الحاسة السادسة.. ربما هي أكثر من مجرد إحساس!

بمساعدة اثنين من المرضى الصغار المصابين باضطراب عصبي فريد من نوعه، تقترح إحدى الدراسات الأولية لعلماء من المعهد الوطني للصحة National Institute of Health (NIH)، أن مورثة تدعى PIEZO2 تسيطر على جوانب محددة من حس اللمس واستقبال الحس العميق لدى البشر، وتسبب "حاسة سادسة" تصف وعي الإنسان لوضعية جسمه في الفراغ. 

 

كشف أسرار حواسنا: تُبين إحدى دراسات المعهد الوطني للصحة، أن اثنين من المرضى الصغار المصابين بطفرة في مورثة PIEZO2 لديهم مشاكل في اللمس واستقبال الحس العميق، أو حس الوضعية. حقوق الصورة: Bönnemann Lab, NIH/NINDS, Bethesda, MD.
كشف أسرار حواسنا: تُبين إحدى دراسات المعهد الوطني للصحة، أن اثنين من المرضى الصغار المصابين بطفرة في مورثة PIEZO2 لديهم مشاكل في اللمس واستقبال الحس العميق، أو حس الوضعية. حقوق الصورة: Bönnemann Lab, NIH/NINDS, Bethesda, MD.


سببت الطفرات في المورثة إصابة كليهما بمشاكل في الحركة والتوازن وفقدان بعض أشكال اللمس، وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهانها، بدا أن كليهما تأقلم مع هذه الصعوبات من خلال الاعتماد بشكل كبير على الرؤية والحواس الأخرى.

يقول كارستن جي. بونمان Carsten G. Bönnemann، وهو دكتور في الطب وكبير الباحثين في NINDS -وهو المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتات الدماغية التابع للمعهد الوطني للصحة- إضافةً لكونه شريكاً في إعداد هذه الدراسة التي نشرت في دورية New England Journal of Medicine: "إن دراستنا تسلط الضوء على الأهمية الحاسمة لمورثة PIEZO2 والحواس التي تتحكم بها هذه المورثة في حياتنا اليومية، تثبت النتائج أن مورثة PIEZO2 هي مورثة للمس واستقبال الحس العميق لدى البشر، وقد يزودنا فهم دورها في هذه الإحساسات بأفكار عن مجموعة متنوعة من الاضطرابات العصبية".

يستخدم فريق الدكتور بونمان أحدث التقنيات الوراثية للمساعدة في تشخيص الاضطرابات التي يصعب تمييزها لدى الأطفال في جميع أنحاء العالم، إن المريضين في هذه الدراسة غير مرتبطين، أحدهما بعمر التاسعة والآخر بعمر التاسعة عشر، ولديهما صعوبة في المشي وتشوهات في الورك والقدم والأصابع، وعمود فقري منحنٍ بصورة شاذة مشخَّص بالجنف المتطور progressive scoliosis.

بالعمل مع مختبر الكسندر تي. تشيسلر Alexander T. Chesler، وهو بروفيسور وباحث في المركز الوطني للصحة التكاملية والمتممة National Center for Complementary and Integrative Health (NCCIH) التابع للمعهد الوطني للصحة، اكتشف الباحثون أن المريضين لديهما طفراتٍ في مورثة PIEZO2 والتي يبدو أنها تمنع الإنتاج والنشاط الطبيعيين لبروتينات Piezo2 في خلاياهما. 
يطلق العلماء اسم البروتين الحساس الميكانيكي Mechanosensitive Protein على مورثة PIEZO2، لأنها تولد إشارات عصبية كهربائية استجابةً للتغيرات في شكل الخلية، مثل ما يحدث عندما تنضغط عصبونات وخلايا جلد اليد على طاولة. 


تشير الدراسات التي أجريت على الفئران إلى أن مورثة PIEZO2 موجودة في العصبونات التي تتحكم بحس اللمس وباستقبال الحس العميق.

يقول الدكتور تشيسلر: "كشخص يدرس مورثة PIEZO2 في الفئران، كان العمل مع هذين المريضين بسيطاً. تشير نتائجنا إلى أنهما فاقدين للمس، قد لا تعمل النسخة التي يملكها المرضى من مورثة PIEZO2، لذلك فإن عصبوناتهم غير قادرة على الكشف عن حس اللمس أو حركة الطرف".

