف باسم الباحة الحركية الإضافية Supplementary Motor Area، والقشرة الحزامية الظهرانية الأمامية Dorsal Anterior Cingulate Cortex والبطامة Putamen، وأظهرت التحليلات أيضًا أن تقييم الجهد متركز في الباحة الحركية الإضافية (SMA) وفي البطامة، بينما كانت شبكة منفصلة في قشرة الفص قبل الجبهي البطني الإنسي Ventromedial prefrontal cortex لتقييم المكافأة.

رمّزت القشرة الحزامية الأمامية الظهرانية الفرق بين الجهد والمكافأة كقيمة مفردة، ومن المرجح أنه تم الربط بين نتائج الدارتين العصبيتين المتعلقتين بالمكافأة والجهد، وكان النشاط في هذه المنطقة مرتبطًا مع درجة تأثر اختيارات المتطوعين بالقيمة الإجمالية.

وقالت الدكتورة ميريام كلاين فلوغا: "يتناسب هذا البحث ونتائج دراسات أخرى ويضيف إليها، ليس هناك نظام واحد في الدماغ مسؤول عن صنع القرارات، بل إنها مجموعة من الأنظمة المندمجة بمرونة، والتي تتخذ القرار اعتمادًا على الموقف الذي نواجهه، ولقد حددنا النظام المتعلق بالجهد، وهو العامل المشترك الموجود في كثير من القرارات".

"يوفر هذا البحث نظرة عميقة على عدد من الاضطرابات بما في ذلك الاكتئاب واللامبالاة والفصام ذي الأعراض السلبية. غالبًا ما يظهر المرضى الذين يعانون من هذه الاضطرابات انخفاض القدرة على القيام بمجهود للحصول على مكافأة. وقد اختلفت حساسية متطوعينا تجاه المجهود وأظهرت مستويات مختلفة من النشاط العصبي، مما يوحي بأن هناك مستويات مختلفة من نظامي المكافأة والجهد عند الناس".

"قد تنطوي بعض الاضطرابات على وجود اختلال حاد بشكل خاص بين هذين النظامين التعلقين باتخاذ القرار. ومع ذلك فإننا نحتاج إلى المزيد من الأبحاث لاستيضاح هذه النتائج".

قالت الدكتورة راليزا ستويانوفا، في فريق علم الأعصاب والصحة العقلية في ويلكوم: "وهناك العديد من الحالات التي تتطلب منا الموازنة بين الجهد والمكافأة، فعلى سبيل المثال، اتخاذ قرار ما إذا كان الحصول على الشطيرة المفضّلة لدينا يستحق المسير مطولاً بدلًا من المسير لفترة قصيرة والحصول على شطيرة غير مفضلة".

"وعلى الرغم من أننا نعرف الكثير عن ردود فعل الدماغ للمكافآت ذات الأحجام المختلفة، فالدراسة الحالية هي الدراسة الأولى التي تسلط الضوء على منطقة الدماغ التي تشارك في مقارنة حجم المكافأة بالجهد البدني المطلوب للحصول عليها. نظرًا لأن مجموعة من الظروف النفسية تنطوي على صعوبات في الوصول إلى مكافآت عندما تتطلب جهدًا وهذه النتائج تفتح الباب لأبحاث مستقبلية، التي قد تختبر مسألة إمكانية انحراف هذين النظامين عن توازنهما، وكيف يتم ذلك".


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات