التطلع إلى نظام عالمي مترابط للطاقة المتجددة

يُتوقع خلال العقدين المقبلين أن يتزايد نمو الكهرباء المتجددة في الأسواق الناشئة المستهلِكة للطاقة بوتيرة متسارعة تزامناً مع ازدياد إنتاج السلع والخدمات واستهلاكها فيها. عانى ربط أنظمة الطاقة المتجددة عبر الحدود الدولية (بدءاً من نطاق شبه إقليمي، وصولاً إلى نطاقات قارية وعالمية) من بداية صعبة. من هنا يمكن القول أنه بإمكان نظام الطاقة المتجددة المترابط عالمياً أن ينشط ويوسع نطاق التعاون بين القطاعين العام والخاص.

التفكير عبر المناطق الزمنية


أنشأ وولف غروسمان Wolf Grossman، الأستاذ في مركز ويغنر لتغيرات المناخ والعالم Wegener Center for Climate and Global Change في جامعة غراز Graz في النمسا وزملاؤه نموذجاً لحساب مدى فعالية ربط مواقع الطاقة الشمسية حول العالم بالاعتماد على بيانات وكالة ناسا اليومية للإشعاع الشمسي في 252 موقع محدد حول العالم على مدار عشرين عاماً. وجد الفريق شيئاً مهماً وهو أن ربط مزودات الطاقة الشمسية في مناطق زمنية مختلفة عبر نصفي الكرة الأرضية (لموازنة دورة الليل/النهار اليومية وظروف الصيف/الشتاء) يحل بشكل كبير مشاكل الانقطاعات في الطاقة الشمسية والحاجة إلى تخزينها. سيؤدي هذا الربط العالمي إلى حصاد مستمر لضوء الشمس في نظام طاقة عالمي مشترك بتكاليف زهيدة.

وضع غروس وزملاؤه نموذجاً عالمياً متطوراً لربط 60 مركزاً منتشراً عبر القارات لإنتاج الطاقة الشمسية، بدءاً من مناطق الكاتينغا في شمال شرق البرازيل وحتى سهوب منغوليا.  من السهل أن نتصور كيف يمكن لهذه الخطة أن تشكل نموذجاً جديداً للتنمية في هذه المناطق، ما يوفر فيها مهناً مهارية، وصناعات بيئية خضراء، مع رفع إمكانية الحصول على الكهرباء ومستويات المعيشة أيضاً.

يُعد الامتداد الجغرافي عبر المناطق الزمنية ونصفي الكرة الأرضية العامل الرئيسي في نجاح هذه النماذج. على سبيل المثال، المنشآت المشتركة بين الصين ومنغوليا قادرة على إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية على امتداد أربع مناطق زمنية. كما تُظهر هذه الحسابات المكاسب الكبيرة للاعتماد على توليد الطاقة الشمسية عندما تربط التكوينات الأسترالية بالنموذج الصيني المنغولي، وذلك باعتبار أن موقع نصف الكرة الجنوبي يساعد على تعويض الأداء الأقل لمراكز الطاقة الشمسية في نصف الكرة الشمالي خلال فترة الشتاء.

أضحى اعتبار الكهرباء سلعة أمراً قديماً


لم تعد الكهرباء سلعة متداولة، ويمكن أن يكون المصير المشؤوم للمبادرة الصناعية الصحراوية Dii أفضل ما يعبر عن هذا التغير، ومبادرة Dii هي جمعية رائدة بقيادة أوروبية شُكلت في 2009 لإنتاج الطاقة الشمسية وتصديرها من صحراء صحارى الى أوروبا.

يشير تخلي معظم الشركاء بما فيهم الشركات مثل إي.بي.بي ABB، سيمينس Siemens، إي.أون E.on، والمصرف الألماني، إلى تراجع وضمور فكرة اعتبار الطاقة الشمسية سلعة مُصدّرة من شمال إفريقيا إلى أوروبا. على أي حال، يشير بقاء الشركاء الثلاث: أكوا باور السعودية Acwa Power، والشبكة الحكومية التابعة للصين، وآر.دبليو.إي RWE  وهي المؤسسة الأوروبية الوحيدة التي بقيت، إلى توجيه المصالح العالمية إلى الأعمال التجارية التي يعاد تشكيلها سريعاً.

مازال يتضمن إرث مبادرة Dii  إلى اليوم مشاريع مركزة بقوة اتجاه الاستعمال المحلي في بلدان مثل المغرب. لكن  يتوجب على الشركات الصناعية المنتجة للطاقة الشمسية أيضاً تعلم الدرس الواضح وهو وجوب وضع نطاق الصناعة للطاقة الشمسية مستقبلاً في متناول السكان المحليين، والتطور والنمو الصديق للبيئة كأساس استراتيجي للدول.

في شمال إفريقيا حيث تعاني الدول من المستويات الحادة في بطالة الشباب ووضع المياه الذي يزداد سوءاً نتيجة التغيرات المناخية والاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي، ستحتاج مشاريع الطاقة الشمسية الكبرى في المستقبل إلى إيجاد أساليب مشجعة للشباب' تنظيم مشاريع فردية للطاقة الشمسية' لتقليل الاعتماد على الماء في بعض تقنيات الطاقة الشمسية، ما يسهم في توافر مجتمعات مستدامة ومفعمة بالحياة. بينما ستسهم الشبكات المترابطة إقليمياً التي تنقل الفائض من الكهرباء في تحسين الاقتصاد والاستثمار الموجه الى الاستهلاك المحلي للطاقة.

مستثمرو البنى التحتية في القرن الحادي والعشرين


مما لا شك فيه أن الاستثمارات في البنية التحتية الإقليمية للصين تعتمد على الطاقات المتجددة. اذ لازالت الشبكة الحكومية الصينية ضمن مؤسسة Dii ، في حين لدى الحكومة الصينية أهداف طموحة لتوفير مخزون محلي للطاقة الشمسية. ستكون الخطوة التالية للصين ضمُّ هذا المفهوم في استراتيجية 'طريق الحرير'.

وهذه هي تطلعات الصين لاستثمار البنية التحتية والتي يدعمها البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية AIIB. إذ يربط الطريق البري المقترح الصين بالأسواق في أوروبا عبر آسيا الوسطى وتركيا. بينما يربط الطريق البحري الصين مع البحر المتوسط مروراً بجنوب آسيا ومرافئ تنزانيا البحرية وبالسعودية والخليج العربي.

ستوفر هذه الطرق مجتمعة المجال التجاري والجغرافي لاقتصادات متينة مترابطة بالطاقة الشمسية، الأمر الذي يتيح للصين تكوين 'شبكة طريق الحرير'. وسيكون بنك الاستثمار الآسيوي للطاقات المتجددة هو الضامن المثالي لإمداد الصين بكهرباء الطاقة الشمسية من مختلف أنحاء العالم، إضافة لإقحام التكنولوجيا الصينية للطاقة الشمسية ضمن الأسواق المحتكِرة لهذه التكنولوجيا. سيحافظ هذا على طريق الصين التجاري القديم 'طريق الحرير' الذي لم يكن للمرور فقط بل يعتبر شبكة تجارية للمدن والبلدات لنقل البضائع وربط الاقتصادات للوصول إلى الرخاء الاقتصادي المشترك.

تحقيق الهدف العالمي في الطاقة


بحلول عام 2030 ستتفق الحكومات مع الأمم المتحدة لتحقيق الهدف العالمي للتطور للتنمية المستدامة في مجال الطاقة لضمان الوصول العالمي للخدمات الحديثة للطاقة وزيادة حصص مصادرها المتجددة إضافة لتدعيم البنى التحتية في البلدان النامية.

إن توافر رأس المال العالمي الذي يتجه إلى التخلي عن الوقود الأحفوري يجعل الوقت مناسباً للحديث عن الحقبة الجديدة للطاقة المتجددة، متخطياً مفهوم اللامركزية ومنتهياً إلى نطاق عالمي مترابط. إن التقدم السريع للاقتصاد المعتمد على الطاقة الكهرضوئية والذي يلوح بزيادة مخزونها المحلي، سيسفر بداية عن حلول ناجعة للكهرباء الموزعة، وسيوفر لاحقاً كهرباء فائضة يمكن في النهاية بيعها خارج الحدود وتحقيق أرباح من مبيعها وذلك عندما يصبح نظام الكهرباء أكثر ترابطاً. إن مفهوم الترابط هو ركيزة أساسية لمجتمعات القرن الحادي والعشرين، وسيتبع النظام العالمي للطاقة المسار ذاته الذي اتبعته شبكة الإنترنت.

ستتبنى مراكز إنتاج الطاقة الشمسية المستقبلية مثل الصين وتركيا والسعودية وأبوظبي والهند والبرازيل والمغرب فكرة اتفاقيات التجارة والبنى التحتية التي تمكنهم من بيع الفائض من الطاقة المتجددة من المصادر الشمسية وغيرها إلى الدول المجاورة وما بعدها.

فيما تدعو الحاجة إلى حوار استراتيجي مدروس لصياغة اتفاقيات جديدة بين حكومات تلك الدول التي تحظى بنصيب وافر من أشعة الشمس، وشركات البنى التحتية ومنشآت الطاقة المستعدة لدعم النماذج اللامركزية لتوليد الطاقة.

أمامنا 15 عاماً فقط لنتمكن من تحقيق الهدف العالمي في زيادة الطاقة النظيفة والرخيصة. أخيراً، في حين أن التحول للطاقة المتجددة يعزز الأمن الطاقي بشكل واضح، فإن إقامة نظام مشترك يدفع بعجلة التطور متخطياً الحدود الدولية.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات