ارتفاع درجة حرارة البحار وانصهار المسطحات الجليدية

يطفو جبل جليدي في خليج ديسكو، بالقرب من إيلوليسات في جرينلاند، في 24 يوليو/ تموز 2015. تتناقص المسطحات الجليدية الهائلة في جرينلاند بما يعادل 300 مليار طن من الجليد سنوياً، وهذا يجعلها المصدر الأكبر لارتفاع مستوى سطح البحر بسبب انصهار الجليد.

حقوق الصورة: ناسا/ ساسكيا مادلينر (Saskia Madlener).



يُعتبر ارتفاع مستوى سطح البحر من النتائج الطبيعية لارتفاع درجة حرارة كوكبنا.

نعرف هذا من الفيزياء الأساسية، فتتمدّد المياه عندما يتم تسخينها، ولذلك، يرتفع مستوى سطح البحر عندما تسخُنُ مياهُهُ، ويذوب الجليد عندَ تعرّضه للحرارة، وعندما ينصهر الجليد الموجود على الأرض وتجري المياه إلى المحيط، يرتفع مستوى سطحه.

منذ آلاف السنين ومستوى سطح البحر ثابت نسبياً، وقد اتخذت المجتمعات البشرية نتيجةً لذلك السواحلَ سكناً لها. ولكن قد بدأت البحار بالارتفاع في الوقت الحاضر، فقد ارتفع مستوى سطح البحر على الصعيد العالمي ما يُقارب ثمانيَ بوصاتٍ (20 سم تقريبا) منذ بداية القرن 20، وأكثر من بوصتين (5 سم) في السنوات العشرين الماضية وحدها.

تؤكد كل المؤشرات أن هذا الارتفاع في تسارع.


بينما تستمر ناسا وغيرها من الوكالات في رصد ارتفاع درجة حرارة المحيطات والتغيرات في كتل اليابسة على كوكب الأرض، يبقى أكثر ما يثير القلق هو ما سيحدث للمسطحات الجليدية القديمة التي تُغطي جرينلاند والقطب الجنوبي (Antarctica)، والتي لا تزال ترسل تنبيهات على أن ارتفاع درجة حرارة الأرض يؤثر على استقرارها.

يقول توم فاغنر Tom Wagner، عالم برنامج الغلاف الجليدي في مقر ناسا في واشنطن: ''لقد رأينا من سجل المناخ القديم أنه من الممكن أن يصل ارتفاع مستوى سطح البحرعندَ انهيارِ المسطحاتِ الجليدية بسرعةٍ إلى 10 أقدام (3 أمتار) خلال قرن أو قرنين. لدينا أدلة على أن الصفائح الجليدية تتحرك، ولكننا بحاجة إلى فهمها بصورة أفضل قبل أن نقول أننا في عهد جديد من الفقدان السريع للجليد".


تحديد المستوى


تقوم وكالة ناسا بتسجيل ارتفاع سطح المحيطات من الفضاء منذ العام 1992. وقد اشتركت في تلك السنة وكالة ناسا مع المركز الوطني للدراسات الفضائية CNES في فرنسا، لإطلاق أول سلسلة من أجهزة قياس الارتفاع المحمولة في الفضاء (spaceborne altimeters) والتي تقوم بإجراء قياسات مستمرة منذ ذلك الحين. سُجلت أول أداة توبكس / بوسيدون (Topex/Poseidon)، وتليهما أداة جيسون-1 و2 (Jason-1 and -2) ارتفاع حوالي 2.9 بوصة (7.4 سم) في متوسط مستوى سطح البحر في العالم.

في القرن الواحد والعشرين، أثبت نظاما استشعار جديدان بأنهما مكمّلان لا يقدّران بثمن بالنسبة لسجل قياس الارتفاعات المرتبط بالأقمار الاصطناعية.

أطلقت وكالة ناسا ووكالة الفضاء الألمانية في العام 2002 قمرين اصطناعيين في تجربة استعادة الجاذبية والمناخ (Gravity Recovery and Climate Experiment) أو اختصاراً جريس (GRACE)، بهدف قياس حركة الكتلة، وبالتالي الجاذبية، حول الأرض كل 30 يوماً. لا تتحرك كتل اليابسة الأرضية إلا قليلاً في الشهر، بينما تتحرك كتلة المياه من خلال الذوبان والتبخر والأمطار وغيرها من العمليات. يسجل جريس هذه الحركات في المياه في جميع أنحاء العالم. النظام الجديد الآخر هو مجموعة آرغو متعددة الجنسيات (multinational Argo array)، وهي شبكة تضم أكثر من 3000 جهاز استشعار، تطفو هذه الأجهزة فوق المحيطات وهي موزعة على كل المحيطات المفتوحة.

يقول جوش ويليس Josh Willis، وهو عالم المحيطات من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في باسادينا، كاليفورنيا، وعالم في مشروع مهمة جايسون-3 القادمة لقياس الارتفاعات: ''المهمات الثلاثة الكبرى لدراسة ارتفاع مستوى سطح البحر هي سلسلة جيسون، وتجربة جريس، وشبكة آرغو''.


 

يصف الفيديو أسباب ارتفاع مستوى سطح البحر، وكيف تغيّر خلال العقدين الأخيرين كما رصدته سلسلة مهمات جيسون الفضائية. الحقوق: مختبر الدفع النفاث التابع لناسا.



أحدثت أرصادٌ من سلسلة جيسون ثورةً في فهم العلماء للارتفاع المعاصر لمستوى سطح البحر وأسبابه. نحن نعلم أن ارتفاع مستوى سطح البحر اليوم راجعٌ بنسبة 33% إلى ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات الحالية، والباقي سببه انصهار الجليد.

تبين على وجه التحديد أن البحر ليس على مستوى واحد. فهو يختلف حوالي ستة أقدام تقريباً (2متر) من مكان إلى آخر. ولا يرتفع بشكل متساوٍ، كحوضٍ للاستحمام مليء بالماء. ترجع حالياً الاختلافات الإقليمية في ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تأثير تيارات المحيطات والدورات الطبيعية كظاهرة النينيو (El Niño) والتذبذب العقدي في المحيط الهادئ (Pacific Decadal Oscillation). حينما تستمر الصفائح الجليدية في الانصهار، يتوقع العلماء أن المياه المنصهرة ستتجاوز الأسباب الطبيعية لتصبح أهم مصدر للاختلافات الإقليمية والمساهم الأهم في ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل عام.

وكما يقول ويليس: ''لم تروا شيئاً بعد''.

 

مشاهدة انصهار الجليد


منذ فترة غيرِ طويلةٍ، في بداية التسعينات، كان العلماء غير قادرين على تحديد ما إذا كان الجليد القطبي للأرض ينمو، أم يتقلص، أم في حالة توازن، ولم تقتصر المهمات الفضائية والمحمولة جواً، مكمَّلة بالقياسات الميدانية على الإجابة على هذا السؤال فحسب، بل وفرت للعلماء وسيلة لتحديد الآليات التي تسهم في نمو وتقلص الجليد القطبي.

سمحت هذه التطورات في رصد المناطق المتجمدة في العالم للعلماء بتقدير خسائر الجليد السنوية بشكل دقيق، من جرينلاند والقطب الجنوبي في العقد الأخير. أما الآن فإننا بالإضافة لمعرفتنا لمقدار تغير مستوى سطح البحر –كما هو مقاس عبر القمر الاصطناعي على مدى السنوات الثلاثة والعشرين الماضية- فإننا نستطيع تحديد مقدار ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن فقدان الجليد على اليابسة.

بالإضافة إلى إطلاق أقمار جريس الاصطناعية في العام 2002، نشرت وكالة ناسا ما بين 2003 و 2009 القمر الاصطناعي آيس سات (ICESat) لرسم خريطة التغييرات في ارتفاع الصفائح الجليدية القطبية باستخدام نبضات الليزر. وقد استخدمت وكالات فضائية أخرى أجهزة الرادار لقياس سرعة الأنهار الجليدية وتضاريس السطح (طبوغرافيا)، كالقمر الاصطناعي كريو سات2 (CryoSat-2) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.

 

تُكمّل المهمات المحمولة جواً، مثل عملية (IceBridge) التابعة لناسا، هذه القياسات باستعمال الأدوات التي تعين تضاريس حجر الأساس تحت الجليد، وتحدّد سمك الجليد، وتمّيز طبقاته الداخلية كما تكشف عن عمق الثلوج السطحية. الجمع بين هذه القياسات غير المسبوقة والحديثة نسبياً، مع سجلات الأقمار الاصطناعية على المدى الطويل وعمليات إعادة التحليل لبيانات المناخ الإقليمي، يوسع سجل توازن كتلة الغطاء الجليدي لأكثر من 40 عاماً.

لقد أظهرت العديد من الدراسات أن مختلف وسائل الاستشعار عن بعد لدراسة توازن كتلة المسطح الجليدي متفقةٌ مع بعضها بشكل جيد، وقد بيّن سجل غريس الذي يمتد على مدى عشر سنوات، أن فقدان الجليد يتسارع في جرينلاند وغرب القطب الجنوبي، فقد تناقص الجليد في غرينلاند بمتوسطٍ قدره 303 مليار طن سنوياً منذ عام 2004، في حين فقدت القارة القطبية الجنوبية متوسطاً قدره 118 مليار طن من الجليد سنوياً، مع كون معظم الخسائر قادمة من غرب القارة. يتسارع فقدان الجليد في جرينلاند بـ 31 بليون طن من الجليد سنوياً منذ عام 2004، في حين شهدت القارة القطبية الجنوبية الغربية تسارعاً في فقدان الكتلة الجليدية بـ 28 مليار طن سنوياً.

وقال ستيف نيرمين Steve Nerem من جامعة كولورادو، بولدر، وقائد فريق "تغير سطح البحر" الجديد في ناسا: "نظراً لما نعرفه الآن حول كيفية توسع المحيط مع ارتفاع درجة الحرارة، وكيفية إضافة الماء إلى البحار عن طريق المسطحات والأنهار الجليدية، فإنه من المؤكد تماما أننا سنرى ما لا يقل عن ارتفاع 3 أقدام في مستوى سطح البحر وربما أكثر. لكننا لا نعرف ما إذا كان ذلك سيحدث خلال قرن أو أكثر".

الاحترار في الشمال


يمتلك المسطح الجليدي في غرينلاند القدرة على رفع المحيطات في العالم لأكثر من 20 قدم، ويمتد هذا المسطح على ما يقارب 660 ألف ميل مربع (تقريباً كمساحة ألاسكا) وبسماكة تصل إلى 2 ميل بحد أقصى. الجدير بالذكر أن جرينلاند تقع في منطقة القطب الشمالي، والتي تسجل ارتفاعاً في درجات الحرارة بمعدل مرتين أكثر من بقية الكوكب، وقد انحرفت جرينلاند عن الاتزان في فترة 1990، وهي الآن تنقص من الجليد في الصيف أكثر بكثير مما تكسبه في الشتاء.

 

 تظهر هذه الصور المتحركة التغيرَ الجليدي في جرينلاند بين يناير/ كانون الثاني 2004 ويونيو/حزيران 2014، كما قاسته أقمار جريس الاصطناعية، وتشير القيم الزرقاء إلى زيادةٍ في كتلة الغطاء الجليدي في حين يشير اللون الأحمر إلى انخفاضها. إن المجموع المتراكم لتغيّر الكتلة مبينٌ في إطارٍ على الرسم البياني. الحقوق: ستوديو التصور العلمي غودارد التابع لناسا



يذكر يان جوغين Ian Joughin، وهو جيولوجي في جامعة واشنطن: ''كل شيء أصبح أكثر دفئاً في جرينلاند، الهواء، سطح المحيط وأعماقه. لا نفهم حقاً أي جزء من هذا الاحتباس الحراري يؤثر بشكل أكبر على الأنهار الجليدية".

ما يعرفه العلماء هو أن ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي -وسطحٍ كبير من الغطاء الجليدي في جرينلاند- تسبب بالكثير من الانصهار الصيفي، ما يجعله الآن العامل المهيمن فيما يخص مساهمة جرينلاند في ارتفاع مستوى سطح البحر.

يستمر الموسم الصيفي لانصهار الجليد في جرينلاند في يومنا هذا 70 يوماً أكثر مما كان عليه في أوائل السبعينات، وتتسبب درجات الحرارة الدافئة كل صيف بانصهار ما يقارب نصف سطح الغطاء الجليدي، ولكن رُصِد في الآونة الأخيرة، حدث بالغ الشدة، حيث شهدت المسطحات الجليدية في 2012 انصهار 97٪ من الغطاء الجليدي في طبقته العليا.

وقد تسارعت الأنهار الجليدية في جرينلاند أيضاً، على الرغم من أن العديد من الأنهار الجليدية في جنوب شرق وغرب وشمال غرب الجزيرة، التي شهدت ترقّقاً سريعاً بين 2000 و2006 تباطأت الآن، إلا أن ذلك ليس هو الحال مع أنهارٍ جليدية أخرى. أظهرت دراسة العام الماضي زيادةَ معدل فقدان الجليد في تيار الجليد في شمال شرق جرينلاند بسبب الاحتباس الحراري الإقليمي.

وقال وليد عبد العاطي Waleed Abdalati، مدير المعهد التعاوني للبحوث في العلوم البيئية، بولدر، كولورادو، وكبير علماء وكالة ناسا السابق: ''عندما كَشَفت بعض الأمور الكبيرة عن نفسها في بداية القرن الواحد والعشرين، كمشاهدتنا تيار الجليد Jakobshavn في غرينلاند يضاعف سرعته، وهو أسرع نهر جليدي كنا نعرفه، كانت المفاجأة اللاحقة أن هذه التغييرات يمكن أن تستمر لمدة عقد من الزمن، فنهر Jakobshavn مازال يسير بسرعة".

للرد على الأسئلة حول كيفية تصرف هذه الأنهار الجليدية، ومدى مساهمتها في ارتفاع مستوى سطح البحر بالإضافة إلى سرعة حدوث هذه التغيرات، يقول إريك رينيو Eric Rignot، وهو جيولوجي في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا وجامعة كاليفورنيا في إرفاين : "يحتاج العلماء إلى بيانات أفضل عن قياس الأعماق البحرية أو جغرافيا قاع المحيط حول جرينلاند".

وأضاف رينيو: ''قياس الأعماق أمر بالغ الأهمية لفهم كيفية ترويج مياه المحيطات في جميع أنحاء جرينلاند، للتوقعات ولفهم ما كنا نرصده خلال العقود القليلة الماضية''.


بدءاً بنشر عوامات البحث في المياه المحيطة بجرينلاند هذا الصيف، شرعت ناسا في حملة على متن سفن ومحمولة جواً لمدة ثلاث سنوات للإجابة على تلك الأسئلة على وجه التحديد. تسعى مهمة ''انصهار محيطات جرينلاند'' (Oceans Melting Greenland) أو اختصاراً (OMG) إلى فهم دور التيارات البحرية ودرجات حرارة المحيطات في انصهار الجليد في جرينلاند من الأسفل، وبالتالي التنبؤ بشكل أفضل عن السرعة التي سيرفع فيها الغطاء الجليدي مستوى سطح البحر.


التغيرات في الجزء الجنوبي من الأرض


تغطي المسطحات الجليدية في القطب الجنوبي حوالي 5.4 مليون ميل مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة الولايات المتحدة والهند مجتمعة، وتحتوي على ما يكفي من الجليد لرفع مستوى المحيطات حوالي 190 قدماً. وتقسم سلسلة الجبال العابرة (Transantarctic Mountains) القارة القطبية الجنوبية إلى منطقتين رئيسيتين: غرب القارة القطبية الجنوبية وشرق القارة القطبية الجنوبية وهي الجزء الأكبر.

على الرغم من أن مساهمة القارة القطبية الجنوبية في ارتفاع مستوى سطح البحر لا تزال أقل من 0.02 بوصة (0.5 مليمتر) سنوياً، إلا أن العديد من الأحداث على مدى العقد الماضي والنصف دفعت الخبراء لبدء التحذير حول إمكانية حدوث المزيد من التغيرات السريعة في القرن القادم.

أعطت شبه الجزيرة القطبية الجنوبية (Antarctic Peninsula)، المعروفة كذلك بالقرن الجبلي للقارة، أحد أقدم التحذيرات بشأن تأثير تغير المناخ على القطب الجنوبي، عندما أدى ارتفاع درجات حرارة الجو والمحيطات إلى تفككٍ فائق السرعة للجرف الجليدي لارسن بي (Larsen B) في العام 2002، فقد ذابَ خلال شهر تقريباً 1250 ميلاً مربعاً من الجليد العائم الذي كان مستقراً لأكثر من 10 آلاف سنة، وقد انهارت في السنوات التالية الجروف الجليدية الأخرى في شبه الجزيرة، بما في ذلك ما تبقى من لارسن بي، وتسارع تدفق الأنهار الجليدية التي كانت تدعمها.

في العام 2014، خطف غرب القارة القطبية الجنوبية الأضواء عندما أظهرت دراستان تركّزان على تسارع الأنهار الجليدية في قطاع بحر أموندسن (Amundsen)، أنه في طور الانهيار، وقد ذكرت إحدى الدراستين أن زواله قد يستغرق من 200 إلى ألف سنة، وهذا يتوقف على مدى سرعة ارتفاع درجة حرارة المحيط، فيما اتفقت كلتا الدراستين أن الانهيار غير قابل للتوقف، وسيضيف ما يصل إلى 12 قدماً من ارتفاع مستوى سطح البحر.

 


توضح هذه الصور المتسلسلة التغيرَ في كتلة الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي بين يناير/ كانون الثاني 2004 ويونيو/ حزيران 2014، مقاساً بواسطة أقمار جريس الاصطناعية. تظهر البيانات أولاً على كامل المسطحات الجليدية للقطب الجنوبي حيث يبين الرسم البياني التغير الكلي مقاساً بالمليار طن لكامل الغطاء الجليدي، ثم تقترب عدسة الكاميرا للتركيز على المسطحات الجليدية القطبية الغربية حيث كان فقدان الجليد كثيراً هناك. تَعْرض الصور المتحركة مرة أخرى هذه المنطقة في حين يبين الرسم البياني لفقدان الجليد التغيرَ الحاصلَ على القارة القطبية الجنوبية الغربية وحدها. الحقوق: ستوديو التصور العلمي غودارد التابع لناسا.


بالنسبة للمسطح الجليدي الغربي للقطب الجنوبي، والذي يرتكز على طبقة أقل ارتفاع من مستوى سطح البحر، فإن المحيط هو المحرك الرئيسي لفقدان الجليد في تلك المنطقة. تنقسم مياه المحيط الجنوبي إلى طبقاتٍ في الأعلى والأسفل، تكون فيها درجات الحرارة شديدة البرودة، غيرَ أن الطبقة الوسطى دافئةٌ بعض الشيء. تكثفت الرياح الغربية (westerlies) خلال العقد الماضي، وهي التي تمكن مياه المحيط من الدوران حول القارة القطبية الجنوبية، مما دفع الطبقة العليا الباردة بعيداً عن اليابسة، وقد سمح هذا للمياه العميقة الدافئة بالارتفاع والتمدد على حدود الجرف القاري، ثم العودة للتدفق قرب قاعدة العديد من الجروف الجليدية. وكلما ضعفت جروف الجليد من القاعدة، بدأت الأنهار الجليدية من ورائها بالتسارع.

تبقى المسطحاتُ الجليدية الهائلة في شرق القارة القطبية الجنوبية، والتي تقاربُ مساحتها مساحةَ الجزء الجنوبي من الولايات المتحدة الأمريكية (الولايات الـ 48 الموجودة جنوبي كندا وشمالي المكسيك)، المجهولَ الرئيسي في توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر. على الرغم من أنها تبدو مستقرة إلا أن دراسة حديثة عن أنهار توتن الجليدية (Totten Glacier) -الأنهار الأكبر والأكثر رقة في شرق القارة القطبية- تثبت عكس ذلك.


لقد تم العثور من خلال البحث على حوضين عميقين قد يقودان مياه المحيطات الدافئة إلى قاعدة الجبل الجليدي، وتذويبها بطريقة مماثلة لما يحدث في الأنهار الجليدية في غرب القارة القطبية الجنوبية. ويبدو أن القطع الأخرى تحت مستوى سطح البحر تفقد كتلتها أيضاً، كجرف كوك الثلجي (Cook Ice Shelf) ونينيز (Ninnis) وأنهار ميرتز وفروست الجليدية (Mertz and Frost glaciers) . 


يقول رينيو: "كان الرأي السائد بين المختصين أنّ شرق القارة القطبية الجنوبية مستقر، ولكنني لا أعتقد أننا نعرف حقاً، فبعض العلامات التي نراها في بيانات الأقمار الاصطناعية تمثل الآن نوعاً من الأعلام الحمراء، حيث تشير إلى أن هذه الأنهار الجليدية قد لا تكون مستقرة كما كنا نظن سابقاً. تعطي وسائل الإعلام دائماً الكثير من الاهتمام إلى التغيرات التي نراها الآن، ولكن تبقى أولويتنا كعلماء معرفة التغييرات التي قد تحدث غداً." 


أظهرت نماذج الطقس وعمليات إعادة التحليل من ناحية أخرى زيادةً في تساقط الثلوج على طول الساحل في دروننغ مود لاندر(Dronning Maud Land)، والتي قد تقاوم فقدان الجليد في القارة القطبية الجنوبية الشرقية، ولكن قد يكون ذلك تحولاً مؤقتاً، ولا يمكن للعلماء أن يتوقعوا ذلك، لأنه من الصعب الحصول على قياسات ميدانية دقيقة للثلج في القطب الجنوبي، فهناك عدد قليل من محطات الأرصاد الجوية ومن الممكن أن لا توفر قياسات تمثيلية بسبب عدم توزع تساقط الثلوج في القطب الجنوبي بشكل متساوٍ، فعلى سبيل المثال، تنظف رياح كاتاباتك (katabatic) بعض المناطق بينما تجعل الثلوج تتراكم في مناطقَ أخرى، كما أن قراءات الأقمار الاصطناعية ليست دقيقة بما فيه الكفاية حتى الآن للكشف عن التغيرات الصغيرة في التراكمات التي من شأنها أن تمثل فرقاً في مليارات الأطنان من الكتلة عند امتدادها على السطح الضخم لشرق القارة القطبية الجنوبية. 


"يحتاج الباحثون في القارة القطبية الجنوبية كما هو الحال في جرينلاند بيانات أفضل عن قياس الأعماق في المحيط الجنوبي والممرات التي يُمكن للمياه الدافئة اتباعها للوصول إلى الجليد، وهذا النوع من البيانات - فضلاً عن بيانات تراكم الثلوج وغيرها من البيانات المتعلقة بالمحيط- لا يُمكن الحصول عليها عن بعد بدقة كافية" وفقاً لتيد سكامبوس (Ted Scambos) الباحث الرئيسي في المركز الوطني لبيانات الجليد في جامعة كولورادو. وأضاف سكامبوس: "لقد تعلّمنا الكثير من الأقمار الاصطناعية التي جعلتنا نركب موجة جديدة لفهم السنوات العشرين الماضية، ولكن يجب علينا الآن لنتعمق أكثر أن نحاول جلب أدوات القياس على الأرض مع المحافظة على قدرة المهمات المحمولة جواً والأقمار الاصطناعية لمراقبة الغطاء الجليدي من منظور عالمي".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الجاذبية (gravity): قوة جذب فيزيائي متبادلة بين جسمين.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات