اكتشاف فراغات حلقية الشكل في قرص كوكبي أولي

رسم تخيلي للنجم TW Hya يبين البنية الحلقية المزدوجة للقرص الكوكبي الأولي.


المصدر: NAOJ.


عثر فريق من الفلكيين تابعٌ لمشروع "الاستكشاف الاستراتيجي للكواكب الخارجية والأقراص" Strategic Exploration of Exoplanets and Disks أو اختصاراً SEEDS، وبقيادة "المرصد الفلكي الوطني في اليابان" National Astronomical Observatory of Japan أو اختصاراً NAOJ، عثر على فراغ قريب حلقيّ الشكل في القرص الكوكبي الأولي (protoplanetary disk) المؤلف من الغاز والغبار، والذي يحيط بنجم قريب شابٍّ مشابه للشمس يدعى TW Hya. وتشير الصور الحديثة الملتقطة لهذه الفجوة بواسطة تلسكوب سوبارو، بالإضافة إلى صور سابقة لفجوة أخرى تم العثور عليها بواسطة تلسكوب هابل الفضائي Hubble Space Telescope، تشير إلى التشكل المستمر للكواكب في هذا القرص، حيث تعكس صورةً جيدةً للطريقة التي تَشكّل بها نظامنا الشمسي في بداية تاريخه.

 

القرص الكوكبي الأولي حول النجم TW Hya. في الجزء الأيسر: تُظهر الصورة التي التُقطت بواسطة تلسكوب هابل بالطيف قُرب تحت الأحمر فراغاً حلقيَّ الشكل على بعد 80 وحدةً فلكيةً. في الجزء الأيمن: صورة جديدة التُقطت بواسطة تلسكوب سوبارو تغطي نفس المنطقة التي تم تصويرها بواسطة هابل، وهي تشمل دائرةً نصف قطرها 80 وحدةً فلكيةً، حيث تظهر كدائرة بيضاء متقطعة. تُظهر الدائرة البيضاء الصغيرة المسافة المكافئة لقطر مدار أورانوس بهدف المقارنة، أما الدائرة السوداء في المركز، فهي منطقة تمت تغطيتها بواسطة البرمجيات المستخدمة في معالجة الصورة، ويبلغ نصف قطرها 11 وحدة فلكية. يقع الفراغ الحلقي المكتشف حديثاً على بُعدِ 20 وحدةً فلكيةً من النجم المركزي. تمت مضاعفة السطوع السطحي بمقدار 2r في الصورتين لتعزيز مناطق الفراغات، حيث تعادل r المسافة الفاصلة عن النجم المركزي. المصدر: NAOJ.
القرص الكوكبي الأولي حول النجم TW Hya. في الجزء الأيسر: تُظهر الصورة التي التُقطت بواسطة تلسكوب هابل بالطيف قُرب تحت الأحمر فراغاً حلقيَّ الشكل على بعد 80 وحدةً فلكيةً. في الجزء الأيمن: صورة جديدة التُقطت بواسطة تلسكوب سوبارو تغطي نفس المنطقة التي تم تصويرها بواسطة هابل، وهي تشمل دائرةً نصف قطرها 80 وحدةً فلكيةً، حيث تظهر كدائرة بيضاء متقطعة. تُظهر الدائرة البيضاء الصغيرة المسافة المكافئة لقطر مدار أورانوس بهدف المقارنة، أما الدائرة السوداء في المركز، فهي منطقة تمت تغطيتها بواسطة البرمجيات المستخدمة في معالجة الصورة، ويبلغ نصف قطرها 11 وحدة فلكية. يقع الفراغ الحلقي المكتشف حديثاً على بُعدِ 20 وحدةً فلكيةً من النجم المركزي. تمت مضاعفة السطوع السطحي بمقدار 2r في الصورتين لتعزيز مناطق الفراغات، حيث تعادل r المسافة الفاصلة عن النجم المركزي. المصدر: NAOJ.


يبلغ عمر النجم TW Hya حوالي 7-10 ملايين سنة، وتبلغ كتلته حوالي نصف كتلة الشمس، ويقع على مسافة 180 سنة ضوئية في كوكبة الشجاع (Hydra)، مما يجعله أقرب نجم من النمط  [1] (T-Tauri) إلى الشمس. ونظراً لقربه منها، فإن النجم TW Hya يُعتبر ملائماً بشكل خاص لإجراء أبحاث دقيقة في مجالات متعددة لأطوال الموجات. وقد أظهرت الأرصاد التي أجريت بواسطة تلسكوب هابل الفضائي بالطيف قرب تحت الأحمر في عام 2013 وجود فراغ حلقيّ الشكل على بعد 80 وحدة فلكية من النجم المركزي (في أيسر الشكل 1).

أما الفراغ المكتشف حديثاً فيقع على بعد 20 وحدة فلكية فقط من النجم، وذلك في منطقة لم يتم رصدها إلا مؤخراً. وعند دراسة توزع الطاقة الطيفية بين أطوال الموجات البصرية وأطوال الموجات في منتصف الطيف تحت الأحمر -أي المعلومات المتعلقة بالبنية الهندسية للأجزاء الداخلية من القرص، والتي تعتبر غير قابلة للرصد المباشر نظراً لقربها الشديد من النجم المركزي- تبين احتمال وجود قرص رقيق قريب جداً من النجم يبلغ قطره أربع وحدات فلكية، ولكن لم يتم تصويره حتى الآن.

وقد رصد الباحثون الدقائقَ الغبارية الصغيرة (بحجم 0.1-1 ميكرون) في القرص المحيط بالنجم TW Hya وذلك في الحزمة H التى تبلغ (1.6ميكرون)، مما سمح لهم بإيجاد هذه الفجوة من على مسافة 20 وحدة فلكية من النجم المركزي (في أيمن الشكل 1). ويتوافق ذلك في مجموعتنا الشمسية مع مدار الكوكب أورانوس تقريباً (والذي يقع على بُعد 19.19 وحدة فلكية من الشمس). وتشمل الصورة الجديدة التي التقطها تلسكوب سوبارو كذلك الفجوة التي تم تصويرها سابقاً بواسطة تلسكوب هابل.

ويعتبر تَشَكّل مثل هذه الفراغات ذات الشكل الحلقي دلائل رصدية قوية تدعم وجود الكواكب حول النجوم الأخرى. ويشير وجودها في القرص الكوكبي الأولي المحيط بالنجم TW Hya إلى تشكل العديد من لبنات البناء للكواكب الصغيرة من المواد الموجودة في القرص الغباري على مسافات مختلفة من النجم المركزي، والتي ستندمج مع بعضها في النهاية لتشكل كواكبَ ناضجةً بشكل كامل.

النجم TW Hya كنموذج للمجموعة الشمسية في بداية تاريخها


منذ اكتشاف أول كوكب خارجي حول النجم 51 Pegasi المشابه للشمس في عام 1995، فقد تم العثور على أكثر من 5000 كوكبٍ خارجي محتمل (حتى نيسان/أبريل 2015). ونظراً لأن النجوم التي تمتلك عدة كواكب حولها تُشكل نسبةً كبيرةً من هذه الاكتشافات، فإن العديد من الفلكيين يعتقدون بوجود أنظمة كوكبية مشابهة لمجموعتنا الشمسية، ولذلك، فإن طريقة تكوُّن هذه الأنظمة تُشكل موضعاً كبيراً للاهتمام.

ويعتبر النجم TW Hya من النجوم الشابّة، فهو لا يزال في منتصف عملية التشكل الكوكبي، مما يمنح الفلكيين الفرصة لرؤية ما كان عليه نظامنا الشمسي قبل حوالي 4.5 مليار سنةٍ. وقد تنبأت المحاكاة النظرية منذ فترة طويلة بتشكل فراغات حلقية الشكل في المناطق التي تتشكل فيها الكواكب الأولية. وبذلك فإن اكتشاف فراغات متعددة في القرص الكوكبي الأولي الموجود حول النجم TW Hya يشكل خطوةً هامةً لفهم لغز تشكل الأنظمة الكوكبية.

الأبحاث المستقبلية


عثر الفريق على دقائق غبارية -بقطر 0.1-1 ميكرون- منتشرة ضمن سطح القرص الكوكبي الأولي، وذلك أثناء رصده للنجم TW Hya بواسطة تلسكوب سوبارو. ونظراً لاعتبار حجم الدقائق الغبارية عاملاً مهماً في آلية تشكل الكواكب، فمن الضروري فَهمُ توزع الدقائق الغبارية الكبيرة (من رتبة الميليمتر فما فوق) داخل القرص الكوكبي الأولي. ومن خلال الأرصاد التي أجريت بواسطة قياس التداخل الراديوي باستخدام مصفوفة أتاكاما الميليمترية الكبيرة (Atacama Large Millimeter Array) أو اختصاراً ALMA، تمكن الباحثون بنجاح من العثور على عدة فراغات حلقية الشكل حول نجم شابٍّ آخر هو النجم HL Tauri الأصغر عمراً من النجم TW Hya. وقد أتاحت هذه الأرصاد تحديد توزع الدقائق الغبارية الكبيرة في القرص الموجود حول النجم. وتخطط مجموعة SEEDS لإجراء أرصاد في المجال الراديوي الميليمتري وما دون الميليمتري، بحيث تتمكن من تتبع أثر الدقائق الغبارية الكبيرة في الجزء الداخلي من القرص الكوكبي الأولي حول النجم TW Hya.

وعلاوة على ذلك، فإن الأرصاد الراديوية يمكن أن تكشف الغاز الذي يشكل الجزء الأساسي من الكواكب الغازية العملاقة المشابهة للمشتري، بالإضافة إلى الأغلفة الجوية التي تحيط بالكواكب الصخرية. وسيتيح دمج الأرصاد -التي سيتم الحصول عليها من تلسكوبَي ALMA وسوبارو- تحديدَ البنيات ذات الأبعاد الثلاثية للأقراص الكوكبية الأولية، مما يُساعد في تحسين فهمنا لآليات تشكل الكواكب. وسيقوم تلسكوب ALMA وتلسكوب الثلاثين متراً (Thirty Meter Telescope) أو اختصاراً TMT -الذي سيشكل الجيل القادم من التلسكوبات- بتأمين معلومات مُقنعة حول مَنشَأ هذه الفراغات في الأقراص الكوكبية الأولية، وسيُلقِيَان المزيد من الضوء على آلية تشكل الكواكب.

ملاحظات:


[1] النجوم T-Tauri هي مجموعة خاصة ومميزة من النجوم الشابة المتغيرة التي يوجد حولها قرص كوكبي أولي، ويعتقد العلماء أن هذه النجوم -التي لا تزال في بداية حياتها- مرشحة بقوة لتشكل مجموعات شمسية حولها. وقد تم إطلاق هذه التسمية تيمناً بأحد النجوم الموجودة في كوكبة الثور، والذي يحمل نفس الاسم، ويبدي هذه الخصائص النموذجية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • القرص الكوكبي الأولي (protoplanetary disk): هو عبارة عن قرصٍ نجمي دوار مكون من غاز كثيف يُحيط بنجم مولود حديثاً.
  • كوكب سيّار أولي أو كوكب أولي (protoplanet): هي أجنة كوكبية أولية وُلدت داخل الأقراص الكوكبية وعانت من عملية الانصهار الداخلي لتُنتج هياكلها الداخلية المتباينة.
  • الكواكب الخارجية (Exoplanets): أو الكواكب الموجودة خارج النظام الشمسي.
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات