رائد الفضاء إد وايت Ed White يطفو في الجاذبية المكروية في الفضاء خارج المركبة الفضائية جيمني 4. يظهر خلفه كوكب الأرض الأزرق اللامع المغطى بغطاء من السحب، هذا ويرتدي وايت بذلة فضائية مصممة بشكل خاص، حيث تم طلاء القناع الزجاجي لخوذته بالذهب لحمايته من أشعة الشمس غير المصفاة، وبيده اليسرى نراه يحمل أداة للمناورة الذاتية تحمل باليد، يستخدمها للتحكم بحركته في الفضاء.
حقوق الصورة: NASA/Jim McDivitt.
بعد النجاح المحقق في المهمة الأولى لجيمني، قامت ناسا بالتحضير لإطلاق أكثر الرحلات الجوية طموحًا حتى اليوم، جيمني 4 Gemini IV، فخلال حزيران/يونيو 1965، لم يكتف رائدا الفضاء بالبقاء في المدار لمدة أربعة أيام، بل إن أحدهما حاول المشي في الفضاء كأول إنسان يمشي في الفضاء في تاريخ أمريكا. كان ذلك مثالًا على كيفية إتاحة التكنولوجيا لسبل جديدة للاستكشاف.

منذ أن أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي، سبوتنيك 1، في 4 تشرين الأول/أكتوبر، 1957، كانت الولايات المتحدة تحاول أن تتدارك ما فاتها في سباق الفضاء. تجاوز الروسُ الأمريكيين مرة أخرى في 18 آذار/مارس 1965، عندما قام رائد الفضاء الروسي أليكسي لينوف Alexei Leonov بأول سير في الفضاء خلال عملية اليوم الواحد، "فوسخود 2" Voskhod 2. ولكن ناسا استطاعت لحاق الروس بسرعة باستخدامها لجيمني 4 (Gemini IV).
اختير طيارا سلاح الجو جيم ماك ديفيت Jim McDivitt وإد وايت Ed White طاقمًا للرحلة القادمة. كان هذان الطياران عضوين في المجموعة الثانية من رواد الفضاء للوكالة، تمامًا مثل جون يونغ John Young على جيمني 3. استمر ماك ديفيت في مسيرته في قيادة أبولو 9، والتي شكلت أول اختبار يقوده طيار لمركبة قمرية، كما صار بعد ذلك مديرًا لعمليات الهبوط على الفضاء، ومديرًا لبرنامج المركبة الفضائية أبولو.

خلال رحلة جيمني 4، كان وايت أول أمريكي يقوم بمجازفة خارج المركبة الفضائية، فيما يعرف رسميًا باسم "النشاط خارج المركبة" (extravehicular activity) أو: EVA. وقد عرف العالم هذا المصطلح على أنه "المشي في الفضاء" (spacewalk). في السنوات التي تلت ذلك، صار هذا الأمر مهارة تسمح لمستكشفي أبولو أن يمشوا على القمر، وتسمح لرواد الفضاء الأمريكيين ولشركائهم حول العالم أن يبنوا محطة الفضاء الدولية.
كان النشاط خارج المركبة EVA مثالًا على استثمارات ناسا طويلة الأمد من أجل إنضاج القدرات التي نحتاجها من أجل الوصول إلى وجهات تشكل تحديًا بالنسبة لنا، ككويكب ما، أو المريخ، أو الكواكب الأخرى. تحدث الإداري في الوكالة تشارلي بولدين Charlie Bolden عن الذكرى الـ50 لجيمني 4 وكيف أن إرثها يبقى جزءًا مهمًا من الطيران الفضائي في يومنا هذا، وقد قال في خطابه تحت العنوان "الوضع الراهن لناسا" في مركز كينيدي للفضاء في 2 شباط/فبراير: "نحتفل في عامنا هذا بمرور 50 عامًا منذ ترك إدوراد وايت كبسولته في جيمني ليكون أول ماشٍ فضائي أمريكي. لم يستغرق الأمر سوى بضعة أعوام حتى استطعنا الهبوط بالإنسان على سطح القمر".

كانت أربعة أيام من طيران جيمني 4 كفيلة بإلحاقنا بالرقم القياسي الروسي، ليس ذلك فحسب، ولكنها كانت أيضًا ضعف الزمن السابق الذي قضته ناسا في الفضاء.
قبل حزيران/يونيو 1965، كان الطيران الفضائي الأمريكي الأطول هو لغوردون كوبر Gordon Cooper، والذي بلغ 34 ساعة في الفضاء خلال أيار/مايو 1963 على متن ميركيوري 9. أمضى رائد الفضاء الروسي فايري بايكوفسكي Valery Bykovsky خمسة أيام في مدار، وذلك بعد شهر على متن فوستوك 5 vostok) 5).
بانطلاق جيمني 4 من منصة الإطلاق 19 في محطة سلاح الجو في كيب كينيدي (والمعروفة الآن بكيب كانافيرال) في 3 حزيران/يونيو 1965، كانت جيمني 4 أول طيران تجري متابعته من قبل عملية التحكم بالمهمة في المركز الجديد "مركز الرحلات الفضائية المأهولة" MSC في هيوستون. نتج MSC عن مجموعة المهام الفضائية والتي تشكلت بُعيد إنشاء ناسا، وقد وجدت في البداية في مركز أبحاث لانغلي في فيرجينيا. بدءًا بمشروع ميركيوري، كان هذا المجمع مركز الإدارة والتدريب على رحلات الفضاء البشري في الولايات المتحدة، وذلك حتى جيمني 3 (Gemini 3).

أصبح مجمع MSC ذو الـ1٫620 أكرًا (6.556 كيلومترًا مربعًا) المركز الأول للتحكم بالطيران لكل المهمات الفضائية المأهولة والتي أطلقتها الولايات المتحدة منذ المشروع جيمني والرحلات التي تلتها. في 19 شباط/فبراير، 1973، أعيدت تسمية المركز تيمنًا برئيس الولايات المتحدة آنذاك، الذي يرجع أصله إلى ولاية تكساس، ليندون جونسون.
كما احتاج الإعداد لهذه العملية إلى جوليان شير Julian Scheer، وهو إداري مساعد للعلاقات العامة لصالح ناسا، من أجل تطوير طريقة جديدة في كيفية إذاعة ناسا للمعلومات حول التقدمات الحاصلة في كل مهمة للناس. كانت الخطة الأصلية تقتضي بأن يقوم بول هاني Paul Haney، وهو مدير العلاقات العامة لصالح MSC، بمهمة التعليق على الإقلاع وكذلك على المهمة من هيوستون، تمامًا كما فعل في جيمني 3. كان مركز التحكم في كل من مهمات ميركيوري وجيمني السابقة موجودًا في موقع إطلاق كيب كينيدي.

أدار شير الأمر بأن قرر أن يقوم جاك كينغ Jack King، وهو رئيس معلومات العامة في المركبة الفضائية فلوريدا، بعملية التعليق والعد العكسي من معقل منصة الإطلاق 19 في كيب كينيدي، وأن يقوم هاني بتولي زمام الأمور من هيوستون عند لحظة الإطلاق. شكل هذا الترتيب سابقة اتُّبعت في كل الطيرانات الفضائية التالية لها، باستثناء صغير، وهو أنه بدءًا من أبولو، صار تسليم التعليق بين المعلقين يجري عند النقطة التي يغادر فيها الصاروخ برج الإطلاق.
وبمجرد انتظامهم في المدار، كانت أهم مهمة يجب عليهم فعلها هي محاولة الالتقاء بالمرحلة الثانية من صاروخ تيتان 2 ومسرعته، وقد اتضح أنها أكثر صعوبة مما كان يُظن؛ فقد كان هناك ضوءان فقط على المنصة، كما أنه لم يكن هناك أي رادار على متنها بحيث يعطي مسافة دقيقة للهدف. قرر ماك ديفيت بعدها أن يركز على الهدف المتعلق بالنشاط خارج المركبة EVA.
بينما كان وايت يحلق فوق محطة التتبع في هاواي، قام بسحب المقبض ليفتح غطاء نافذته. قال وايت: "حسنًا أنا الآن في الخارج". صار وايت طافيًا خارج الكبسولة مربوطًا بطوق مرتبط بحبل على بطنه يزوده بالأوكسيجين ويمكنه من التواصل مع المركبة الفضائية. قال ماك ديفيت: "تبدو جميلًا، إد" بينما بدأ بأخذ صور لوايت عندما كان يتقلب في الأرجاء خارج نافذته.
قال وايت: "أشعر وكأني أملك مليون دولار".
بينما كان إد طافيًا خارج جيمني 4، قام باستخدام أداة مناورة يدوية، تدعى بشكل غير رسمي بـ "مسدس الإطلاق"، وهي أداة تطلق أوكسجينًا مضغوطًا توفر دفعًا يسمح له بالتحرك خارج الكبسولة.
قال وايت للطيار المسؤول عنه: "المسدس يعمل بشكل مذهل. ويسهل جدًا التحكم بالمسدس، لكن المشكلة الوحيدة هي أنني لا أملك الوقود الكافي. كنت قادرًا على المناورة بنفسي حول مقدم المركبة الفضائية وأعلى المحول، وعدت في النهاية إلى مرأى جيم".
كما كان لماك ديفيت وجيم الوقت الكافي للقيام بجولة سياحية، وقاموا برواية تقرير إلى المسؤول عن اتصالات الكبسولة غاس غريسوم Gus Grissom، في مركز التحكم بالمهمة. قال وايت: "مرحبًا غاس، نحن الآن فوق هيوستون تمامًا، وننظر إلى خليج غالفستون الموجود أسفلنا".
في نهاية الجولة الفضائية التي استغرقت 20 دقيقة، كان وايت مليئًا بالحماسة والنشاط، وقال: "هذه هي أعظم التجارب، إنها حقًا مذهلة".

في نهاية المهمة التي استمرت أربعة أيام، قام ماك ديفيت ووايت بـ11 تجربة علمية. اشتمل أحد الاستقصاءات التي قاما بها على ملاحة المركبة الفضائية باستخدام السدسية [1] (sextant) لقياس موقعهم باستخدام النجوم. كان الهدف هو قياس إمكانية استخدام هذه التقنية للطيرانات القمرية في برنامج أبولو.
كما ركزت تجربة أخرى على عملية التصوير، باستخدام كاميرا من نوع هاسيلبالد والتي كانت تأخذ صورًا للطقس والتضاريس على الأرض. منذ بدء أول مساعي المنظمة، كانت ناسا متقدمة في الإبداع في دراسات علوم الأرض.
حصلت إعادة الدخول في 7 حزيران/يونيو، 1965، خلال المدار الثاني والستين، كما هبطت المركبة الفضائية على مسافة أقل بـ43 ميلًا (69 كم) من الهدف المخطط لها، حوالي 390 ميلًا (624 كم) شرق كيب كينيدي، وقد استطاع طاقم حاملة الطائرات USS wasp أن يراهم وهم يهبطون.
بعد دقائق من التقاطهم، خرج ماك ديفيت ووايت من المروحية على ظهر سفينة مخصصة لاسترداد المركبات (recovery ship)، وقد استُقبلوا بالكثير من الحفاوة من قبل البحارة على ظهر سفينة الـ Wasp.
بعد استعادة جيمني 4، قام د.جورج مولر George Mueller، وهو مساعد إداري للرحلات الفضائية المأهولة من ناسا، بإطراء جم لأولئك الذين قاموا بدعم المهمة، وقال: "أود أن أهنئ طاقم الإطلاق وكلًا من طاقم مركبة الإطلاق وطاقم فحص المركبة الفضائية لعملهم المذهل هذا. أود بالأخص أن أقول أن الدعم من أجل المدى، ومن أجل المركبة الفضائية وكذلك من أجل مركبة الإطلاق كان رائعًا".
ملاحظات:
[1] السدسية: في الأصل هي أداة ملاحة لقياس المسافات الزاوية بين الأشياء لتحديد خطوط الطول ودوائر العرض.