تتبُّع أثَر للضوء: للمرّة الأولى، باحثون يتتبعون آثاراً ضوئية ويتحكمون بها.

تصور فني لموجة جارية شديدة اللمعان من شحنة تثير آثار بلازمون سطحي (Surface plasmon).


عندما تقوم بطة بالسباحة في بركة أو تقوم طائرة بالتحليق في السماء بسرعة تفوق سرعة الصوت، فإنها تترك أثراً (wake) في مسارها. تنتج تلك الآثار حينما يسافر شيءٌ ما خلال وسط أسرع من الأمواج التي يُشكّلها هذا الوسط، فهي أمواج مائية (water waves) في حالة البطة، أمّا في حالة الطائرة فهي أمواج صدميّة (shock waves)، والتي قد تُعرف من ناحية أخرى باسم دويّ اختراق حاجز الصوت (sonic booms).

تُوجد الآثار أينما وُجدت الأمواج، حتى لو كانت تلك الأمواج هي أمواج ضوئيّة. وبينما لا يسافر شيء في الفراغ بسرعة أسرع من سرعة الضوء، فإنَّ الضوء لا يوجد دوماً في الفراغ. بالإمكان أن يتحرك شيءٌ في وسط أو مادة أسرع من سرعة الطور للضوء (phase velocity of light) تاركاً أثراً خلفه. وإنَّ أشهر مثالٍ على ذلك هو إشعاع تشيرينكوڤ (Cherenkov radiation)، حيث تُنتج الآثار كشحنات كهربيّة تُسافر خلال السوائل بسرعةٍ أسرع من سرعة الطور للضوء، باعثةً أثراً ذا لونٍ أزرقٍ لامع.

ولأوّل مرة، قام الباحثون بجامعة هارفارد بإنتاج آثارٍ مماثلة لأمواج شبيهة بالضوء، تتحرك على سطحٍ معدنيّ، تُدعى بلازمونات السطح (Surface plasmons)، وبرهنوا أنه بالإمكان التحكم بها وتوجيهها. إنَّ هذا الاكتشاف، المنشور اليوم في صحيفة Nature Nanotechnology، قد تم في مختبر فيديريكو كاباسّو Federico Capasso. 

روبرت إل والاس بروفيسور في الفيزياء التطبيقية Robert L. Wallace هو باحث حاصل على منحة ڤينتون هايز في الهندسة الكهربائية من كلية جون إيه بولسون للهندسة والعلوم التطبيقية بجامعة هارفارد. Harvard John A. Paulson School of Engineering and Applied Science أو اختصاراً باسم (SEAS).

يقول كاباسّو: "إن القدرة على التحكّم في الضوء هي قدرة عظيمة. إنّ فهمنا لعلم البصريّات على مستوى المايكروي (macroscale) أدّى إلى اختراع الهولوجرامات (Holograms)، ونظارات جوجل والصمّامات الثنائيّة الباعثة للضوء (LEDs)، وهنا نذكر فقط بعض الأمثلة. كما يحتلّ علم بصريّات النانو (Nano-optics) مكانةً كبيرةً في مستقبل تكنولوجيا النانو (Nanotechnology)، وهذا البحث يعزّز قدرتنا على التحكم بقوّة الضوء والاستفادة منها على المستوى النانوي (Nanoscale).

إنّ إنتاج آثار بلازمون السطح والتحكّم بها يمكن أن يقودنا إلى أنواع جديدة من الوصلات والعدسات البلازمونية التي بدورها تُشكّل هولوجرامات ثنائيّة الأبعاد أو ضوء مُركّز على المستوى النانوي.

تنحصر بلازمونات السطح في سطح المعدن. وكي تتشكل الآثار خلالها، قام فريق كاباسّو بتصميم موجة شحنة جارية أسرع من الضوء، على امتداد مادة خارقة ذات بُعد أُحادي - كزوْرق آلي يتسارع عبرَ بُحيرة.

وتقومُ المادّة الخارقة، وهي عبارة عن بناء نانوي (nanostructure) يتكوّن من شقوق مُدارة محفورة داخل غشاءٍ ذهبيّ، بتغيير طور بلازمونات السطح المُوَلَّدة عند كل شقّ بالنسبة لبعضهم البعض، مما يزيد من سرعة الموجة الجارية. كما يقوم البناء النانوي بدور دفّة الزوْرق، حيث يسمح بتوجيه الآثار عن طريق التحكم بسرعة الموجة الجارية.

اكتشف الفريق أن زاوية سقوط الضوء الساطع على المادّة الخارقة يمدّهم بقدر إضافي من التحكم وأن استخدام الضوء المُستقطب يُمكّنهم من عكس اتجاه الأثر بالنسبة للموجة الجارية - كحركة أثر في الاتجاه المعاكس للزوْرق.

يقول دانييل ڤينتز Daniel Wintz مؤلف الورقة البحثية وطالب دراسات عليا في مختبر كاباسّو: "إنّ قدرتنا على التحكّم والتلاعب بالضوء على مستويات أصغر بكثير من الطول الموجي للضوء هو أمرٌ صعبٌ جدّاً. كما أنّه من المهم أننا لم نلاحظ تلك الآثار فحسب، بل وجدنا عدّة طرق للتحكم بها وتوجيهها."

إنّ الملاحظة نفسها كانت مثيرة. وكما قال أنطونيو أمبروسيو Antonio Ambrosio مساعد مؤلف من SEAS ومجلس البحث الإيطالي Italian Research Council اختصاراً CNR": إنّ بلازمونات السطح ليست مرئيّةً للعين المجرّدة أو الكاميرات، وكي نستطيع أن نرى الآثار، قد استخدمنا تقنيّة تجريبيّة تقوم بدفع البلازمونات بعيداً عن السطح، وتجمعهم بواسطة ألياف بصرية ومن ثم تسجّل الصورة."

قد يمثّل هذا العمل منصّة اختبارات جديدة لفيزياء الآثار خلال فروع مختلفة من المعرفة. يقول باتريس جينيڤيت Patrice Genevet مؤلّف بـSEAS سابقاً، وحاليّاً هو عضو في معهد سنغافورة للتكنولوجيا التصنيعيّة Singapore Institute of Manufacturing Technology: "يتناول هذا البحث مسألة مُبتكرة وفريدة من نوعها، حيث أنّها تربط بين ظواهر فيزيائيّة مختلفة، مثل آثار المياه و دوي اختراق حاجز الصوت، وإشعاع تشيرينكوڤ."

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أمواج الصدمة (shock waves): هي عبارة عن منطقة متنقلة صغيرة تترافق مع السرعات فوق الصوتية، ويحصل داخلها زيادة كبيرة جداً في الكثافة والضغط وسرعة المادة
  • الانفجارات الصوتية (sonic booms): هي الصوت المترافق مع أمواج الصدمة الناشئة عن جسم ما أثناء تحركه في الهواء بسرعة تفوق سرعة الصوت فيه، وتُولد هذه الانفجارات كميات هائلة من الطاقة الصوتية لتشابه إلى حد كبير الانفجار. وتتحرك في الوسط بسرعة أكبر من سرعة الصوت في الوسط.
  • الهولوغرام أو المصّور التجسيمي (hologram): صورة ثلاثية الأبعاد مكونة من نمط معين من تداخل اشعة الليزر المنفلقة، مسقطة في الفراغ بالقرب من سطح خلفي له خصائص ضوئية معينة [كحاجب الريح الأمامي بغرفة الطيار] مُنار بإشعاع أحادي الطول الموجي مترابط الطور. المصدر: مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا.
  • البلازمون (plasmons): هو "كم" الاهتزاز في البلازما، ويُمكن النظر إليه على أنه شبه جسيم لأنه ينتج عن "تكميم" اهتزازات البلازما، بشكلٍ مشابه لتكميم الفونونات في الاهتزازات الميكانيكية.

اترك تعليقاً () تعليقات