كاشف ميون بـ100 دولار فقط!

إذا كنت طالبا في المرحلة الثانوية أو الجامعية، ولديك شغف في الفيزياء والفلك، فلربما ترغب في صناعة هذا الكاشف بيديك!

صمّم طالب دكتوراه ومستشارته كاشف جسيمات صغير الحجم ليتمكن مهندسوا الفيزياء الشباب من استخدامه.

عندما كان سبنسر آكساني Spencer Axani طالب فيزياءٍ في مرحلة ما قبلَ التخرّج، قادته خلفيته العلمية في الهندسة لابتكار ما سمّاه (الحلم الصّعب pipe dream) وهو عبارة عن أداةٍ بحجم الجيب باستطاعتها عدّ الجسيمات ذات العمر القصير، والتي تسمى ميونات muons، طوال اليوم.

تُعدّ الميونات النُّسخَ الأثقل من الإلكترونات، وهي موجودةٌ حولنا طوال الوقت، وهي نتيجةٌ ثانوية للإشعاعات الكونية cosmic rays والتي تأتي من السوبرنوفا supernovae والأحداثِ ذاتِ الطاقة العالية في الفضاء. فعندما تضرب الجسيماتُ القادمة من الأشعة الكونية الغلافَ الجوي للأرض فإنها تضمحلّ غالبا إلى ميونات.

وتعد الميونات وفيرة على سطح الأرض، ولكنها قد تكون قليلة ومتباعدة في مكتب أكساني في جامعة ألبرتا، ذلك المكتب محميّ تحت سطح الأرض بواسطة عدة طوابق فوقه. ومن شأن كاشفٍ بحجم الجيب أن يكون أداةً مثاليةً لقياس الفرق.

الآن، أكساني طالب دكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وقد اقترب من جعل هذه الأداة شيئا واقعيا. وجنبا إلى جنب، طور كل من الطالب أكساني ومستشارته جانيت كونراد Janet Conrad كاشفا  يوضع على مكتب ويحصي الميونات التي تمرّ قربه. أما الجزء الأهم فهو أنّ النظام برمته يمكن بناؤه بواسطة الطلاب بتكلفة أقل من 100 دولار.

يقول أكساني: "بالمقارنة مع أغلب الكواشف، يعد هذا الكاشف أصغرها وأرخصها حسبما وجدتُ". وأضاف: "إذا صنعت 100000منها، فإنها ستصبح كاشفا كبيرا جدا. وإنّ تجهيز الطائرات والسفن بها سيمكّنك من بدء قياس معدلات الأشعة الكونية في جميع أنحاء العالم".

يتعامل علماء فيزياء الجسيمات مع الإشعاعات الكونية طوال الوقت حسب قول كونراد أستاذة الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وقالت
[1]: "أحيانا نحبها وأحيانا نكرهها. نحبها إذا استطعنا استخدامها لمعايرة أجهزة الكشف لدينا، ونكرهها إذا شكلت خلفية للشيء الذي نحاول القيام به".

واستخدمت كونراد أجهزة كشف صغيرة عن الميونات مشابهة لتلك التي كان يحلم بها أكساني عند قيادة تجربة النيوترينو neutrino في مختبر مسرع فيرمي الوطني وتدعى MiniBooNE. وعندما اقترح بروفيسور في جامعة ألبرتا إضافة كواشف ميونات صغيرة لتجربة نيوترينو أخرى كان أكساني مستعدا لذلك الأمر.

كانت الفكرة إنشاء كواشف ميوناتٍ لإضافتها لمكعّب الثلج IceCube، وهو عبارةٌ عن كاشف نيوترينو بُني في الجليد في القارة القطبية الجنوبية. وسيؤدّي إدخالها إلى مكعب الثلج إلى تطويره وجعله منخفض الطاقة، إذ يعرف عندها باسم بينغو PINGU وهي اختصار لـ Precision IceCube Next Generation Upgrade وتعني: تحديث الجيل القادم من مكعب الثلج الدقيق.

بداية، كانوا في حاجة إلى نموذج أولي. فكان على أكساني أن يعمل بسرعة ويصمم كاشفا يضعه في أنابيب بلاستيكية (PVC). بدا المختبر جيدا كما قال أكساني، ولكنّ رائحته فظيعة بسبب استخدام سائل التّولين ككاشفٍ وميضي، وهو مادّة تعطي ضوءا عند صدمها بجسيمات مشحونة. 

وخلال الأشهر القليلة اللاحقة عدّل أكساني على الآلة وحوّلها إلى كاشف وميضي بلاستيكي عديم الرائحة، ووظّف صمامَ تضخيمٍ ضوئي من السيليكون (SiPM) والذي يعمل على تضخيم الضوء من الكاشف الوميضي وتحويله إلى إشارة يمكن قراءتها. وسمحت له إضافةُ بعض القطع الالكترونية ببناء شاشة قراءاتٍ تحصي كمية الطاقة من تفاعلات الميون وتسجل وقت وقوع الحدث.

وبالجلوس في مكتب أكساني يُظهر العداد معدل ميون واحد لكل بضع ثوان، وهو ما كان متوقعا من حجم الكاشف. وعلى الرغم من أنها ثابتة إلى حد ما، فإنه يمكن حتى للتغييرات الطفيفة مثل زيادة الرطوبة أو الأمطار الغزيرة تغيير ذلك.

أخذ كونراد وأكساني الكاشف إلى الأسفل حيث مترو بوسطن، لحساب عمق الأنفاق باستخدام التغيرات في عدد الميونات. وأحضرا الكاشف أيضا إلى كهوف مختبر فيرمي لتجارب النيوترينو لقياس تدفق الميون على عمق 300 قدم تحت سطح الأرض. 

ويريد أكساني أخذ الكاشف لارتفاعات أعلى -في طائرة ترتفع 30000 قدم فوق سطح البحر- حيث سيكون عدد الميونات أكبر، لأن الجسيمات لديها وقتٌ أقلّ للاضمحلال بعد تشكلها في الغلاف الجوي.

 

اقترح هيرمان وايت Herman White الفيزيائي في مختبر فيرمي وضع أحد أجهزة الكشف الصغيرة على سفينة لدراسة عدد الميونات في عرض البحر، إذ أنّ رسم معدل الميونات في جميع أنحاء العالم حول البحر شيءٌ لم يتمّ تحقيقه بعد. فالكاشف الوميضي السائلِ يمكن أن يكون ضارا للحياة البحرية، ويشكل الجهد العالي والاستهلاك العالي للطاقة خطرا على السلامة.

وأثناء انتظار مراجعة تطوير بينغو PINGU، فإن كلا من كونراد وأكساني يشاهدان قيمة مشروعهم بوصفه أداة تعليمية. ونظرا للتكلفة المنخفضة والإرشادات البسيطة فإن عدّاد الميونات الذي ابتكراه يمكن تجميعه بواسطة طلاب الجامعات وطلاب المدارس الثانوية الذين سيتعلّمون عن القطع، والدارات، وفيزياء الجسيمات، إذ لا يتطلب الأمر خِبراتٍ سابقة. ويقول سبنسر Spencer: "تتمثل الفكرة في تطوير الطلاب لمهاراتهم التي تدرّس عادة في المختبرات الجامعية وذلك عند بناءهم للكواشف، في المقابل، سينتهي بهم الأمر إلى صنع وسيلة مفيدة لجميع أنواع قياسات الفيزياء".

كان لدى كونراد معرفة مباشرة حول كيفية التدريب العملي على تجربة مثل هذه والتي تُعلّم الطلاب مهارات جديدة. و باعتبارها طالبة جامعية في كلّية سوارثمور، أخذت دورة تعلمت فيها كل الكفاءات الأساسية اللازمة للعمل في مجال الفيزياء التجريبية: استخدام الآلة، واللحام، وبناء الدارات. وكمشروع نهائي، صنعت مجسما شغلها منذ ذلك الحين. 

ساعد بناء المجسم كونراد في تدعيم الدروس التي تعلمتها في الصف، ولكن، كان الناتجُ غير عمليٍّ، إذ لا يمكن استخدامه للقيام بالعلم الحقيقي. وتقول كونراد: "بنينا مجموعة من الأشياء المسلّية، لكنها لم تكن مفيدة في الواقع وبأي شكل من الأشكال، إنّ كاشف الميونات هذا يأخذك عبر كل التجارب التي قمنا بها وأكثر، ثم ينتج في النهاية شيئا يمكن استخدامه في الفيزياء". 

نشر كل من أكساني وكونراد تعليمات بناء الكاشف على موقع مفتوح للنشر في مجال الفيزياء يدعى arXiv، وأعيدت صياغة المشروع بهدف جعله في متناول طلاب المدارس الثانوية. ويقول أكساني أن الرياضيات المطلوبة لا تتعدى القسمة والضرب، وأجزاء الكاشف لا تحتاج أن تكون جديدة، وهذا يعني أن بإمكان الطلاب الاستفادة من مخلفات التجارب من أماكن مثل مختبر فيرمي. ويقول أكساني: "يجب أن يقوم الطلاب ببناءه، إنه مشروع جيد للمبدعين الذين يريدون إجراء القياسات الخاصة بهم".

ملاحظات

[1] تقصد كونراد بأنهم يحبون إشعاعات الخلفية إذا كانت مفيدة في معايرة أجهزة الرّصد، ويكرهونها إذا شكلت ضجيجا في الخلفية يمكن أن يعوق بعض أبحاثهم.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernovae): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات