تصديقا لأساطير الأمازون، عثر العلماء على نهر غامض يغلي!

الحقيقة أغرب من الخيال 

فيونا ماكدونالد Fiona Macdonald 18 شباط/فبراير 2016

لقرونٍ عدة، كان سكان البيرو المحلّيون يروون قصة النهر الذي يغلي في الأمازون بدرجة حرارة قاتلة، وتروي الأساطير أن المستعمرين الأسبان غامروا بحماقة داخل الغابات المطيرة باحثين عن الذهب، ليعود قليل منهم فقط ويرووا حكاياتٍ عن ماء مسموم، وأفاعٍ ملتهمةٍ للبشر، ونهرٍ يغلي من أسفله.

 


وبالنسبة لعالِم الأرض البيروفي أندريس روزو (Andrés Ruzo) فإن الأسطورة لفتت انتباهه منذ صغره، ولكنه لم يبدأ البحث عن حقيقة وجود هذا النهر إلا بعد أن أنهى أطروحة الدكتوراه عن مخزون الطاقة الحرارية الأرضية في البيرو.



ووفقاً للخبراء الذين سألهم أندريس، فقد كانت الإجابة التي أجمعوا عليها لسؤاله: "لا"، ولكن ذلك لاينفي وجود الأنهار الساخنة، إلا أنَّها تترافق مع وجود البراكين، غير أنه لا وجود للبراكين في تلك المنطقة.



وعندما عاد روزو إلى موطنه خلال فترة الأعياد، سأل عائلته عن مصدر هذه الخرافة. حينها أخبرته والدته أن هذا النهر ليس موجودًا وحسب بل إنها، علاوة على ذلك، سبحت فيه من قبل برفقة شقيقتها.



بدا له الأمر سخيفاً إلى حد ما، قبل أن يتسنّى له الولوج داخل غابة الأمازون المطيرة برفقة خالته ليشاهد النهر المزعوم بأم عينه عام 2011.



وخلافًا لما كان يتوقع، فقد كان النهر حارّاً حدّ التبخر. صرح روزو في حديث له في مؤتمر تيد (TED) عام 2014: "عندما أبصرت ذلك انتزعت مقياس الحرارة على الفور، وقد كان متوسط حرارة مياه النهر 86 درجة مئوية، وهي ليست كافية للتبخر ولكنها قريبة من ذلك بالتأكيد والنهر لم يكن ذلك مجرد أسطورة".



كان الحجم الكبير للنهر أكثر ما يثير العجب، فلم تكن الينابيع الساخنة نادرة الوجود. كذلك، فإن البرك الساخنة تصل لدرجة الحرارة هذه في أماكن أخرى من العالم. الفرق، أنه لا يوجد ما يشبه هذا النهر، إذ يبلغ عرضه 25 متراً وعمقه 6 أمتار، وتغلي مياهه الساخنة على امتداد 6.24 كليومتراً.



أضف إلى ذلك كون النهر بعيداً عن أقرب بيئة بركانية مسافة 700 كم، ما يضيف سببّا إلى العجز عن تفسير سبب هذه الحرارة المرتفعة. في الحقيقة، يُعدّ هذا النهر هو الوحيد من نوعه في العالم.



وبإذن من الشامان [1] (SHAMAN) قضى روزو السنوات الخمس الماضية في دراسة النهر ومياهه والنظام البيئي المحيط به بالمخبر على أمل إيجاد تفسير علمي لما يحدث.

 


ولتوضيح الأمر، فإن روزو لم يكن أول من اكتشف النهر، فكما يُعرف من اسمه الأصلي - شاناي- تمبيشكا (Shanay-timpishka) والذي يعني "المغلي بفعل الشمس"، فإنه لم يكن أيضاً أول من تساءل عن سبب سخونته.



لكن بحثه المدعوم جزئياً بمنحة المعهد الجغرافي الوطني للمستكشفين الشباب (National Geographic Young Explorers Grant ) رفع الستار أخيراً عن بعض خباياه، فقد ظهر أنَّ الشمس ليست سبب سخونة ماء النهر بل هي الينابيع الساخنة المغذّاة عبر الصدوع في القشرة الأرضية.

 
 
تخيل أن الارض كجسد الإنسان تنتشر فيها التصدّعات والتشقّقات كالشرايين. "شرايين الأرض" هذه ملأى بالمياه الساخنة التي تصدر عنها ظواهر حرارية أرضية عند وصولها للسطح كالنهر المغلي .
 

كما أظهرت التحاليل الكيميائية أن المصدر الأساسي لمياه النهر هو المطر، ويفترض روزو أن ذلك يحدث في أعلى النهر - وربما بعيداً عند جبال الأنديز الشاهقة (The Andes) -ويتسرب خلال جريانه إلى جوف الارض حيث تتسبب الطاقة الحرارية الأرضية بتسخينه لينبثق ثانية في غابة الأمازون في النهر المغلي. هذا يعني أن هذه الظَّاهرة هي جزء من نظام حراري مائي هائل، والتي لم يُشهد لها مثيل على سطح الأرض.


والأكثر إثارة أيضًا، أنَّ روزو عمل إلى جانب عالِمَي الأحياء سبينسر ويلز (Spencer Wells) و جوناثان إيسن (Jonathan Eisen) على تتبع الخريطة الجينية للأحياء المتواجدة داخل النهر وعلى جانبيه، ليكتشفو أصنافاً جديدة قادرة على التعايش مع هذه الحرارة.
 

وعلى قدر تميز هذا النهر فإن خطره قد يودي بالحياة، فمياهه تسخن إلى درجات عالية، حتى أن روزو شاهد مراراً حيواناتٍ تسقط فيه ثم تغلي ببطء حتى الموت. يقول في مقابلة لتيد: "إن أول ما يتلاشى هو العيون". وفي نهاية المطاف فإن الحيوانات تصبح غير قادرة على السباحة حيث يملأ الماء أفواهها ورئاتها فتطهى أجسادها من الداخل إلى الخارج، إنه حقًا أمر مخيف!
 

ومع ذلك، لايزال الناس يسبحون فيه كما تدّعي والدته، لكن فقط بعد هطول الأمطار الغزيرة حين يخفّف بالماء البارد، ولكن في أغلب الأحيان يتم استعمال المياه الساخنة في الطهي وتحضير الشاي.


سيواصل روزو دراسة النهر ومصدره، ولكنّ تركيزه الآن منصبٌ حول كيفية حماية النهر والنطاق المحيط به. ورغم جاهزية نتائجه للنشر إلا أنه يرفُض الإفصاح عن أغلبها قبل تعهد الحكومة البيروفية بوضع معايير مناسبة لحماية المنطقة.


وقال روزو لمادي ستون (Maddie Stone) عبر مدونة غيزمودو (Gizmodo): "في منتصف بحثي في الدكتوراه، أدركت أن هذا النهر أعجوبة طبيعية، وأنه لن يبقى موجوداً إلا إذا قمنا بشيء حيال ذلك".


والجدير بالذِّكر أنَّ روزو أصدر مؤخراً كتاباً يروي مغامرته باسم "النهر المغلي" The Boiling River، ويأمل من خلال نشره للمعلومات المتعلقة بالنظام الفريد أن يقرر الناس بأنفسهم حماية ذلك الموقع المهم من تجار الأخشاب والمقاولين.


وأضاف روزو قائلاً: " لايعجبني أن يدافع فرد واحد عن هذا الحق وحده، أعتقد أن الأمر متعلق ببناء مجتمع على نطاق عالمي. أصبح الكوكب أصغر حجماً، والظواهر الطبيعية المشابهة قليلة جداً ومتباعدة".
 
 
ملاحظات
[1] الشامان (Shaman): هو رجل الدين في الشامانية والتي هي ظاهرة دينية قديمة في آسية الوسطى والأمريكيَّتين .

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات