يبين بحث جديد قادم من UCL أننا سنقوم قريباً باكتشاف أصل الضوء فوق البنفسجي الذي غمر الكون، الأمر الذي يساعد العلماء على فهم كيفية بناء المجرات.
تُوضح الدراسة، التي نُشرت في مجلة The Astrophysical Journal Letters والتي ألفها عالمي الكون أندرو بونتزين Andrew) (Pontzen والدكتور هيرانيا بيريس (Hiranaya Peiris) كلاهما من قسم الفلك والفيزياء في (UCL) بالإضافة إلى متعاونين من جامعات برينستون وبرشلونة، كيف ستكشف عمليات المسح الفلكية القريبة عن السبب الكامن وراء إضاءة الكون.
يسأل الدكتور بونتزين، ‘‘من الذي يُنتج كمية أكبر من الضوء؟ أكبر مدن الدولة أو قراها الكثيرة والصغيرة .“ بونتزين هو المؤلف الرئيسي للدراسة، ويتابع، ‘‘المدن أكثر سطوعاً، لكن القرى أكثر عدداً بكثير. فهم هذا التوازن سيُخبرك شيء ما حول تنظيم البلد. نحن نطرحُ سؤالاً مشابهاً حول الكون: هل يأتي الضوء فوق البنفسجي من عدد ضخم من المجرات لكنها خافتة، أم أنه صادر عن عدد أقل من الكوازارات (quasars) ؟ ‘‘.
الكوازارات (quasars) هي الأجسام الأكثر لمعاناً في الكون، ينتج ضوؤها الشديد نتيجة سقوط غاز بشكل مباشر في ثقب أسود. يُمكن أن تحتوي المجرات على ملايين أو حتى بلايين النجوم، لكنها لا تزال خافتةً بالمقارنة مع الكوازارات. إن عملية فهم فيما إذا كانت المجرّات الصغيرة، لكن الكثيرة جداً، هي من تقوم بإضاءة الكوازارات اللامعة والنادرة، ستقدّم بذلك رؤية جديدة عن الطريقة التي قام من خلالها الكون ببناء التوزعات الحالية من النجوم والكواكب. سيساعد هذا الأمر أيضاً العلماء على القيام بمعايرة مناسبة لقياساتهم حول الطاقة المظلمة –العامل الذي يُعتقد أنه السبب الكامن وراء تسارع توسع الكون وهو من سيقوم بتحديد مستقبله البعيد.
تعتمد الطريقة الجديدة، المقترحة من قبل الفريق، على تقنية استُخدمت في الواقع من قبل الفلكيين، حيث تلعب الكوازارات، في هذه الطريقة، دور منارات كونية من أجل فهم الفضاء. يجعل الضوء الشديد الناجم عن الكوزارات من رؤيتها أمراً سهلاً حتى من مسافات كبيرة جداً – مسافات تصل إلى 95% من عرض الكون الرصدي. يعتقد الفريق أن دراسة كيفية تفاعل ضوء هذه الأجسام مع غاز الهيدروجين، خلال رحلته نحو الأرض، ستكشف عن المصادر الرئيسية لسطوع الكون – حتى لو لم تكن تلك المصادر نفسها كوازارات.
تم إيجاد نوعين من غاز الهيدروجين في الكون– الشكل السهل والحيادي، والشكل المشحون الذي ينتج جراء التصادم مع الضوء فوق البنفسجي. يمكن الفصل بين هذين الشكلين عبر دراسة طول موجي خاص بالضوء المعروف بـ"ليمان-ألفا"، حيث يتم امتصاص هذا الطول الموجي من قبل النوع الحيادي من الهيدروجين فقط. يُمكن للعلماء معرفة المكان الذي يتم فيه امتصاص "ليمان-ألفا" في الكون وذلك من أجل وضع خريطة للهيدروجين الحيادي.
طالما أن الكوازارات التي تمت دراساتها تقع على بعد مليارات السنين الضوئية، فإنها تلعب دور كبسولة زمنية: يوضح لنا النظر إلى ضوئها كيف كان شكل الكون في الماضي السحيق. ستكشف الخريطة الناتجة عن مكان وجود الهيدروجين الحيادي في الكون قبل مليارات الأعوام، عندما كان الكون يقوم ببناء المجرات بشكلٍ نشيط.
سيقترح التوزع المتساوي لغاز الهيدروجين الحيادي أن المجرات هائلة العدد هي المصدر الكامن وراء معظم الضوء، في حين أن نمطا توزع أقل تجانس للغاز، مكون من خليط من الهيدروجين الحيادي والهيدروجين المشحون، سيبيّن أن الكوازارات نادرة العدد هي المصدر الرئيسي للضوء.
العينات الحالية للكوازارات ليست كبيرة إلى درجة كافية من أجل تحليل الاختلافات الموجودة بين السيناريوين. على أية حال، يخطّطُ الآن لعدد من عمليات المسح التي يجب أن تساعد العلماء على إيجاد الجواب.
سيتضمن المسح الرئيسي بينها والمعروف بـ DESI (أداة مطيافية الطاقة المظلمة) قياسات مفصلة لحوالي مليون كوازار بعيد. على الرغم من أن هذه القياسات مصممة من أجل الكشف عن كيفية تسارع التوسع الكوني بفعل الطاقة المظلمة، إلا أن البحث الجديد يُبين أن النتائج التي ستأتي من DESI ستسمح أيضاً بمعرفة فيما إذا كان الغاز المتداخل مضاء بشكل متجانس. بدورها، ستكشف القياسات التي ستشمل البقع عما إذا كان الضوء الموجود في كوننا ناتج عن "بضعة مدن" (الكوازارات)، أو أنه ناجم عن (الكثير من القرى)"المجرات".
يقول المؤلف المشارك، الدكتور أندرو بونتزين، "من المذهل جداً أننا لا نعرف إلا القليل عن هذه الأجسام التي غمرت الكون بالإشعاع فوق البنفسجي خلال الوقت الذي قامت به المجرات بالتجمع بالشكل الذي نراها فيه اليوم. تُعطينا هذه التقنية معالجة جديدة للبيئة بين-المجرية خلال ذلك الوقت الحرج من تاريخ الكون."
يقول الدكتور بونتزين، "إنها أخبار جيدة. سيقوم DESI بإعطائنا معلومات لا تقدر بثمن حول ما كان يجري خلال المراحل المبكرة من تاريخ المجرات –الأجسام الخافتة جداً والبعيدة والتي لم نراها بشكل مفرد في السابق. وحالما يتم فهم ذلك الأمر في البيانات، يُمكن للفريق معرفة ما كان يحصل وفي الوقت نفسه الحصول على قياسات دقيقة لكيفية توسع الكون، الأمر الذي سيُخبرنا الكثير عن الطاقة المظلمة. يوضح ذلك الأمر مدى كبر هذه المشاريع وطموحها وكيف ستقوم بإعطائنا خرائط مذهلة ليتم استكشافها. نعمل الآن على فهم المكافآت الأخرى وغير المتوقعة التي يُمكن استنتاجها من البيانات."