أظهر بحث مولته مؤسسة مايكل جي فوكس أن البروتينات التي تنتجها بكتيريا القناة الهضمية بإمكانها أن تتسبب في تفكك جزيئات البروتينات في الدماغ وتجعلها سيئة الانثناء misfolded وتؤدي أيضا إلى التهابات في المخ.
يتميز كل من داء آلزهايمر Alzheimer's disease وداء باركنسون Parkinson's disease وداء التصلب الجانبي الضموري Amyotrophic lateral sclerosis، بالتهابات في الدماغ، ووجود بروتينات سيئة الانثناء [1]. ويكون سبب هاتين العمليتين غير معروف في أكثر من 90% من الحالات.
اكتشف روبرت بي فريدلاند Robert P.Friedland الحاصل على شهادة الدكتوراه، وبروفيسور طب الأعصاب بكلية الطب بجامعة لويفيل Louisville University، هو وفريق من الباحثين أن هذه العمليات قد تكون ناجمة عن بروتينات أنتجتها بكتيريا القناة الهضمية، وأوضح بحثهم أن التعرض للبروتين البكتيري المسمى "الأميلويد" amyloid -والذي يشبه في تركيبه بروتينات الدماغ- يؤدي إلى تكتل بروتين يسمى ألفا ساينوسلين Alpha-synuclein (AS) في الدماغ. تَظهر تجمعات الألفا ساينوسلين سيء الانثناء والبروتينات الأميلويدية المشابهة في أدمغة المصابين بداء آلزهايمر وداء باركنسون وداء التصلب الضموري الجانبي.
يعتبر الألفا ساينوسلين بروتينًا عادة ما تنتجه الخلايا العصبية في الدماغ. في كل من داء آلزهايمر وداء باركنسون يتجمع الألفا ساينوسلين في صورة متكتلة تدعى الصورة الأميلويدية (أو النشوانية) والتي تتسبب بتدمير الخلايا العصبية، وقد افترض فريد لاند أن البروتينات التي تنتجها بكتريا الأمعاء والمتكتلة بشكل معين تتسبب في سوء ثني بروتينات الدماغ من خلال آلية تدعى البذر المتقاطع cross–seeding، مما يؤدي إلى ترسيب البروتينات الدماغية. واقترح أيضا أن الأميلويد الذي تنتجه الجراثيم من الأمعاء يتسبب في إثارة الجهاز المناعي ويؤدي إلى التهابات قوية في الدماغ.
شمل هذا البحث (والذى دعمته مؤسسة Michael J. Fox) على وضع سلالات بكتيرية من نوع الإشريكية القولونية E. coli [2] في مجموعة من الفئران، بحيث كانت البكتيريا منتجة لبروتين أميلويدي يدعى "كيرلي" curli، وتم تقديم نفس السلالات البكتيرية إلى مجموعة الشواهد (مجموعة المقارنة) من الفئران، بحيث كانت البكتيريا هذه المرة غير قادرة على إنتاج البروتين الأميلويدي. أظهرت الفئران التي أعطيت البكتريا المنتجة للبروتين الأميلويدي مستويات عالية من بروتين الألفا ساينوسلين في الأمعاء والدماغ، كما أظهرت زيادة في تكتلات الألفا ساينوسلين في المخ والتهابًا في الدماغ. أما الفئران التي أعطيت البكتيريا غير المنتجة للبروتين الأميليودي فلم تظهر أيًا من ذلك.
سُجِّلت نتائج مشابهة في تجربة ذات صلة حيث تم إطعام ديدان خيطية تسمى "الرَّبْدِيَّات الرَّشيقة" Caenorhabditis elegans بإحدى سلالات الإشريكية القولونية المنتجة للأميلويد، وأظهرت أيضا مستويات متزايدة من الألفا ساينوسلين المتكتل مقارنة بالديدان الخيطية التي لم تعط البكتيريا المنتجة للبروتين الأميلويدي. قام بهذه الدراسة فريق من العلماء بقيادة عالم الأعصاب شو جي.تشين Shu G. Chen الحاصل على شهادة الدكتوراه، من جامعة كيس ويستيرن ريسيرف Case Western Reserve.
هذا الفهم الجديد للدّور المحتمل لبكتريا القناة الهضمية في تلف الأعصاب يقرب الباحثين من الكشف عن العوامل المسؤولة عن بدء هذه الأمراض وبالتالي يساعدهم على تطوير وسائل علاجية لمنع هذه الامراض.
قال فريدلاند: "تبين الدراسات الجديدة (التي أجريت على نوعين من الحيوانات) دور بكتريا الأمعاء كعامل إثارة لبداية المرض initiating factor في الأمراض العصبية كداء آلزهايمر وداء باركنسون وداء التصلب الضموري الجانبي. وهذا أمر مهم؛ لأن معظم الحالات من هذه الأمراض غير ناتجة عن خلل بالجينات، كما أن القناة الهضمية تعد من أهم عوامل التعرض للبيئة الخارجية لدينا. بالإضافة إلى ذلك، لدينا العديد من الخيارات العلاجية محتملة التأثير على البكتريا الموجودة بالأنف والفم والأمعاء.
يدعم هذا العمل الدراسات الحديثة التي تشير إلى أن الجراثيم الموجودة بشكل طبيعي يمكن أن يكون لها دور في حدوث أمراض تنكس الدماغ المتعلقة بالعمر. وهذا البحث جزء من الأبحاث الجارية لفريدلاند والتي تتم بالتعاون مع باحثين من إيرلندا واليابان عن العلاقة بين الجراثيم غير الممرضة وأمراض الدماغ المتعلقة بالعمر.
يقول فريدلاند: "نقود الآن دراسات على البشر والحيوانات لمواصلة تقييم كيفية حدوث التأثيرات التي لاحظناها ولنكتشف إمكانية وضع استراتيجيات وقائية وعلاجية".
الملاحظات
[1] والانثناء هو عملية تتم بعد تصنيع البروتين وترجمته حتى يصبح فعالًا بالشكل المطلوب، فإذا كان الانثناء سيئًا قد ينتج بروتين غير فاعل.
[2] وقد سميت باسمها نسبة إلى مكتشفها "تيؤدور إشريش" ونسبة إلى المكان الذي تصيبه "القولون".
