علماء هارفارد يكتشفون ما يحتمل أنه مصدر الوعي البشري

 

هنا يقبع الوعي البشري

 

لطالما عانى العلماء من مسألة فهم الوعي البشري (إدراك الشخص لوجوده)، وعلى الرغم من أوجه التقدم في علوم الأعصاب، لا نزال نجهل حقًا مصدره ومنشأه.


ولكن الباحثين الآن يعتقدون أنهم ربما وجدوا المصدر العضوي للوعي أخيرًا، وذلك بعد تحديد شبكة من ثلاث مناطق في الدماغ، يبدو أنها أساسية وضرورية للوعي.

 

خريطة الدماغ البشري السليم
خريطة الدماغ البشري السليم



هذه النتائج مهمة جدًا لنفهم بشكلٍ أفضل ماذا يعني أن تكون إنسانًا، كما أن ذلك قد يساعد الباحثين أيضًا على إيجاد علاجات جديدة للمرضى الموجودين في حالات الغيبوبة الإنباتية vegetative state [1].

قال الباحث الرئيسي مايكل فوكس Michael Fox من مركز "الشماسة بيث إسرائيل" الطبي في كلية هارفارد الطبية: "لقد وجدنا لأول مرة ارتباطًا بين منطقة جذع الدماغ المسؤولة عن اليقظة وبين المناطق المسؤولة عن الإدراك، وهذان الأخيران (اليقظة والإدراك) مطلبان مهمان لوجود الوعي، واجتمعت الكثير من الأدلة للإشارة إلى أن هذه الشبكة تلعب دوراً في وعي الإنسان".

ما نعرفه عن الوعي عمومًا أنه يتألف من عنصرين مهمين، وهما اليقظة والإدراك، وقد أظهر الباحثون للتو أن جذع الدماغ (وهو الجزء المتصل بالحبل الشوكي من الدماغ) هو الذي ينظم اليقظة، كما أنه يعمل كمنظمٍ للنوم واليقظة ودقات القلب والتنفس. 

أما عن الإدراك فقد كان الأمر محيرًا أكثر، فقد اعتقد الباحثون لفترة طويلة بأنه كامن في مكانٍ ما في القشرة المخية (الطبقة الخارجية من الدماغ)، ولكنَّ أحدًا لم يسبق وأن استطاع تحديد مكانه.

ولكن الآن، استطاع فريق هارفارد تحديد المنطقة المحددة لليقظة في جذع الدماغ، وليس ذلك فحسب، وإنما استطاعوا أيضًا تحديد منطقتين في القشرة المخية تبدوان وكأنهما تعملان ككل بحيث يتشكل الوعي من هاتين المنطقتين.

أما عن كيفية وصول الفريق إلى هذه النتيجة، فقد حللوا بيانات 36 مريضًا من داخل المشافي، بحيث كان المرضى مصابين بآفات في جذع الدماغ، وكان 12 منهم في غيبوبة (غير واعين) وكان 24 منهم واعين.

ثم وضع الباحثون خريطةً لجذوع الأدمغة لمعرفة ما إذا كانت هناك منطقة معينة يمكن أن تفسر سبب حفاظ بعض المرضى على وعيهم بالرغم من إصاباتهم، بينما دخل البعض الآخر في غيبوبة.

وجد الباحثون منطقة صغيرة من جذع الدماغ، معروفة باسم السقيفة الجسرية الظهرانية المنقارية rostral dorsolateral pontine tegmentum، والتي كانت مرتبطة إلى حد كبير بالغيبوبة، 10 من أصل 12 مريضًا من الفاقدين للوعي كانوا مصابين في تلك المنطقة بينما كان فقط مصابًا في تلك المنطقة من الـ 24 مريضًا الواعين. 


وهذا يشير إلى أن هذه المنطقة الصغيرة من جذع الدماغ مهمة للوعي، ولكن هذه ليست القصة كاملةً.

ولمعرفة ما هي الأجزاء الأخرى من الدماغ التي كانت متصلة تمامًا بهذه المنطقة، نظر الفريق في خريطة الدماغ المعروفة بجملة الوصلات لدماغ إنسان سليم [2]، حيث تظهر كافة الاتصالات المختلفة التي نعرفها في أدمغتنا (بإمكانك رؤية جملة الوصلات في الصورة في الجزء العلوي من هذه المقالة).

وحدد الفريق منطقتين في القشرة المخية مرتبطتين بمنطقة السقيفة الجسرية الظهرانية المنقارية، ومن المحتمل أن لهما دورًا في التحكم في الوعي، وهاتان المنطقتان هما منطقة الجزيرة اليسرى والقشرة الحزامية. وبالتحديد، فإن المنطقة الأولى تقع في الجزء البطيني الأمامي من منقطة الجزيرة اليسرى، أما الأخرى فتقع في منطقة القشرة الحزامية الأمامية.

كما ربطت دراسات سابقة هاتين المنطقتين بكل من اليقظة والإدراك، إلا أنها المرة الأولى التي يتم خلالها اقتراح وجود رابط بين هاتين المنطقتين وبين جذع الدماغ. 

وحتى يتحقق الفريق من نتائجه، تفحص الفريق صور مسح الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI لـ 45 مريضًا في حالة غيبوبة أو حالة إنباتية، وأظهرت الصور تعطل نشاط الشبكة الرابطة بين هذه المناطق الثلاث (جذع الدماغ والجزيرة والقشرة الحزامية) لدى المرضى كلهم.

وعلى الرغم من أنها خطوة مبدئية مثيرة جدًا، إلا أن الباحثين ما زالوا بحاجةٍ للتحقق من نتائجهم عن طريق تطبيق الدراسة على عينات أكبر من المرضى، كما يتوجب على الفرق المستقلة التحقق من نتائجها قبل الخروج بتعميمات تؤكد أن هذه المناطق الثلاث هي المصدر العضوي المسؤول عن الوعي البشري. 

وحتى ذلك الحين، نأمل أن يقودنا البحث العلمي إلى التوصل إلى خيارات علاجية جديدة لمرضى الغيبوبة والمصابين بالحالة الإنباتية الذين يتمتعون بأدمغة سليمة لكنهم فاقدون للوعي. 


يقول فوكس: "تعتبر هذه الاكتشافات ذات قيمة إذا ما استطعنا استغلالها لتحفيز أدمغة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في الوعي"، ويكمل متسائلًا: "هل إذا أمعنا البحث في هذه المناطق والشبكات العصبية المسؤولة، سنتمكن يومًا ما من إخراج أحدهم من حالته الإنباتية المستديمة؟ هذا هو السؤال المهم".

نُشر هذا البحث في دورية Neurology.

 

الملاحظات:

[1] وهي حالة يصاب بها الذين تعرضوا لضرر دماغي كبير، بحيث يصير فيها المريض فاقدًا للوعي، ويكون في حالة من اليقظة الجزئية التي لا تنتج عن الوعي نفسه، ويفضل البعض تسميتها بـ "اليقظة بلا استجابة" بدلًا من "الحالة الإنباتية"، وذلك لأسباب أخلاقية.
 
[2] وجملة الوصلات أو "الكونكتوم" connectome، هو مصطلح يشير إلى خريطة الوصلات العصبية الموجودة داخل الجهاز العصبي للإنسان.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات