مستقبل العتاد المادي هو الذكاء الاصطناعي

تختلف أحمال الذكاء الاصطناعي عن الأحمال الناتجة عن أعمال الحوسبة الاعتيادية التي بنيت معظم أجهزة الحاسوب الحالية للقيام بها، حيث أنّه يرتبط بعمليات التنبؤ والاستدلال والحدس.

 لكن أكثر خوارزميات تعلم الآلة إبداعًا تعثرت أمام التجهيزات غير القادرة على تلبية متطلبات المعالجة التي تحتاجها تلك الخوارزميات، لذا علينا تغيير الأجهزة التي نملكها للسماح بتحقيق تقدماتٍ كبيرةٍ في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك بدءًا من وحدات معالجة الرسومات GPU، وصولًا الى الأجهزة التناظرية، وحتى أجهزة الحواسيب الكموميّة التي تسمح باستمرار العمل حتى في حال وجود خطأ (fault tolerant).

دعونا نبدأ بالتقنيات الموجودة في الوقت الحاضر، ابتداءً بتطبيق خوارزميات التعلّم العميق الموزع (Distributed Deep Learning (DDL واسعة النطاق على وحدات معالجة الرسومات للحصول على حركة بياناتٍ عالية السرعة تُمكِّنها في نهاية المطاف من فهم الصور والصوت. تتدرب خوارزميات DDL على بياناتٍ صورية وصوتية، وكلما ازداد عدد وحدات GPU المستخدمة ازدادت سرعة تعلمها. حتى يومنا هذا، تستطيع أجهزة آي بي أم IBM والتي تمتاز بقدرة توسع تصل إلى 95 بالمئة (والذي يعني أنّ إضافة المزيد من وحدات المعالجة الرسومية يؤدي إلى تحقيق المزيد من التحسن) تستطيع التعرّف على 33.8 بالمئة من 7.5 مليون صورة، وذلك باستخدام 256 وحدة معالجةٍ رسوميةٍ تعمل على أجهزةٍ من نوع مينسكي Minsky Power ذات 64 بت.

تطورت تقنية التعلم العميق الموزع بمعدل 2.5 مرة في السنة منذ العام 2009 عندما تحوّلت وحدات معالجة الرسومات من مسرعاتٍ لرسومات ألعاب الفيديو إلى وحدات تدريبٍ لنماذج التعلم العميق. لذا فإنّ السؤال الذي طُرِحَ في مؤتمر فيوتشرسكيب للمواد نصف الناقلة التطبيقيّة (Applied Materials' Semiconductor Futurescaps: New Technologies, New Solutions) خلال اجتماع IEEE الدولي للأجهزة الإلكترونية في عام 2017 كان: ما هي التكنولوجيا التي نحتاج إلى تطويرها من أجل مواصلة هذا المعدل من التقدم والذهاب أبعد من وحدة معالجة الرسومات؟

ما وراء وحدات معالجة الرسومات


تعتقد شركة آي بي أم للبحوث أنّ عملية التطور هذه انطلاقًا من وحدات معالجة الرسومات ستحدث على ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى، سنستخدم وحدات معالجة الرسومات لبناء مسرعاتٍ جديدةٍ باستخدام وحدات الـ "سيموس" CMOS التقليدية على المدى القريب لنتمكن من الاستمرار. في المرحلة الثانية، سنبحث عن طرق لاستغلال الأجهزة ذات الدقة المنخفضة والتناظرية من أجل تخفيض استهلاك الطاقة وتحسين الأداء، بعد ذلك، مع دخولنا في عصر الحوسبة الكمومية، ستسمح تلك التقنيات بابتكار منهجيات عملٍ جديدةٍ كليًا.

لا تزال هناك الكثير من التطوّرات التي يستوجب على المسرعات التي تعمل على وحدات الـ CMOS تحقيقها لأنّ نماذج تعلّم الآلة يمكنها الاستمرار في العمل حتى في حال حصول عمليات حسابية غير دقيقة ويدعى ذلك بالتسامح، والسبب يعود لقدرتها على التعلّم بأنّ هذه النماذج تستطيع العمل مع وجود الأخطاء (أخطاء من غير الممكن أنْ تتعامل معها أبدًا في المعاملات البنكية).

أظهر البحث الذي قدمه سويونغ غوبتا Suyong Gupta وآخرون في العام 2015 في المؤتمر العالمي لتعلم الآلة ICML حول التعلّم العميق مع الدقة العددية المحدودة، أنّ النماذج ذات الدقة المنقوصة لديها من الدقة ما يعادل أجهزة اليوم ذات 64 بت، ولكن باستخدام عددٍ قليلٍ من البتات يبلغ 14 بت من دقة الفاصلة العائمة.

إنّ أسلوب الحوسبة السريعة المرتبط بالدقة المنخفضة سيساهم في نسبة التحسين السنوية والبالغة (2.5 مرة في السنة) وحتى عام 2022 في أقل تقديرٍ. ممّا يعطي نحو خمس سنواتٍ لتجاوز مشكلة الأخير في بُنية فون نيومان von Neumann والأجهزة التناظرية، إذ يتسبب نقل البيانات من وإلى الذاكرة بإحداث بطءٍ في عملية تدريب شبكة التعلم العميق، لذا فإنّ البحث عن أجهزةٍ تناظرية بإمكانها الدمج بين الذاكرة والحوسبة سيكون مهمًا في تطور الحوسبة العصبونيّة (neuromorphic computing).

تحاكي الحوسبة العصبونيّة، وكما يشير اسمها، خلايا الدماغ، حيثُ تمكّنها هيكليتها المكونة من خلايا عصبية مترابطة من حلّ مشكلة التأخير الذاهب والراجع في بُنية فون- نيومان من خلال وجود إشارات منخفضة الطاقة لها القدرة على الانتقال المباشر بين الخلايا العصبية لتحقيق حوسبة أكثر كفاءةً. في هذا السياق، يقوم مختبر أبحاث سلاح الجو الأمريكي (US Air Force Research Lab) باختبار مصفوفةٍ ذات 64 رقاقةً خاصةً بنظام العصبونات المتشابكة ترونورث (TrueNorth Neurosynaptic) التابع لشركة آي بي أم والذي صُمّم خصيصًا من أجل القيام بعمليات الاستدلال وكشف المعلومات الخاصة بالشبكات العصبية العميقة. يستخدم النظام تقنية "سيموس" الرقمية القياسية ولكنه يستهلك فقط 10 واط من الطاقة من أجل تشغيل 64 مليون خليةٍ عصبيةٍ و16 مليار نقطة تشابك عصبي.

تمثل ذاكرة تغيير المرحلة (الجيل المقبل من الذواكر) على الأرجح الجهاز التناظري الأول والأمثل لشبكات التعلم العميق، ولكن كيف يمكن للذاكرة، والتي تمثل مصدر مشكلة التأخير في تصميم بُنية فون نيومان، تحسين تعلم الآلة؟ والجواب لأننا أصبحنا قادرين على معرفة كيفية جلب الحوسبة إلى الذاكرة. كشف علماءٌ من آي بي أم مؤخرًا عن قدرتهم على القيام بالحوسبة داخل الذاكرة بوجود مليون جهازٍ خاصٍّ بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث نُشرَت نتائج الدراسة المعنونة "الكشف عن الارتباط المؤقت باستخدام الذاكرة الحاسوبية متغيرة الطور" في مجلة Nature Communications، وقُدِّمت أيضًا في المنتدى الخاص بـ IEDM بعنوان Compressed Sensing Recovery using Computational Memory.

سيساهم تطوّر الحوسبة التشابهيّة في تمديد نسبة التطور البالغة (2.5 مرة في السنة) الخاص بتعلم الآلة لعدة سنواتٍ أخرى، ليصل إلى 2026 أو نحو ذلك.

في الوقت الذي تستخدم فيه بضعة كيوبتات qubits (بت كمومي)، فإنّ الخوارزميات التي تعمل على أنظمة آي بي أم كيو IBM Q الخبيرة الحرة والمفتوحة بدأت بالفعل بإظهار المقدرة على العمل بكفاءةٍ وفعاليةٍ في مجال الكيمياء، والأمثَلة optimization، وحتى تعلم الآلة، حيث كشفت ورقةٌ بحثيةٌ كتبها باحثون من آي بي أم وبالتعاون مع عددٍ من العلماء من Raytheon BBN عنوانها "بيان أهمية الكم في تعلّم الآلة" والمنشورة في مجلة معلومات طبيعة الكم (Nature Quantum Information) كشفت عن قدرة الخوارزمية الكمومية على تمييز تسلسل مستهلكة قدرة حوسبةٍ أقل بـ 100 مرةٍ (رغم وجود موصلات بتات كمومية فائقة التوصيل عددها خمسة فقط) وبتسامح أكبر مع الضجيج بالمقارنة مع الخوارزمية التقليدية غير الكمومية.

تحوي أجهزة آي بي أم التجارية الآن على 20 كيوبت، كما يوجد نموذجٌ أوليٌّ لجهاز 50 كوبيت هو قيد التجربة حاليًا، ويبلغ معدل ​​زمن التماسك حاليًا لها 90 ميلي ثانية وهو ضعف المعدل في الأنظمة السابقة، ولكن لا يزال استخدام أنظمة التسامح مع الخطأ والتي تملك الصفة الكمومية بالمقارنة مع الأجهزة الموجودة اليوم في طور التطوير، وفي هذه الأثناء فإنّ اختبار مواد جديدةٍ (مثل استبدال الوصلات النحاسية) يُعتبر أمرًا أساسيًا.

وبالفعل، كشفت شركة آي بي أم وشركاؤها عن وجود عددٍ من التحسينات الهامة الأخرى التي تخص الرقاقات في اللقاء الذي عُقد في منتدى الـ IEDM بغرض تطوير جميع منصات الحوسبة ابتداءً من نموذج فون نيومان إلى الحوسبة العصبونيّة وحتى الكمومية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التعلم العميق (deep learning): هو أحد ميزات الذكاء الاصطناعي التي تَعنى بمحاكاة نهج التعلم الذي يستخدمه البشر للحصول على أنواع معينة من المعرفة، كما يمكن اعتباره وسيلة لأتمتة التحليلات التنبؤية.
  • أشباه الموصلات (أو أنصاف النواقل) (semiconductor): وهي مواد ذات مقاومة كهربائية ديناميكية بمجال بين مقاومة الموصلات ومقاومة العوازل، بحيث ينتقل التيار الكهربائي فيها عبر تدفق الالكترونات إلى القطب الموجب وتدفق للثقوب باتجاه القطب السالب (الثقب هنا موضع لإلكترون متحرّر)، من أهم تطبيقاتها: الترانزستور والثنائيات الباعثة للضوء
  • الأمثلة (optimization): هي اختيار العنصر الأفضل، بالنسبة لمعيارٍ معين، من مجموعة من البدائل المحتملة.
  • البت الكمومي (الكيوبت) (qubit): هو أصغر وحدة معلومات كمية، وهو الذي يقابل البت في الحواسيب العادية، ويستعمل في حقل الحوسبة الكمية.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات