كثيرًا ما نرى هذا المشهد في الأفلام: شخصٌ بعينينِ مغمضتينِ وذراعينِ ممدودتينِ أمامَه، يسير ببطءٍ وخطواتٍ متثاقلة، ويقال أنه يمشي في نومه! هل المشي في أثناء النوم حقيقةٌ أم خيال؟ ما صحة أنه يُمنع إيقاظ الشخص الذي يمشي في نومه؟ وهل يستطيع شخصٌ أن يرتكب جريمة قتلٍ في أثناء النوم؟!
إن المشي في أثناء النوم سلوكٌ ينهض فيه الشخص من فراشه ليلًا ليمشي أو يفعل أشياء أخرى، ويُعدُّ واحدًا من اضطرابات النوم. غالبًا ما يحدث عند الأطفال، ويتوقف عن الحدوث في سن المراهقة.
يحدث المشي أثناء النوم عادةً خلال الجزء الأول من الليل بعد ساعةٍ أو ساعتينِ من الاستغراق في النوم وذلك في مرحلة نوم non-REM خلال النوم العميق (deep sleep).
ما هي الأعراض؟
يمكن أن تتضمَّن الأعراضُ عدَّةَ أنواعٍ من الحركات البسيطة أو المعقَّدة التي يقوم بها الشخص في نومه. فقد يجلس المصاب في سريره ويكرِّر حركاتٍ معينةً مثل فرك العينين أو شد الملابس، وقد تكون عيناه مفتوحتينِ وتعلو وجهه نظرةٌ مشوشةٌ. وفي حال تحدث المصاب ستجد كلامَه غير مترابطٍ، وغالبًا ما يكون تجاوبه ضعيفًا. كما يمكن أن ينهض ليمشي أو يقوم بنشاطاتٍ أخرى كالركض، أو أداء النشاطات الروتينية كارتداء الملابس أو جر المفروشات، أو القيام بنشاطٍ جنسي أو التبول في مكان غير مناسب. وأحيانًا يمكن أن يكون السلوك عنيفًا أو معقًَدًا كقيادة سيارة! كما أنه تُلاحظ صعوبة إيقاظ من يمشي في نومه خلال النوبة.
ما مدة النوبة؟
قد تستمر النوبة من ثوانٍ معدودةٍ إلى نصف ساعةٍ، وغالبًا لا تتجاوز 10 دقائق. يمكن أن تنتهي بعودة الشخص إلى سريره بنفسه، أو استيقاظه وهو خارج السرير بشكل مشوش.
هل يتذكر المصاب ما قام به؟
نظريًّا، لا يمتلك الشخص أي فكرة عما قام به أثناء النوم بعد أن يستيقظ، ولهذا لا يدري المصاب أنه يمشي في أثناء نومه حتى يخبره أحد أفراد العائلة بذلك.
ما هي أسباب المشي في أثناء النوم؟
يُعدُّ المشي أثناء النوم أكثر انتشارًا عند الأطفال، كما ويرجح أن يحدث أكثر في حال وجود قصةٍ عائليةٍ للمشي في أثناء النوم أي أن له صفةً وراثيةً، كما يشيع أكثر عند الحرمان من النوم، أو المعاناة من تقطع النوم وتعدد مرات الاستيقاظ ليلًا لأي سببٍ كان. ويمكن لبعض الأدوية أو تناول الكحول أو الإصابة بالقلق أو الحمى أو أذيات الدماغ أو انقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم أن تترافق بازدياد نسبة المشي أثناء النوم.
هل المشي أثناء النوم مؤذٍ؟
تكمن المشكلة الأساسية في أن الحوادث التي تقع خلال المشي في أثناء النوم يمكن أن تسبب الأذية، فيمكن أن يصطدم المصاب أو يتعثر فيسقط أرضًا، كما يمكن أن يهدد سلامته وسلامة الآخرين ويضعهم في خطرٍ إذا استخدم الأدوات الحادة أو حاول قيادة السيارة، فضلًا عن الخجل الذي قد يسببه لصاحبه في حال التبول في مكان غير ملائم -على سبيل المثال-. ولاحظت الدراسات أن المشي في أثناء النوم يترافق مع نوعية نومٍ أسوأ ونعاسٍ خلال فترة النهار. وبشكل عام، يمكن أن يؤثر هذا الاضطراب على حياة المصاب وشريكه أو أسرته كذلك. لا يعد المشي في أثناء النوم مقلقًا على الصحة، فأغلب الأطفال الذين يمشون في نومهم لا يعانون من مشكلات فسيولوجية ولا عاطفية.
هل يُعَدُّ العلاج ضروريًّا؟
ما من حاجةٍ إلى العلاج في كثيرٍ من الحالات، إلا أنه في حال كانت النوبات شديدةً أو خطيرةً أو كثيرةَ التَّكرار تتوافر بعض الخيارات العلاجية.
ما هو العلاج إذًا؟
رغم أن الكثير من الحالات لا تتطلب العلاج، يوجد بعض الخطوات التي يمكن القيام بها عند الحاجة، وأبرزها:
أوَّلًا: استبعاد كل ما هو خطر ويهدد السلامة، كإبقاء الأدوات الحادة في دروجٍ مقفلة. وإزالة ما يمكن أن يسبب التعثر والسقوط.
ثانيًا: علاج المسبِّب: فلو كان المسبب هو استخدام أدويةٍ معينةٍ فيمكن استبدالها بإشراف الطبيب.
ثالثًا: الاستيقاظ المرتقب (anticipated awakening): وهو إيقاظ الشخص قبل تلك الساعة التي تحدث فيها النوبة بقليل (نحو 15-30 دقيقة)، لأن النوبة تتكرر عادةً في الوقت ذاته كل ليلة، ويعد هذا التكتيك مفيدًا لدى الأطفال.
رابعًا: العلاج السلوكي المعرفي (cognitive behavioral therapy): وهو نوع من المعالجة التي تعتمد على الكلام ويمكن أن يحمل تأثيرًا نافعًا لعلاج المشي في أثناء النوم.
خامسًا: تحديد وقت محدد للنوم كل يوم والاسترخاء قبل الخلود للنوم.
سادسًا: نقص شربِ السوائل قبل النوم، لأن امتلاء المثانة قد يكون له علاقة بالمشي في أثناء النوم.
سابعًا: تجنب الكافيين قبل النوم.
ثامنًا: النوم في مكانٍ مظلم وهادئ ومريح.
تاسعًا: استخدام الأدوية حين لا تنفع الطرق الأخرى، وقد تشمل الأدوية المستخدمة البنزوديازبينات ومضادات الاكتئاب.
هل من الآمن إيقاظ النائم الذي يمشي؟
ينصح أغلب الخبراء بعدم الإيقاظ المفاجئ للنائم في وسط نوبة المشي أثناء النوم، وذلك لأنهم غير واعينَ بما يكفي لما يحدث حولهم، وقد يشعرهم الإيقاظ المفاجئ بالخوف أو الغضب أو التشويش. بل يُنصح بتوجيههم ومساعدتهم بالعودة إلى أسرَتِهم بلطف وإبعادهم عن مصادر الخطر قدر الإمكان، وذلك باستخدام صوت هادئ منخفض، ويمكن كذلك اللجوء إلى اللمس الخفيف كأقصى حد في حال الحاجة إليه.
نتمنى أن نكون قد أحطنا بكامل الجوانب التي قد تهمك وأشبعنا فضولك حول المشي أثناء النوم! والآن دورك؛ أخبرنا؛ هل تعرف شخصًا يسير في أثناء نومه؟