إيجاد الجسيمات الأسرع من الضوء عبر وزنها

في مقالة جديدة نُشرت في مجلة (Astroparticle Physics)، يَدعي روبرت إرليش (Robert Ehrlich)، وهو فيزيائي تقاعد مؤخراً من جامعة جورج ماسون، أنه من المرجح جداً أن يكون النيوترينو (neutrino) هو تاكيون (tachyon) أو جسيم أسرع من الضوء. وُجد في السابق العديد من هذه الادعاءات، آخرها في عام 2011 عندما قامت تجربة أوبيرا (OPERA) بقياس سرعة النيوترينوهات، وقِيل بأنها تتحرك أسرع من الضوء بنسبة ضئيلة. مع ذلك، عندما قِيست سرعة النيوترينوهات من جديد، وُجدَ أن النتيجة الأصلية كانت خاطئة، والسبب في ذلك الفشل هو أحد الكابلات.

يعتمد ادعاء إرليش الجديد، القائل بوجود النيوترينوهات الأسرع من الضوء، على طريقة أكثر حساسية بكثير من تلك التي تقيس سرعتها، وذلك عبر إيجاد كتلتها. وتعتمد النتيجة على وجود كتلة تخيلية (عدد مركب) للتاكيونات أو على قيمة سالبة لمربع الكتلة. تمتلك الجسيمات ذات الكتلة التخيلية خاصية غريبة، حيث تزداد سرعتها كلما فقدت الطاقة -تُعرَّف قيمة كتلتها التخيلية بالاعتماد على معدل حدوث ذلك الفقدان في الطاقة- ووفقاً لإرليش، فإن قيمة الكتلة التخيلية للنيوترينو هي 0.33إلكترون فولط أو ثُلثي الجزء من المليون من كتلة الإلكترون.

استنتج إرليش هذه القيمة من خلال إظهار أن ست مراقبات مختلفة، وقادمة من الأشعة الكونية وعلم الكون وفيزياء الجسيمات، تُؤدي جميعها إلى هذه القيمة نفسها ضمن هامش الخطأ الخاص بهن؛ وتضمنت إحدى المراقبات على سبيل المثال، اختلافات ضئيلة في إشعاعات الخلفية الكونية التي خلفها وراؤه الانفجار العظيم، في حين تضمنت مراقبة أخرى شكل طيف الأشعة الكونية. 

غالباً ما يستشهد المشككون في التاكيونات بالتناقضات مع النظرية النسبية. في الواقع، تم اقتراح فكرة التاكيونات الأسرع من الضوء لأول مرة في مقال عام 1962، كتبه جورج سودرشان (George Sudarshan) وزميليه بيلانيوك (Bilaniuk) وديشباندي (Deshpande)؛ وشرحوا فيه أن هذه الجسيمات هي نقطة ضعف في النسبية.

برهن (اينشتاين) على أنه من المستحيل تسريع جسيمات (أو مركبات فضائية) إلى سرعة تتجاوز سرعة الضوء لأن الأمر يحتاج إلى كمية لانهائية من الطاقة. اقترح (سودرشان) وزملاؤه بأنه إذا خُلقت الجسيمات في البداية بسرعة أكبر من سرعة الضوء جراء تصادمات بين جسيمات معينة، فعندها لم تعد الحاجة إلى كمية لانهائية من الطاقة أمراً ضرورياً –لكن هو شيء غير ممكن بالنسبة للمركبات الفضائية للأسف. 

بعد اقتراح التاكيونات ببضعة عقود وبعد العديد من الأبحاث غير المثمرة، اقترح النظريون شودوس (Chodos) وهوسر (Hauser) وكوستيليكي (Kostelecky) عام 1985أنها قد تكون مختفية عن مرأى الجميع -خصوصاً أن النيوترينوهات هي تاكيونات. قادتهم هذه الفكرة إلى اقتراح أن البروتونات يجب أن تتفكك وفقاً لتحلل بيتا (Beta decay) عندما تتحرك بسرعة عالية كفاية باتجاهنا. 

عادة، هذه العملية محظورة لأنها لا تخضع لقانون حفظ الطاقة؛ لكن هذا يتغير إذا كانت النيوترينوهات هي تاكيونات؛ فحينها يُمكن أن تكون الطاقة سالبة ضمن بعض الأطر المرجعية -في الواقع، تتحرك التاكيونات ذات الطاقة السالبة في الزمن بشكل تراجعي.كان مقترح (شودس) و(هوسر) و(كوستيليكي) أول الأشياء التي قادت (إرليش) لتولي هذه المطاردة في العام 1999، عندما طالب بدعم كون النيوترينوهات تاكيونات، معتمداً على بضعة دراسات للأشعة الكونية. على أية حال، تعتمد نتيجته الجديدة على بيانات قادمة من أربعة مجالات أخرى بالإضافة إلى الأشعة الكونية، وهي بذلك أكثر قوة.

بالإضافة إلى ذلك، وخلافا للنتيجة الخاطئة الأولية في تجربة (أوبيرا)، لا يُمكن رفض ادعاء إرليش بسبب غياب بعض الظواهر التي يجب رصدها، لكن هذا الأمر لا يعني أيضاً أن الادعاء صحيح. يُمكن فحص ادعاء إرليش بالاعتماد على تجربة تُعرف باسم كاترين (KATRIN) التي ستبدأ بجمع البيانات في العام 2015؛ وفي هذه التجربة، يمكن اكتشاف كتلة النيوترينو عبر النظر إلى شكل الطيف الناجم عن تحلل بيتا للتريتيوم (tritium) -النظير الأثقل للهيدروجين. 

ويُمكن إجراء اختبار آخر، يعتمد على الأشعة الكونية عالية الطاقة، باستخدام البيانات الموجودة. طبعاً، قبل أن تحاول تصميم (هاتف تاكيوني) من أجل إرسال رسائل لنفسك في زمن سابق، قد يكون من الحكمة معرفة فيما إذا كان ادعاء إرليش مُؤيداً من قبل آخرين.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات