يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
تنبؤاتنا بالعواصف الشمسية لم تصل بعد إلى الدقة الكافية: تعرّف على السبب

عندما أطلقت الشمس إعصاراً فضائياً في 7 يناير/كانون الثاني 2014، أرسلت مراكز طقس الفضاء حول العالم تحذيراتها، فقد كان الإعصار يتّجه مباشرة الى الأرض وكان من المتوقع أن يولّد عاصفة جيومغناطيسية قوية (strong geomagnetic storm). لكن، ما حدث فعلياً كان غير متوقع، فقد تفادت العاصفة كوكب الأرض، واتّجهت عوضاً عنه إلى المريخ، ممّا يؤكّد أنّ تقنيّاتنا المستخدمة في التنبؤ بمثل هذه الظواهر ليست بالدقة التي نرجوها، وأنا ميو جانفييه Miho Janvier، أعمل الآن ضمن فريق من المؤلفين المشاركين في مقال جديد يلقي الضوء على الأسباب الكامنة وراء خطأ هذه التنبؤات، وما الذي بوسعنا فعله إزاء ذلك في المستقبل.

 

توضح الصورة ليست ساخنة بالقدر الكافي، لكن إلى أين تتجه؟
توضح الصورة ليست ساخنة بالقدر الكافي، لكن إلى أين تتجه؟

العواصف الفضائية جزء منتظم من نشاط شمسنا، فما يُعرف باسم التدفق الإكليلي الكتلي (coronal mass ejections)، هو ناتج ثانوي لظواهر هائلة تُسمى التوهّجات الشمسية (solar flares)، وتحصل تلك التوهّجات في المناطق النّشطة من الشمس، حيث تتراكم كميّة ضخمة من الطاقة على هيئة مجال مغناطيسي متشابك، ويشبه هذا الفعل في سلوكه ربطة مطاط لُوِيَت بشكلٍ كبير، ثم انطلقت أثناء تحريرها لطاقتها المخزنة.

قد تكون للعواصف الجيومغناطيسية الناتجة عن اصطدام تلك التدفقات بالأرض عواقب وخيمة. فمن جهة، ربما تتمكّن من رؤية الشفق الجميل في سماء الليل، لكن من الجهة الأخرى، قد تتعطل أنظمة الاتصالات وتقنية تحديد المواقع (GPS) التي تعتمد على الأقمار الصناعية، كما أن تشويش الراديو قد يجعل من إعادة توجيه الرحلات الجوية ضرورة حتمية. وفي أسوء الأحوال، قد تتولد موجات قويّة من التيّارات الكهربائية ليس بإمكان شبكات الكهرباء الوطنية تحمّلها، مما يؤدي الى انقطاع ضخم في التيار الكهربائي، كالذي شهدته" مونتريال ومنطقة كيبيك في كندا في مارس/آذار 1989.

اكتشافاتنا


رصد المرصد الديناميكي الشمسي SDO التوهّج الشّمسي الذي شهدته الشمس في يناير/كانون الثاني عام 2014 أثناء تطوره، وهذا المرصد عبارة عن بعثة أطلقتها ناسا في عام 2010، وكرّست مهامها لدراسة نجمنا المضيف. حلّل فريق بحثنا، الذي يقوده الدكتور كريستيان موستل Christian Möstl من أكاديمية العلوم النمساوية، المناطق المحيطة بمركز العاصفة في الشمس، واكتشفنا، أن المنطقة المحيطة به في إحدى جوانبها، قد كوّنت حقلاً نشطاً للغاية، وذات مجال مغناطيسي قوي، بينما شغل الجانب الآخر مجال مغناطيسي ضعيف، يعرف بالثقب الإكليلي (coronal hole).

 


العواصف الشمسية 

 

استنتج الفريق أن المجال المغناطيسي القوي قد دفع العاصفة الثائرة بعيداً، موجّهاً إيّاها في مسار المجال الضّعيف وبعيداً عن المسار الأصلي؛ وما إن انطلقت العاصفة في طريقها إلى الفضاء، حتى سجّلتها العديد من المسابر الفضائية، بما في ذلك القمر الصناعي مستكشف التكوين المتطور Advanced Composition Explorer الموجود في مدار حول الأرض، وكيريوسيتي روفر Curiosity Rover الذي يتواجد على سطح المريخ.

سجل الروبوت المرّيخي بوجه خاص، انخفاضاً في تدفّق الأشعة الكونية (cosmic rays) في المناطق المجاورة له، وهو مفعول يُعرف بمفعول فوربوش (Forbush effect)، وتنشأ هذه الظاهرة عندما يتسبب الحقل المغناطيسي للسحابة الشمسية في انحراف الجسيمات النّشطة القادمة من الفضاء الخارجي، والتي تقصف الكوكب بشكل مستمر.

 

 توهج شمسي



ساعدت هذه البيانات فريقنا في بناء نموذج يعيد توليد السحابة الشمسية في الفضاء، وبناء عليه، عرفنا أوقات وصولها إلى الأرض وإلى الكوكب الأحمر. ومن شأن ذلك أن يحسّن النماذج التي يستعين بها العلماء في تكوين توقعات دقيقة للطقس في الفضاء، ومن الأمثلة عليها، النماذج التي يستخدمها مركز التنبؤ بالطقس الفضائي في المملكة المتحدة UK MET Office، الذي تم فتحه في أكتوبر/تشرين الأول في عام 2014.

باختصار، توصلنا إلى استنتاجين، فمن أجل الحصول على توقّعات دقيقة لحالة الجو، يتوجب علينا في المستقبل رصد المناطق المحيطة بمركز النشاط الشمسي، فقد أثبتت أنها المحدد الأقوى للكيفية التي تتطور بها التدفقات الإكليلية الكتلية، وسيخبرنا ذلك في النهاية ما إذا كان التدفق الإكليلي الكتلي سيصطدم بالأرض، وعند أي زاوية، وما مقدار شدّته.

ثانياً، من المهم جداً أن نستمر في تحسين نماذجنا التي تشرح كيفية تطور العواصف الشمسية لحظة مغادرتها الشمس، إذ يتيح لنا ذلك التنبؤ بمواعيد وصولها إلى الأرض، مما يمكّن السلطات القومية من الاستعداد لعواقبها على قدر كاف من الدقة.

لإدراك هذه الغاية، ما زالت تنقصنا العديد من الأبحاث المتعلقة بآليّات العواصف الشمسية، وكيف تتطور في الفضاء، وكيف تتفاعل مع الدروع المغناطيسبة الطبيعية للكوكب، وهذا هو التحدي الرئيسي الذي سيواجهني في عملي، لشهور وسنوات قادمة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التدفق الإكليلي الكتلي (Coronal mass ejections): أو CMEs، هي ثورانات مكونة من الغاز والمواد المُمغنطة القادمة من الشمس والتي قد تؤدي إلى أثار مدمرة على الأقمار الصناعية والتقنيات الأرضية.
  • عاصفة جيومغناطيسية (geomagnetic storm): هي اضطراب مؤقت في الغلاف المغناطيسي للأرض، وينتج عن موجة صدمة الرياح الشمسية، وسحابة الحقل المغناطيسي التي تتفاعل مع الحقل المغناطيسي للأرض.
  • مفعول فوربوش (Forbush effect): هي تناقص شدة الأشعة الكونية عند رصدها فوق الأرض، وينتج هذا المفعول عن التأثيرات المغناطيسية للتوهجات الشمسية.
  • التوهجات الشمسية (solar flares): ثورانات غازية عنيفة تحصل على سطح الشمس.
  • الثقب الإكليلي (coronal hole): هو جزء من الإكليل الشمسي، ويتغير هذا الجزء بشكلٍ مستمر جراء التغيرات الحاصلة في الإكليل وكون الإكليل غير متجانس.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

اترك تعليقاً () تعليقات