باحثون يدربون الحواسيب على فهم الخدع البصرية

خبراء الرؤية الحاسوبية في جامعة براون Brown University يعلمون الحواسيب رؤية الخدع البصرية المعتمدة على السياق على أمل مساعدة خوارزميات الرؤية الصناعية لأخذ السياق بعين الاعتبار لجعلها أكثر متانة. حقوق الصورة: مختبر سيري Serre Lab - جامعة براون.

 
هل تلك الدائرة خضراء أم رمادية؟ هل خطوط المركز مستقيمة أم مائلة؟
يمكن للخدع البصرية أن تكون ممتعة للتجربة والنقاش، لكن ما زالت طريقة إدراك العقل البشري لهذه الظواهر المختلفة محط أنظار البحث العلمي. هناك صنف من الخدع البصرية يسمى بالظواهر السياقية (Contextual Phenomena)، ومن المعروف أن هذه التصورات تعتمد على السياق؛ فمثلاً، إن اللون الذي تعتقد أنه لون الدائرة المركزية، يعتمد على لون الحلقة المحيطة بتلك الدائرة. في بعض الأحيان، يوحي اللون الخارجي أن اللون الداخلي أكثر شبهاً به، مثل حلقة خضراء مجاورة تجعل حلقة زرقاء تبدو ذات لونٍ فيروزي، لكن أحياناً يجعل اللون الخارجي اللون الداخلي أقل تشابهاً، مثل حلقة زهرية تجعل دائرة رمادية تبدو مخضرة.
 
عاد فريق من خبراء الرؤية الحاسوبية  في جامعة براون إلى الأساسيات لفهم الآلية العصبية لهذه الظواهر السياقية، ونُشرت دراستهم في 20 سبتمبر/أيلول الماضي في المجلة العلمية Psychological Review.
 
يقول توماس سيري Thomas Serre، وهو أستاذ مساعد في العلوم المعرفية واللغوية والنفسية في جامعة براون Brown University، والكاتب الرئيس للورقة البحثية: "هناك إجماع متزايد على فكرة أن الخدع البصرية ليست مشكلة وإنما ميزة. أعتقد أنها ميزة، فرغم تمثيلها لقضايا هامشية في نظامنا البصري، إلا أن رؤيتنا قوية جداً في ظروف حياتنا اليومية وفي مجال التعرف على الأغراض".
 
إن فريق البحث الذي يقوده سيري والذي يتبع لمعهد كيرني لعلوم الدماغ Carney Institute for Brain Science في جامعة براون، بدأ عمله باستخدام نموذج حاسوبي مقيد بالبيانات التشريحية والفيزيولوجية العصبية للقشرة البصرية للدماغ. هدف هذا النموذج التقاط كيف تعمل الخلايا العصبية المجاورة على إرسال رسائل لبعضها وتعديل استجابات الأخرى عندما تتعرض لمحفزات معقدة مثل الخدع البصرية السياقية.
 
يقول سيري إن أحد الابتكارات التي شملها الفريق ضمن نموذجهم هو نمط خاص من اتصالات التغذية الراجعة الافتراضية بين العصبونات. بإمكان اتصالات التغذية الراجعة هذه أن تزيد أو تقلل (أن تثير أو تكبح) استجابة العصبون المركزي، بالاعتماد على السياق البصري.
 
إن هذه الاتصالات ليست حاضرة في معظم خوارزميات التعلّم العميق، حيث إن التعلّم العميق هو نوع فعال من أنواع الذكاء الاصطناعي بإمكانه تعلم الأنماط المعقدة من البيانات، مثل التعرف على الصور وتحليل الكلام العادي، وتعتمد على طبقات متعددة من الشبكات العصبية الصناعية التي تعمل سوياً. ومع ذلك، تتضمن معظم خوارزميات التعلم العميق فقط على اتصالات التغذية الأمامية بين العصبونات داخل الطبقة، ولا تحوي اتصالات التغذية الراجعة المبتكرة التي استخدمها سيري بين العصبونات في الطبقة الواحدة.
 
بمجرد إنشاء النموذج، عرض الفريق مختلف الخدع البصرية المعتمدة على السياق على النموذج. ضبط الباحثون قوة اتصالات التغذية المرتدة المثيرة أو الكابحة، ما أدى بعصبونات النموذج إلى الاستجابة بطريقة تتناسب مع البيانات الفيزيولوجيا العصبية من القشرة البصرية الرئيسية. بعد ذلك، جربوا النموذج على مجموعة متنوعة من الخدع البصرية السياقية، ومجدداً، وجدوا أن النموذج تعامل مع الخدع مثل البشر. 
 
من أجل اختبار فيما إذا جعلوا النموذج معقداً بدون داعٍ لذلك، بسّطوا النموذج من خلال إزالة بعض التوصيلات المختارة، وعندما كان النموذج يفتقد بعض هذه التوصيلات، لم تطابق البيانات الناتجة بيانات المنظور البشري بشكلٍ دقيق.
 
يقول سيري: "إن نموذجنا هو أبسط نموذج قادر على شرح سلوك القشرة البصرية بما يتعلق بالأوهام السياقية بشكلٍ ضروري وكافٍ. لقد كان حقاً عملاً مبنياً على علم الأعصاب الحاسوبية، حيث بدأنا بنموذج لشرح بيانات الفيزيولوجيا العصبية وانتهينا ببيانات لتنبؤات نفسية جسدية بشرية".
 
بالإضافة إلى تقديم تفسير موحد لكيفية رؤية الإنسان لنوعٍ من الخدع البصرية، يبني سيري على هذا النموذج بهدف تطوير الرؤية الاصطناعية. وأشار إلى أن أحدث خوارزميات الرؤية الاصطناعية الحالية، مثل تلك التي تستخدم لتحديد الوجوه أو التعرف على إشارة التوقف، لديها مشكلة في رؤية السياق، ويأمل في معالجة هذا الضعف من خلال تضمين الاتصالات/الروابط الأفقية المضبوطة والمدرّبة من خلال الخدع البصرية السياقية.
 
ربما سيكون من الصعب خداع برامج التعلم العميق البصرية التي تأخذ السياق بالحسبان. يقول سيري إن مجرد وضع لاصق معين على إشارة التوقف ستقدر على خداع نظام الرؤية الصناعية بجعله يعتقد أنها إشارة حد السرعة لـ 65 ميلاً في الساعة، وهذا الأمر خطير.
 
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات