ثقبٌ أسود قديم يتحدى قوانين تشكّل المجرات

ثقب أسود يكبر بشكل أسرع من المجرة التي تحتويه.

المصدر: Michael S. Helfenbein/Yale University


 

تتواجد الثقوب السوداء عادةً في مراكز المجرات، وتكون كتلة هذه الثقوب السوداء عادةً أقل من كتلة المجرات التي تحتويها. لكن مؤخراً، قام باحثون من معهد علوم الفضاء بزيورخ ETH باكتشاف ثقبٍ أسودَ ثقيل، ومن الواضح أن هذا الثقب الأسود قد نما بشكل سريع لدرجة أن المجرة التي تحتويه لم تعد قادرةً على مُجاراته. يدعو هذا الاكتشاف لإعادة التساؤل حول مسألة التطور المشترك للمجرات وثقوبها السوداء.

كان بيني تراختنبروت Benny Trakhtenbrot، وهو الباحث في معهد زيورخ لعلوم الفضاء، يعمل مع فريق دولي من علماء الفيزياء الفلكية للبحث عن الثقوب السوداء القديمة والثقيلة باستخدام تلسكوب كيك (Keck telescope) الموجود في هاواي، والذي يبلغ قطر مرآته عشرة أمتار. وعلى الرغم من أن هذا النوع من الأرصاد يعتبر روتينياً بالنسبة لهؤلاء العلماء، إلا أن تراختنبروت والفريق العلمي قد تفاجؤوا بأول ثقبٍ أسودَ رصدوه. فقد كشفت البيانات التي تمّ الحصول عليها باستخدام الأداة الجديدة عن وجود ثقب أسود عملاق في مجرة بعيدة تُسمى بـ CID-947 حيث تبدو للوهلة الأولى مجرةً اعتيادية. ونظراً لأن ضوء هذه المجرة قد قطع مسافاتٍ طويلةً جداً، فإن العلماء قد رصدوا في الواقع المجرة عندما كان عمر الكون يقل عن ملياري سنة، أي ما يعادل 14% فقط من عمره الحالي (آخذين بعين الاعتبار أن 14 مليار سنة قد انقضت منذ الانفجار العظيم).

وقد أظهر تحليل البيانات التي تم جمعها في هاواي أن كتلة الثقب الأسود في المجرة CID-947 تعادل تقريباً سبعة مليارات كتلة الشمس، الأمرُ الذي يؤهله ليكون من بين أضخم الثقوب السوداء التي تم اكتشافها حتى الآن. وما فاجأ الباحثين على وجه الخصوص ليس الكتلة الضخمة القياسية لهذا الثقب الأسود، وإنما كتلة المجرة التي تحتويه. وفي هذا السياق يقول تراختنبروت، وهو بالإضافة لما تم تعريفه أعلاه زميل ما بعد الدكتوراه، ويعمل في فريق فيزياء الفضاء خارج المجرات (Extragalactic Astrophysics) التابع للبروفيسور ماتشلا كارالو Macella Carollo: "تعود القياسات التي حصلنا عليها لمجرة ذات كتلة نموذجية. وفي الحقيقة نحن نتعامل مع ثقب أسود عملاق داخل مجرة ذات حجم اعتيادي". وهذه النتيجة مذهلة جداً لدرجة أن اثنين من الباحثين قاما بالتحقق من كتلة المجرة بشكل مستقل، حيث توصل كلاهما لنفس النتيجة. وقد قام الفريق البحثي بنشر النتائج التي توصل إليها في العدد الأخير من المجلة العلمية Science.

هل كان أي شيء يبدو مختلفاً في بدايات الكون؟


معظم المجرات، بما في ذلك مجرتنا درب التبانة، تحتوي على ثقوبٍ سوداءَ في مركزها، وتصل كتلة كل واحد من هذه الثقوب السوداء لملايين وحتى مليارات أضعاف كتلة الشمس. يقول البروفيسور كيفن شافينسكي Kevin Schawinski التابع لمعهد علوم الفضاء بزيورخ والمؤلف المشارك في هذه الدراسة الجديدة لشرح هذه الفكرة: "تمتلك الثقوب السوداء قوة ثقالية قوية لدرجة أنه لا يمكن حتى للضوء أن يُفلت من قبضتها. وتشرح نظرية أينشتاين للنسبية العامة الكيفية التي تقوم بها الثقوب السوداء بحني نسيج الزمكان نفسه". ومن الجدير بالذكر أن إثبات وجود الثقوب السوداء ممكنٌ من خلال التسارع الكبير للمادة بتأثير القوة الثقالية، الأمرُ الذي يؤدي إلى انبعاث إشعاع ذي طاقة عالية.

أظهرت الأرصاد التي تم الحصول عليها حتى الآن أن العلاقة بين عدد النجوم في مجرة ما وبين حجم ثقبها الأسود هي علاقة طردية، فكلما ازداد عدد النجوم كلما كبر حجم الثقب الأسود. ويضيف تراختنبروت قائلاً: "تنطبق هذه العلاقة الطردية على كوننا المحلي، والذي يعكس حال الكون في الماضي القريب. وهذه العلاقة الطردية -بالإضافة إلى أدلة أخرى- قد قادت العلماء لفرضية مفادها أن نموّ الثقوب السوداء وتَكوّن النجوم مرتبطان معاً. ويُعتبر ذلك منطقياً تماماً طالما كان هناك مخزونٌ مشترك من الغاز البارد يؤدي لتكوين النجوم و تغذية الثقب الأسود في وسط المجرة". بالإضافة إلى كل هذا، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الإشعاع المنبعث خلال نمو الثقوب السوداء يؤثر على تكوين النجوم أو حتى يوقفه تماماً، والسبب هو أن الطاقة المنبعثة من هذا الإشعاع تقوم بتسخين الغاز. ولكنّ النتائج التي تم التوصل إليها مؤخراً تفيد بأن هذه الآلية تعمل بطريقة مختلفة عما كان يعتقد، على الأقل في بدايات الكون.

ويستمر تشكل النجوم


إن كتلة الثقب الأسود الضخم الذي اكتشفه تراختنبروت وزملاؤه تقل بعشر مرات تقريباً عن كتلة المجرة التي تحتويه. تصل كتلة الثقوب السوداء في الكون الحالي إلى حوالي 0.2-0.5% من كتلة المجرات التي تحتويها. ويعني هذا بحسب باحثي معهد علوم الفضاء بزيورخ أن الثقب الأسود الضخم الذي تم رصده ينمو بفاعلية أكبر من نمو المجرة التي تحتويه، وهو ما يناقض النماذج التي تنصّ على أن نمو الثقب الأسود ونمو المجرة التي تحتويه مرتبطان مع بعضهما. أفاد الباحثون أيضاً استناداً إلى ملاحظاتهم بأن النجوم لا تزال تتشكل في تلك المجرة رغم وصول الثقب الأسود الثقيل إلى أقصى نمو له.

ولذا، فإن هذه المجرة قد تستمر في النمو، لكنّ الفرق بين كتلة ثقبها الأسود وكتلة نجومها سيظل كبيراً بشكل غير معهود. ويعتقد الباحثون أن المجرة CID-947 يمكن أن تصبح واحدةً من أضخم المجرات التي رأيناها في الكون الحالي، مثل المجرة NGC 1277 الموجودة في كوكبة برشاوس (Perseus)، والتي تبعد حوالي 220 مليون سنة ضوئية عن مجرة درب التبانة. ويأمل العلماء في معرفة المزيد عن العلاقة بين هذا الثقب الأسود الضخم ومجرته، وذلك من خلال إجراء الأرصاد بواسطة تلسكوب ألما الراديوي (ALMA radio telescope) الموجود في تشيلي.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • تلسكوب كيك (Keck Telescope): مرصد دبليو. إم. كيك غالبا ما يعرف بمرصد كيك، (بالإنجليزية: WM كيك). هو عبارة عن مرصدين يقعان على ارتفاع 4145 متر على قمة ماوناكيا في هاواي. ويبلغ قطر المرايا الرئيسية لكلا المرصدين 10 متر، مما يجعلهما أكبر مرصدين بصريين في العالم.
  • خارج المجرة (Extragalactic): ما يقع خارج، أو خلف مجرتنا. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات