ما الذي تسبب بالانفجار الكبير؟

بول سوتر Paul Sutter هو باحثٌ زائرٌ في مركز جامعة ولاية أوهايو في علم الكون وفيزياء الجسيمات الفلكية (CCAPP). هو أيضاً مُستضافٌ من قبل مجموعة "اسأل رائد فضاء" و "الفضاء الحقيقي"، وسلسلة يوتيوب "الفضاء أمامك"، ساهم في هذا المقال كخبير لموقع Space.com: Op-Ed & Insights.

في البداية، هناك علامة استفهام تتبعها الأشياء الأخرى، ثم النهاية.


سمعنا جميعاً عن نظرية الانفجار الكبير (أتحدث عن النموذج الكوني، وليس عن برنامج تلفزيوني)، لكنه من المهم فهم ما تمثله هذه النظرية، وما لا علاقة له بها. اسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة لأكون واضحاً بشكلٍ دقيقٍ وجليٍّ وحازمٍ ورائعٍ: نظرية الانفجار الكبير هي ليست نظرية خلق الكون، نقطة وانتهى. اصقل هذه الفكرة في دماغك، قُلها قبل الذهاب للنوم، وأول شيء عندما تستيقظ.

نظرية الانفجار الكبير هي نموذجٌ عن تاريخ الكون، بتعقّب تطور الكون إلى أولى لحظاته، وهذا كل شيء. لا تحاول إدخال شيء آخر في هذا الإطار، فقط توقف. يمكنك أن تترك إبداعك بعيداً عن الفيزياء خاصتي، شكراً جزيلاً لك.

أنا أشدد على هذا، لأن هناك الكثير من التشويش من كل الجهات، ومن الأفضل أن نبقي الأمر مبسطاً. نظرية الانفجار الكبير هي نموذجٌ علمي، مثل أي نموذجٍ علميٍّ آخر. نعتقد أنّ هذه النظرية على الطريق الصحيح لأنها مدعومةٌ بأدلةٍ شاملة.


لستَ مجبراً لتصدق كلامي عنها، منذ أن طُرحت الفكرة لأول مرة، نجت نظرية الانفجار الكبير من صراعات بين العلماء والطعن والخدش والانتقاد والتخريب والمشاحنات والتخاصم وحتى الإهانات لعقود من الزمن، كل ذلك في محاولة سحق منافسيهم وإثبات أن بدائلهم المحببة متفوقة، لماذا؟ لأن الذي سيدوّن النموذج العلمي الأساسي سيحصل على رحلةٍ مجانيةٍ إلى ستوكهولم.

وفي نهاية هذا كله، هناك أدلة. كما تعلمون، الكون الفعلي الذي نحاول أن نفهمه. أي ملاحظات جديدة هي "ساحة قتال علمي" (ثوندردوم Thunderdome :قفص فولاذي للقتال)، قد تدخل نظريتان، لكن واحدةً فقط ستبقى. وماذا تبقى بعد عقودٍ من الأدلة؟ هاك تلميحاً، إنه كبير.

بدأت الأدلة مع ملاحظة إدوين هابل Edwin Hubble أن كل مجرة موجودة -بالمتوسط- تحلق بعيداً عن كل مجرةٍ أخرى. الكون يتوسع، وهذا بحد ذاته أمرٌ كبيرٌ جداً. لآلاف السنين كان الافتراض هو: (أتستطيع إلقاء اللوم على أي شخص؟)، بينما تتغير الأشياء هنا على الأرض، عالياً في السموات البعيدة، الأشياء مجرد نوع من ... نعم، قد تنفجر النجوم أو ربما تصطدم المجرات، لكن عموماً، يبدو الكون من الأسبوع الماضي إلى حدٍ كبير مثل الكون اليوم. تحقق ثانيةً بعد شهر؟ نعم، نفس الكون، على الأقل هذا ما يعتقده الناس.

لكنه ليس كذلك! الكون اليوم مختلف عما كان عليه بالأمس، وسيكون مختلفاً غداً، وليس بالمقاييس المحلية، يغير كل هذا الصخب طابعه من يومٍ لآخر (تطور الكون التي كشفت عنه محاكاة عن طريق كومبيوتر).


إذا لاحظت هذا -كل يوم يصبح الكون أكبر- يمكنك أن تستخدم قفزةً هائلةً من المنطق لتصل إلى استنتاجٍ مفاده -منذ زمن طويل- كان الكون أصغر، ربما، أنا أعتقد، مثل أي عالمٍ جيد، حالما تبتدع هذا النوع من السخرية، مفهومٌ منافٍ للعقل، ستبدأ بالتفكير بالعواقب التي ستنتج، وكيف يمكنك اختبار هذا، أنا أعرف الأفكار المتطرفة.

وهنا يكمن الجوهر: قصة الـ 14 مليار عامٍ الماضية هي قصةٌ من الكثافة، الكون مصنوعٌ من العديد من أنواع المواد: الهيدروجين والهيليوم والمادة المظلمة والغضاريف والفوتونات ودواليب الهواء والنيوترونات، إلخ...

تسلك كل هذه المواد سلوكاً مختلفاً باختلاف الكثافات، لذلك عندما كان الكون أصغر، ربما هيمن نوعٌ من هذه الأشياء على الآخر، ربما قادت السلوكيات المادية لهذا الشيء إلى ما يجري في الكون.


على سبيل المثال، يتكون الكون بمعظمه، في الوقت الحاضر، من مادة مظلمة وسلوكها يسيطر على الكون، تؤدي إلى فترةٍ من التوسع المتسارع. لكن منذ مليارات السنين، كان الكون أصغر، واجتمعت كل المادة إلى بعضها بشكلٍ ضيق، وبفضل كثافتها هي حاكم الكون، الطاقة المظلمة الساحقة -التي كانت أساساً- ضعيفة بالنسبة للقوة التي هي عليها الآن.
 

 حدثت سيطرة الطاقة المظلمة في نفس الوقت الذي حصل فيها نظامنا الشمسي على هيئته، وفي نفس الوقت، كان حجم الكون نصف حجمه الحالي

قد لا تبدو ولادة عصر الطاقة المظلمة مثيرة، ولكن بدلاً من ذلك، سأعود بك في الزمن -وأصغر من أن تستطيع تخيل الكون- والغريب سيحصل. لنندفع عائدين أكثر من 13 مليار عام، عندما كان الكون فقط واحداً بالألف من مداه الحالي، حيث تشكلت كل المجرات في يومٍ واحدٍ واكتظت إلى بعضها بإحكامٍ بحيث حتى الذرة لا تستطيع أن تتكون، إنها كثيفة جداً، حيث أن كل مرة تندفع الفوتونات عالية الطاقة ضمن روابط النوى في الإلكترون، وتدمر الإلكترون. هذه هي البلازما، ودفعةً واحدة، عاش الكون بأكمله.

سريعاً للأمام، إلى يومنا هذا، وعلى ضوء البقايا من الحقبة، عندما برد الكون وتوسع بما يكفي للسماح لأول الذرات بالتشكل، واستمر حتى وصل بنا إلى الآن، ولكن الكون أقدم وأبرد وأشعة غاما عالية الطاقة، الآن هي موجات ميكروية باردة، وخلق خلفية تتخلل الكون، إشعاع الخلفية الكونية الميكروي أو CMB إذا صح التعبير.

ليست CMB مجرد واحدةٍ من القطع الرئيسية كدليل على الانفجار الكبير (هي صورة للكون في مرحلة الطفولة، ماذا تريد أن تسأل عنه؟) لكنها أيضاً نافذة لأبكر الأوقات، قد لا نكون قادرين على النظر إلى الكون قبل تشكل CMB، لكن الفيزياء تترك بصمةً في هذا المجال الإشعاعي، إنها مهمة نوعاً ما.

كذلك نندفع عائدين في الزمن، يحصل شيءٌ غريبٌ في الكون، نعم أغرب من البلازما. ارجع أكثر من ذلك، بحيث لا تستطيع النوى المستقرة أن تتشكل، اذهب حتى أبعد من ذلك، حيث لا تستطيع الفوتونات والبروتونات الصمود أمام الضغط وتتفكك إلى مكوناتها: الكواركات (quarks) والغلونات  (gluons)، عُد أكثر من ذلك ويصبح الأمر أكثر تعقيداً.

يمكن أن تُلخّص نظرية الانفجار الكبير هكذا: سُحق الكون كله (كل ما تعرفه وتحبه، كل شيء على الأرض وفي السماوات) في وقتٍ واحدٍ داخل كرةٍ حجمها كحجم حبة خوخ أو تفاحة أو غريبفروت صغيرة بحرارة ترليون كلفن، الفواكه ليست مادة هنا، اتفقنا؟

يبدو هذا المقال مثيراً للسخرية تماماً، وإذا قلته قبل مئات السنين، آمل أن تكون كحفلات الشواء، لأنك على وشك أن تحترق. لكن من الجنون كيف يبدو هذا المفهوم، في الواقع يمكننا أن نفهم هذه الحقبة مع معرفتنا لفيزياء الطاقة العالية، ويمكننا نمذجة فيزياء الكون في هذه المرحلة المبكرة، ومعرفة نتائج الأرصاد في الأيام التي تلت ذلك، يمكننا القيام بالتنبؤات، يمكننا أن نقوم بالعلم.

مع التقدم في العصر الذي سيصل إليه الكون، ستصبح صورتنا أكثر وضوحاً، لكنها تكاد تكون مخيفةً للنظر بأدمغتنا الفقيرة التي تفكر حتى بالحقبات المبكرة في الكون، في "حقبة حبة الخوخ" كان الكون عمره جزءاً صغيراً من الثانية. في الواقع، حتى أنه كان أصغر من جزء صغير، بعمر\( 10^{-36}\) ثانية، أو ما يقرب من هذا. من هناك، لدينا صورة لائقة تقريباً عن كيفية عمل الكون، لا تزال بعض الأسئلة مفتوحة، وبطبيعة الحال، لدينا ما لا يقل عن فهمٍ غامض.

حتى في الأوقات المبكرة، على الرغم أن فهمنا لما يحصل في الكون غامض، تصبح القوى والطاقات والكثافات ودرجات الحرارة مرتفعةً جداً، وعلم الفيزياء الذي رممناه معاً على مدى قرونٍ لا يرتقي إلى مستوى المهمة، بدأت جاذبية الكون المبكر للغاية الحصول على أهميةٍ كبيرةٍ في المقاييس الصغيرة، وهذا هو عالم الثقالة الكمومية، الأحجية الكبيرة التي لم تحل بعد في الفيزياء الحديثة. نحن فقط لا نملك أي فهم عن الجاذبية القوية في مقاييس صغيرة.

ببساطة في وقت قبل\( 10^{-36}\) ثانية، نحن لا نفهم طبيعة الكون، نظرية الانفجار الكبير رائعة في وصف كل شيء بعد ذلك، لكن قبله، خسرنا قليلاً. خذ هذا: مقاييس صغيرة بما يكفي، نحن لا نعرف حتى إذا كانت كلمة "قبل" تعطي المعنى! في مقاييس صغيرة بشكلٍ هائل، (وأنا أتحدث عن أصغر من أصغر شيء يمكنك تصوره)، تطل الطبيعة الكمية للواقع برأسها القبيح بكامل قوتها، ما يجعل الزمكان مرتباً ومنظماً بشكلٍ لطيفٍ في لعبة جمنازيوم مكسورة من الحلقات والتشابك والمسامير الصدئة، لا تنطبق مفاهيم الفواصل في الزمان أو المكان حقاً في تلك المقاييس. من يدري ما يحدث؟


هناك بالطبع بعض الأفكار، النماذج التي تحاول وصف ما الذي أشعل أو بدأ الانفجار العظيم، لكن في هذه المرحلة، هي مجرّد تكهنات.

إذا استطاعت هذه الأفكار امتلاك أدلة رصدية، بصمة خاصة لإشعاع الخلفية الكوني الميكروي، على سبيل المثال، فيمكننا حينها ممارسة العلم.
وإذا لم تكن صحيحة، فإنها مجرد قصص قبل النوم.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات