تقنية التعديس الميكروي تكشف كوكباً بعيداً بحجم أورانوس

قام تلسكوب هابل الفضائي التابعُ لناسا ومرصد كيك W.M. Keck في هاواي، بإكمالِ إثباتاتٍ مستقلةٍ لوجود كوكب خارجي (exoplanet)، يدورُ بعيداً عن نجمه المركزي. اكتُشفَ الكوكبُ بتقنية تدعى التعديس الميكروي الثقالي (gravitational microlensing).

 

يفتحُ هذا الاكتشاف فضاءً جديداً في عملية تصيّد كواكب خارج المجموعة الشمسية (extrasolar planets)، أي لاكتشافِ كواكبَ بعيدةٍ عن نجومها المركزية مسافةً تماثل بُعد المشتري وزحل عن شمسنا. ظهرتْ نتائج تلسكوب هابل ومرصد كيك في ورقتين في عدد 30 من تموز/يوليو من دورية The Astrophysical Journal.

يُظهر المخطط كيف راقبَ الفلكيون كوكباً غازياً ضخماً بعيداً حول OGLE-2005-BLG-169 باستخدام تقنيةِ التعديس الميكروي. حقوق الصورة: Hubble/STScI
يُظهر المخطط كيف راقبَ الفلكيون كوكباً غازياً ضخماً بعيداً حول OGLE-2005-BLG-169 باستخدام تقنيةِ التعديس الميكروي. حقوق الصورة: Hubble/STScI

 

الغالبيةُ العظمى من الكواكب الخارجية التي صُنِّفت حتى الآن هي قريبة جداً من نجومها المضيفة؛ وذلك لأن العديد من التقنيات الحالية لاصطياد الكواكب تفضّل اكتشاف الكواكب ذات المدارات قصيرة المدى. ولكن تقنية التعديس الميكروي ليست كذلك، حيث بإمكانها إيجاد كواكب أبعد وأبرد في مدارات طويلة المدى، والتي لا تستطيع التقنيات الأخرى اكتشافها.

 

يحدثُ التعديس الميكروي عندما يضخمُ النجم الأمامي ضوءَ النجم الخلفي المرتصف معه لحظياً. إذا كان النجم الأمامي يمتلك كواكب، عندها يمكن أيضاً للكواكب أن تضخم ضوء النجم الخلفي، ولكن لفترة أقصر من نجومها المضيفة.
يمكن لتوقيتِ وحجم تضخيم الضوء الدقيقين، أن يكشفا أدلة عن طبيعة النجم الأمامي وكواكبه المرافقة.

 

تم اكتشافُ النظامِ المصنّف OGLE-2005-BLG-169 في عام 2005 من قبل تجربةِ التعديس الثقالي البصرية OGLE، وشبكة متابعة التعديس الميكروي MicroFUN، وأعضاء من مراصد التعديس الميكروي في جمعية الفيزياء الفلكية MOA -وهي مجموعاتٌ تبحثُ عن الكواكب خارج المجموعة الشمسية عبر التعديس الثقالي الميكروي.

 

واجه الفلكيون صعوبةً في تحديدِ خصائص الكواكب المرافقة من دون التعرف النهائي على النجم الأمامي وتوصيفه.


باستخدام مرصد كيك وتلسكوب هابل، وجدَ فريقان من الفلكيين، أنًّ النظام َيتكون من كوكبٍ بحجم أورانوس يدور على بعد حوالي 370 مليون ميل من نجمه الأم، أي أقل بقليل من المسافة بين المشتري والشمس.
على أي حال، فإن كتلةَ النجم المضيف تبلغ 70% من كتلة الشمس.

 

يقول ديفيد بينيت David Bennett قائدُ الفريق الذي حلّل بيانات هابل :"تُعدُّ الاصطفافات التي تحدث بمحض الصدفة نادرة جداً، تحدث مرة كل مليون عام بالنسبة للكوكب الواحد، لذلك اعتقدنا أنه يجبُ الانتظار مطولاً قبل أن تتأكد إشارة التعديس الميكروي الكوكبي. لحسن الحظ، تتوقعُ الإشارة الكوكبية مدى سرعة انفصال المواضع الظاهرة لكلٍ من النجم الخلفي والنجم المضيف، وقد أكدت مراقباتنا هذا التوقع. لذلك توفرُ بيانات هابل ومرصد كيك الإثبات الأول لإشارة تعديس ميكروي كوكبي".

 

في الحقيقة، فإن التعديسَ الميكروي أداةٌ قوية جداً تستطيع أن تكشف عن كواكب لا يمكنُ لمعظم التلسكوبات رؤية نجومها المضيفة. تقول فيرجيني باتيستا Virginie Batista رئيسة المحللين في مرصد كيك: "من المذهل أنه بإمكاننا كشف الكواكب التي تدور حول نجومٍ غير مرئية، ولكننا نرغب حقاً بمعرفة المزيد عن النجوم التي تدور حولها هذه الكواكب. يسمحُ تلسكوبا كيك وهابل لنا بالكشف عن هذه النجوم المضيفة الخافتة وتحديد خواصها".

 

تُظهر هذه المحاكاة الرحلة الممتدة لـ 22 عاماً، لنجمٍ يتحرك عبر الفضاءِ ويعبر مباشرةً أمام نجم خلفي بعيد. كل النجوم تنجرفُ عبر الفضاء. يرتصف أحياناً نجمٌ أمام نجمٍ آخر بشكل مثالي. يضخِّم الارتصاف اللحظي ويزيدُ من سطوع الضوء القادم من النجم الخلفي، يدعى هذا التأثيرُ بالتعديس الميكروي الثقالي. الحقوق: Credits: NASA, ESA, D. Bennett (University of Notre Dame), Wiggle Puppy Productions, and G. Bacon (STScI)

 

تكون الكواكبُ صغيرةً وخافتة مقارنةً بنجومها المضيفة، تمت مراقبةُ البعض منها فقط بشكلٍ مباشر خارج النظام الشمسي. يعتمد الفلكيون عادة على تقنيتين غير مباشرتين لاصطياد الكواكبِ الواقعة خارج النظام الشمسي. تكشفُ الطريقة الأولى الكواكب من خلال الشدِّ الجاذبي الضعيف الذي تقدمه لنجومها المضيفة. في الطريقة الأخرى، يراقبُ الفلكيون الانخفاضات الصغيرة في ضوء النجم فيما يمر كوكب أمامه.

 

تعمل كلا هاتين التقنيتين بشكل جيد عندما تكون الكواكبُ هائلة الكتلة جداً أو عندما يكون مدارها قريباً جداً لنجمها الأم. في هذه الحالات، يستطيع الفلكيون أن يحددوا بشكلٍ موثوق فتراتها المداريةِ القصيرة، الممتدة من ساعات، لأيام، وحتى لبضع سنوات.

 

لأجل فهم بنية الأنظمة الكوكبيةِ البعيدة بشكلٍ كامل، يجب على الفلكيين أنْ يضعوا خريطةً للتوزّعِ الكامل للكواكب حول النجم. لذلك يحتاجُ الفلكيون للبحث بعيداً عن النجم، لمسافة تساوي بعد المشتري عن الشمس وأبعد.

 

يقول أحدُ أعضاءُ الفريق جاي أندرسون Jay Anderson من مؤسسة علوم التلسكوبات الفضائية في بالتيمور: "من المهم فهم كيف تتشابه هذه الأنظمة مع نظامنا الشمسي، لذلك يجب أن نقوم بإحصاءٍ للكواكب في هذه الأنظمة. التعديس الميكروي الثقالي مهمٌ جداً لمساعدة الفلكيين في الحصول على نظرة على فرضيات التشكل الكوكبي".

 

الكوكبُ الموجودُ في نظام OGLE هو على الأرجحِ مثالٌ عن كوكب مشتري فاشل failed-Jupiter، وهو جسمٌ يبدأ بتشكيل نواةٍ تشابهُ نواة المشتري من الصخور والجليد تزنُ حوالي عشرة أضعافِ كتلةُ الأرض، ولكنه لا ينمو بسرعةٍ كافية ليلحمَ كتلة ثقيلة من الهيدروجين والهيليوم، لذلك ينتهي بكتلة أصغر من كتلة المشتري بعشرين مرة.

 

يقول بينيت:"يُتوقع أنّ كواكب المشتري الفاشلة مثل OGLE-2005-BLG-169Lb منتشرةٌ أكثرَ من كواكب المشتري، وخاصةً حول النجوم الأقل كتلةً من شمسنا، وفقاً للنظريةِ السائدة في تشكل الكواكب. لذلك نعتقدُ أن هذا النوع من الكواكب منتشرٌ جداً".

 

تستغلُ تقنية التعديس الميكروي حركة النجوم العشوائية، التي تكون صغيرة جداً على أن تتم ملاحظتها دون قياسات دقيقة. لو عبر نجمٌ بالضبط أمام نجم خلفي أبعد، ستعمل جاذبية النجم الأمامي كعدسةٍ عملاقة، وتقوم بتكبير الضوءِ القادم من النجم الخلفي.

 

يُمكن أن يُنتج المرافق الكوكبي حول النجم تغييراً في لمعان النجم الخلفي. يستطيعُ هذا التقلّب اللامع أن يكشف الكوكب الذي يمكن أن يكون خافتاً جداً في بعض الحالات بحيث لا يمكنُ للتلسكوبات رؤيته. المدة التي يستمر بها حدث التعديس الميكروي كاملاً هي حوالي بضعة أشهر، بينما يستمرُ التقلّب في اللمعان بسبب الكوكب من بضع ساعات لبضع أيام.

 

أظهرتْ بيناتُ التعديس الميكروي الأولية لـ OGLE-2005-BLG-169، نظاماً يتضمن نجماً خلفياً و نجماً أمامياً وكوكباً. وبسبب أثرِ التشوّه الذي يسببه الغلاف الجوي، فإن عدداً من النجوم الغير مرتبطة اندمجت أيضاً مع النجمين الخلفي والأمامي في حقلٍ مزدحم بالنجوم في اتجاه مركز مجرتنا.

 

سمحت صور مرصدي هابل وكيك الحادَّين لفريق الباحثين، بفصلِ النجم المصدر الخلفي عن جيرانه في حقل النجوم شديد الازدحام الواقع باتجاه مركز مجرتنا. على الرغم من أنّ صور هابل كانت قد أُخذتْ بعد حدث التعديس بحوالي ستِ سنوات ونصف، إلا أنّ النجمين المصدر والعدسة ما زالا قريبين من بعضهما في السماء التي اندمجت فيها الصور إلى ما بدا كأنه صورة نجمية ممتدة.

 

يستطيع الفلكيون قياس سطوع كل من النجمِ المصدر والنجمِ المضيف للكوكب من الصورة الممتدة. يُمكِن لسطوع العدسة أنْ يكشفَ عن كتلة الكوكب ونجمه المضيف، والانفصال المداري لهما، وكذلك بُعد النظام الكوكبي عن الأرض، وذلك عند جمعه (سطوع العدسة) مع المعلوماتِ المأخوذة من انحناء الضوء في التعديس الميكروي.

 

راقبت كاميرا تلسكوب هابل واسعة الحقل WFC3 النجمين الخلفي والأمامي بعدة ألوانٍ مختلفة، مما يسمح بإثباتاتٍ مستقلةٍ للكتلة وتحديد المسافة.

 

توفِّر المراقبات المأخوذة بالكاميرا القريبة من الأشعة تحت الحمراء NIRC2 على تلسكوب كيك 2 ، بعد مرور أكثر من ثماني سنوات على حدث التعديس الميكروي، قياساً دقيقاً للحركة النسبيةِ للنجمين الخلفي والأمامي. تقول باتيستا:" إنها المرة الأولى التي كنا قادرينَ فيها كلياً على أن نُحلل النجم المصدر والنجم العدسة بعد حدث التعديس الميكروي. مكننا ذلك من التفريق بين نموذجين يوافقان بيانات انحناء ضوء التعديس الميكروي".

 

تُوفر بيانات مرصدي كيك وهابل إثبات مفهوم للطريقة الأولية لاكتشاف الكواكب الخارجية، والتي سيستخدمُها تلسكوب الاستطلاع الفضائي واسع الحقل العامل بالأشعةِ تحت الحمراء WFIRST التابع لناسا، الذي سيسمح للفلكيين بتحديدِ كتلةِ الكواكب التي اكتُشفتْ بتقنيةِ التعديس الميكروي. سيمتلك تلسكوب WFIRST دقة تلسكوب هابل لأجل البحث عن الكواكب الخارجية، باستخدام تقنية التعديس الميكروي. سيتمكنُ التلسكوب من مراقبة النجم الأمامي، والنجوم المضيفة لكواكب والتي تقترب من المصدر الخلفي قبل حدث التعديس الميكروي، وأيضاً عند الابتعاد عن النجم الخلفي بعد حدث التعديس الميكروي.

 

يوضّح بينيت: "سيقوم WFIRST بقياساتٍ كتلك التي قمنا بها لـ OGLE-2005-BLG-169 لأجل كلِ حدث تعديس ميكروي كوكبي يقوم برصده. سنعرف كُتل و بُعد آلاف الكواكب التي اكتشفها تلسكوب WFIRST".

 

تلسكوب هابل الفضائي هو مشروعُ شراكة عالمية بين وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية. يقوم مركز غودارد للطيران الفضائي الواقع في غرينبيلت-ماريلاند بإدارة التلسكوب.
يُجري معهد علوم التلسكوبات الفضائية STScI في بالتيمور، ماريلاند العمليات العلمية لهابل. تتم إدارة STScI لصالح ناسا من قبلِ اتحادِ الجامعات لأبحاث علم الفلك في واشنطن.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المفعول العدسي الميكروي (التعديس الميكروي) (microlensing): هو مفعول عدسي ثقالي ينجم عن النجوم والأجسام التي لا تمتلك كتلة هائلة. وفي هذا المفعول، تكون الصور المضاعفة قريبة جداً من بعضها إلى درجة يصعب حتى على أفضل التلسكوبات التمييز بينها. المصدر: العلوم الأمريكية.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

اترك تعليقاً () تعليقات