أشارت الفحوصات الإضافية التي أجريت في المركز السريري التابع للمعهد الوطني للصحة إلى أن المريضين الصغيرين يفتقران لحس الوضعية، حيث أن عصب أعينهما جعل مشيهما صعباً للغاية، مما أدى لترنحهما وتعثرهما من جانب لآخر، في حين قام بعض المساعدين بمنعهما من السقوط أرضاً. 


عندما قارن الباحثون المريضين الاثنين بمتطوعين طبيعيين، وجدوا أن عصب أعين المريضين الصغيرين جعل وصولهما بشكل موثوق لشيء ما أمام وجهيهما أصعب مما كان عليه الحال لدى المتطوعين الطبيعيين. 


من دون النظر، لم يتمكن المريضان من تخمين الاتجاه الذي كانت تُحرَك به مفاصلهما كما فعل الأشخاص السليمون.

وكان المريضان أيضاً أقل حساسيةً لأشكال معينة من اللمس، فلم يتمكنا من الشعور باهتزازات الشوكة الرنانة كما فعل الأشخاص السليمون، كما لم يستطيعا التمييز فيما إذا كانت كلتا نهايتي الفرجار أو إحداهما تضغط بقوة على كفيهما، ولم يظهر مسح الدماغ لمريضة منهما أي استجابة عندما فُركَت راحة يدها بفرشاة.

ومع ذلك، استطاع المريضان أن يشعرا بأشكال أخرى من اللمس، حيث أن تمسيد الجلد المشعر أو فركه بفرشاة محسوس في الحالة الطبيعية كشعور ممتع، رغم أن كليهما شعر بفرك الجلد المشعر، إلا أن أحدهما ادعى أنه شعور واخز بدلاً من كونه إحساساً ممتعاً كما قال المتطوعون الطبيعيون، وأظهر مسح الدماغ أنماط نشاط مختلفة كاستجابة لعملية الفرك ما بين المتطوعين الطبيعيين والمريض الذي شعر بالوخز.

على الرغم من هذه الاختلافات، بدا أن الجهاز العصبي لدى المريضين يتطور بصورة طبيعية، فكانا قادران على الشعور بالألم والحكة والحرارة بشكل طبيعي، حيث نقلت الأعصاب في أطرافهما السيالة بسرعة، وكان دماغهما وقدراتهما المعرفية مماثلة لما هي عليه لدى الأشخاص السليمين في عمريهما.

يقول الدكتور بونمان: "ما يلفت النظر حول هذين المريضين هو مدى تعويض جهازيهما العصبيين للنقص في حس اللمس وحس الوضعية لديهما، وهذا ما يشير إلى أن الجهاز العصبي ربما يمتلك عدة مسارات بديلة نستطيع الاستفادة منها في تصميم علاجات جديدة".

وجدت دراسات سابقة أن الطفرات في مورثة PIEZO2 ربما يكون لها آثار مختلفة على بروتين Piezo2 قد تؤدي إلى اضطرابات عضلية-عظمية وراثية، تتضمن النمط الخامس من اعوجاج المفصل القاصي distal arthrogryposis type 5، متلازمة غوردن Gordon Syndrome، ومتلازمة ماردن-ووكر Marden-Walker Syndrome.


استنتج الدكتور بونمان والدكتور تشيسلر بأن الجنف ومشاكل المفاصل لدى المريضين في هذه الدراسة تشير إلى أن مورثة PIEZO2 هي إما مطلوبة بصورة مباشرة للنمو والترصيف الطبيعيين للهيكل العظمي، أو أن حس اللمس واستقبال الحس العميق يوجهان بشكل غير مباشر تطور الهيكل العظمي.

وأنهى الدكتور تشيسلر: "توضح دراستنا أن النتائج المخبرية والتجارب السريرية هما على صلة وثيقة، حيث أرشدت نتائج البحوث المخبرية الأساسية تجاربنا على الأطفال، والآن نستطيع إعادة تلك المعرفة إلى المختبر واستخدامها لتصميم تجارب مستقبلية تبحث في دور مورثة PIEZO2 في الجهاز العصبي وفي تطور العظام والعضلات".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات