باحثون يعرضون أول ليزر أبيض في العالم

يُظهر هذا العرضُ التخطيطي الرقاقة النانوية المبتكرة والمؤلفة من ثلاثِ قطاعاتٍ متوازية والمصممة من قِبل الباحثين. كل واحد من هذه القطاعات الثلاث يدعم عمل الليزر بلون واحد من ألوان أساسية ثلاثة (الأحمر والأخضر والأزرق). الجهاز قادر على اللّيزرة في أي لون مرئي، وقادر على التحول بشكل كامل من اللونين الأحمرِ والأخضرِ إلى اللون الأزرق أو أي لون بينهما. أما عند تجميع حقل الألوان الثلاثة معاً فيبرز اللون الأبيض.


المصدر: ASU/Nature Nanotechnology


هناك تطلعاتٌ لأن تكون أشعةُ الليزر البيضاء هي المستقبل في الإضاءة والاتصالات اللاسلكية ذو الاساس الضوئي، حيث تتميز بشدة إضاءة أكبر من الثنائيات الباعثة للضوء (LED) وأكثر كفاءة منها.

تم اختراع الليزر في عام 1960 ويستخدم بشكل واسع النطاق في العديد من التطبيقات، ولكن قد أثبت أن سمة واحدة في هذه التقنية غير قابلة للتحقيق، وهي عدم القدرة على خلق ليزر يصدر ضوءً أبيض.

الباحثون في جامعة ولاية أريزونا حلوا هذا اللغز بإثبات أن الليزر المولد من أنصافِ النواقل قادر على إصدار الضوء على كامل ألوان الطيفِ المرئي. وهو أمرٌ ضروري لإنتاج الليزر الأبيض.

صنع الباحثون رقاقة نانوية مبتكرة مؤلفة من ثلاثِ قطاعات متوازية، هذه الرقاقةُ عبارة عن طبقة رقيقة من أنصاف النواقل يبلغ حجمها ما يقارب خُمس حجم شعرة إنسان مع سُمك يقارب واحداً في الألف من سمكِ شعرة إنسان. كل واحد من هذه القطاعات الثلاث يدعم عمل الليزر بلون واحد من الألوان الثلاثة الأساسية: (الأحمر والأخضر والأزرق). الجهازُ قادرٌ على اللّيزرةِ في أي لون مرئي وعلى التحول بشكل كامل من اللونين الأحمر والأخضر إلى اللون الأزرق أو أي لون آخر بينهما. أما عند تجميع حقل الالوان الثلاثة معا، فيبرز اللون الأبيض.

نشر الباحثون، وهم مهندسون من جامعة ولاية أريزونا كلية أيرا إيه. فولتون Ira A. Fulton للهندسة، النتائج التي توصلوا إليها في 27 يوليو/تموز على موقع مجلة نيتشر نانوتكنولوجي الإلكتروني Nature Nanotechnology.

البروفيسور كون تشنغ نينغ Cun-Zheng Ning، وهو أستاذ في كلية الهندسة الكهربائية والكمبيوتر وهندسة الطاقة، ألف ورقة علمية بعنوان: "ليزر أبيض متجانس"، مع طلاب الدكتوراه فان فان Fan Fan، وسوناي توركدوغان Sunay Turkdogan، وتشي تشنغ ليو Zhicheng Liu، وديفيد شيلهامر David Shelhammer. أما الطالبان توركدوغان وليو فقد أكملا الدكتوراه الخاصة بهما بعد هذا البحث.

يعمل التقدم التقني على تقريب الليزر ليكون مصدراً سائداً للضوء وبديلاً محتملاً أو خيارا آخرا عن الثنائيات الباعثة للضوء (LED). أشعة الليزر لها وميض أكبر وأكثرُ كفاءة في استهلاك الطاقة، ويُحتمل أن تُوفر ألوانا أكثر دقة وحيوية لشاشات العرض، مثل شاشات الحاسب والتلفاز. وقد أظهرت نتائج الدراسة لمجموعة نينغ مسبقاً أن بنية الليزر الأبيض يمكن أن تغطي ما يصل إلى 70 في المئة أكثر من الألوانِ مقارنة بما تقدمه مصانع شاشات العرض الحالية.

تطبيق آخر مهم يمكن أن يكون في مستقبل الاتصالات الضوئية المرئية، حيث أن أنظمة الإضاءة يمكن أن تُستخدم في نفسِ الغرفة لكل من أغراض الإضاءة والاتصالات. وتسمى هذه التقنية -والتي هي قيد التطوير- اللاي-فاي (Li-Fi) للاتصالات اللاسلكية القائمة على الضوء، بدلاً من التقنية السائدة الواي-فاي (Wi-Fi)، والتي تستخدم موجات الراديو. يمكن أن يكون اللاي-فاي (Li-Fi) أسرع 10 مرات من خدمة الواي-فاي (Wi-Fi) الحالية. أما اللاي-فاي (Li-Fi) المعتمد على الليزرِ الأبيضِ فبإمكانه أن يكون أسرع من 10 إلى 100 مرة من اللاي-فاي (Li-Fi) المعتمد على الـ LED، والذي لا يزال حالياً في حيزِ التطويرِ.

بقول البروفيسور نينغ، والذي قضى أيضا فترة طويلة في جامعةِ تسينغهوا في الصين عمل خلالها عدة سنوات في البحث: "يبدو مفهوم الليزر الأبيض لأولِ وهلة غيرِ واضح، وذلك لأن الضوء من الليزر العادي يحتوي على لونٍ واحدٍ معين عند طول موجي محدد من الطيفِ الكهرومغناطيسي، بدلاً من مجموعة واسعة من الأطوال الموجية المختلفة. أما الضوء الأبيض فينظر إليه عادة على أنه مزيج كامل لجميع أطوال أمواج الطيف المرئي".

أما في الإضاءة المبنية على تقنية الـ LED، فيُغلف الثنائي الباعث للضوء (LED) الذي يبعث الضوء الأزرق بطبقة من مادة الفوسفور، لتحويل جزء من الضوء الأزرق إلى الضوء الأخضرِ والأصفرِ والأحمرِ. هذا الخليطُ من الضوء الملون سيدركه المراقبُ على أنه ضوء أبيض، وبالتالي يُمكن أن يُستخدم للإضاءة العادية.


أنتجت مختبرات سانديا الوطنية Sandia National Labs في عام 2011، ضوءًا أبيض عالي الجودة من أربعة ليزرات كبيرة منفصلة. وأظهر الباحثونُ أن العين البشرية كانت مرتاحة مع الضوء الأبيض الذي تم توليده بواسطة ليزر مصنوع من صمام ثنائي (diode laser)، مقارنة بما عليه الحالُ مع الضوءِ الأبيض المنبعث من المصابيحِ الثنائية الباعثة لضوءِ الـ(LED)، والذي بدوره ألهم الباحثينَ للمُضي قُدماً في تطويرِ هذه التكنولوجيا.

تُظهر هذه الصورة المجَمعة والمُقدمة من قِبل الباحثين، مجموعة من انبعاثات الألوان الصادرة من الطبقة النانوية متعددة القطاعات والظاهرة في الألوان الأحمر، الأخضر، الأزرق، الأصفر، الأزرق المائل للإخضرار، الأرجواني والأبيض. النقاطُ العلويةُ في كلِ صورةٍ هي صورة مباشرة من انبعاث الليزر، في حينِ أن الذيولَ تحت هذه النقاط هي انعكاس من الركيزة. المصدر: ASU/Nature Nanotechnology
تُظهر هذه الصورة المجَمعة والمُقدمة من قِبل الباحثين، مجموعة من انبعاثات الألوان الصادرة من الطبقة النانوية متعددة القطاعات والظاهرة في الألوان الأحمر، الأخضر، الأزرق، الأصفر، الأزرق المائل للإخضرار، الأرجواني والأبيض. النقاطُ العلويةُ في كلِ صورةٍ هي صورة مباشرة من انبعاث الليزر، في حينِ أن الذيولَ تحت هذه النقاط هي انعكاس من الركيزة. المصدر: ASU/Nature Nanotechnology

يقول نينغ: "رغم أن هذه الظاهرة الرائدة إثباتٌ لصحةِ مفهومٍ مثيرٍ للإعجاب، إلا أن تلك الليزرات المستقلة لا يمكن أن تُستخدم لإضاءة غرفة أو في شاشات العرض". ويضيف: "المرغوب به هو قطعة واحدة صغيرة من أنصاف النواقل ينبعث منها ضوءُ الليزر بجميع الألوان أو على شكل ضوء أبيض".

تُستخدم أنصاف النواقل -وهي عبارة عن عنصرٍ كيميائي صلد أو مركبٌ يتم ترتيبُ ذراتِه في بلورات- على نطاقٍ واسع في رقائق الكمبيوتر أو لتوليد الضوء في أنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية. وتتميز أنصافُ النواقل بامتلاكها خصائص بصرية مثيرة للاهتمام، وتُستخدم لصناعةِ الليزر والمصابيح الثنائية الباعثة للضوء (LED)، حيث أنه بإمكانها أن تُصدر الضوءَ في لونٍ معينٍ عند تطبيقِ جهد كهربائي على طرفيها.


المواد الأكثر تفضيلاً لصناعة الباعثات للضوء من أنصافِ النواقلِ هي إنديوم نيتريد الغاليوم indium gallium nitride، كما يُستخدم كذلك غيرها من المواد نصف الناقلة مثل كبريتيد الكادميوم cadmium sulfide، وسلينيد الكادميوم cadmium selenide.

لاحظ الباحثون أن التحدي الرئيسي يكمُن في الطريقة التي يتم بها تشكيل الموادِ نصف الناقلة الباعثة للضوء وكيفية عملها، لتكون قادرةً على إصدارِ ضوء في ألوان مختلفة. تُصدر أنصافُ النواقلِ عادةً الضوءَ عند لون واحد -أزرق أو أخضر أو أحمر- والتي يتم تحديدها عن طريقِ التحكم ببنيتها الذرية الفريدة من نوعها وطاقة الفجوة (energy bandgap).

لإنتاجِ جميع الأطوال الموجية الممكنة على مدى الطيف المرئي، نحتاج إلى أنصافِ نواقل عديدة تحمل ثوابت شبكية (lattice constant) وطاقة فجوات مختلفة جداً. ثابت الشبكة (lattice constant)، هو المسافة بين الذرات في البلورة.

يقول فان: "هدفنا هو الوصول إلى بناءِ قطعة نصف ناقلة واحدة، قادرة على تشغيل الليزر في الألوانِ الليزرية الأساسية الثلاث. هذه القطعة يجب أن تكون صغيرةً بما فيه الكفاية، بحيث يرى المراقبُ لوناً واحداً فقط من الألون المختلطة الكلية بدلاً من ثلاثة ألوان فردية". وأضاف فان: "إنه ليس بالأمرِ السهل".

يقول ليو: "إن العقبة الرئيسية هي قضيةُ ما يسمى بـ "عدم التطابق الشبكي" (lattice mismatch)، بمعنى آخر أن الثابتَ الشبكي هو مختلفٌ جدا باختلاف المواد اللازمة لبناء البلورات". وأضاف ليو: "لم نكن قادرين باستخدام التقنيات التقليدية على بناء بلورات من أنصاف نواقل مختلفة وبجودة عالية وكافية، وذلك لأن الثوابتَ الشبكية لها مختلفة جداً."

ووفقا لنينغ فإن الحل الأفضل قد يكون بالوصول إلى بنية أنصاف نواقل واحدة تنبعثُ منها الألوان المطلوبة كافة. ولهذا السبب توجهت أنظار نينغ وطلابه الخريجون إلى تكنولوجيا النانو لتحقيق هذا الهدف.


والحل يكمُن في أن النطاق النانومتري يمكن أن يكون أكثر تسامحاً فيما يتعلق بمسألةِ عدم التطابق الشبكي، بالمقارنة مع تقنيات التشكيل التقليدية للمواد السائبة (bulk materials). ويمكن تشكيلُ بلوراتٍ ذات جودة عالية حتى بوجود عدم تطابق شبكي كبير.

وإدراكاً منهم لهذه الاحتمالية الفريدةِ من نوعها في وقتٍ مبكر، بدأت مجموعةُ نينغ منذ أكثرِ من عشرة أعوامٍ بمتابعة الخصائص المميزة للمواد النانوية، مثل الأسلاك النانوية أو الرقائق النانوية، حيث قام هو وطلابه بالبحث في مواد نانوية مختلفة ليروا إلى أي مدى يمكنهم الاستفادة من مزايا المواد النانوية، للوصول إلى تشكيل بلورة عالية الجودة من المواد شديدة الاختلاف.

قبلَ ست سنوات، وبتمويلٍ من مكتب أبحاث الجيش الأمريكي، أظهرت النتائج أنه في الواقعِ يمكننا تشكيلُ أسلاك نانوية تعمل في مجموعة واسعة من طاقة الفجوات، بحيث يمكننا قلب لون اللّيزرة من اللونِ الأحمر إلى اللونِ الأخضر، على ركيزة واحدة بطولٍ يُقارب سنتيمترا. في وقتٍ لاحق، تم الوصول إلى عملية ليزرةٍ للونينِ الأخضر والأحمر في وقتٍ واحد، من رقاقةٍ نانوية واحدة أو أسلاك نانوية مصنوعة من أنصافِ النواقل. أثارت هذه الإنجازات فكر نينغ، ودفعته للمُضي قدماً لمعرفةِ ما إذا كان إصدارُ ليزر أبيض وحيد ممكنَ التحقيق.


ويعتبر اللونُ الأزرقُ عنصراً لازماً لإنتاج اللون الأبيض، ولكن ثبُت أن التحدي الأكبرَ يكمن في طاقة الفجوةِ وخصائص المواد الشديدة الاختلاف. يقول توركدوغان وهو أستاذٌ مساعد في جامعة يالوفا بـ تركيا: "لقد كافحنا لمدة عامين تقريباً لتشكيل رقاقة نانوية قادرة على إصدارِ اللون الأزرق، وهو الشيء المطلوب للبرهان على احتمالية توليد ليزر أبيض في نهاية المطاف".

بعد أبحاثٍ مستفيضة، توصلت المجموعةُ في النهاية إلى استراتيجية لخلقِ الشكل المطلوب أولاً، ومن ثَم تحويل هذه المواد إلى سبيكةٍ محتوياتها مناسبة لينبعث منها اللون الأزرق.يقول توركدوغان: "على حد علمنا، استراتيجية التشكيل الفريدة هذه هي الظاهرةُ الأولى من نوعها لعملية تشكيل مثيرة للاهتمام وتُدعى "عملية التبادل الأيوني المزدوج" (dual ion exchange process)، والتي مكنتنا من تشكيل البنية المطلوبة".

تُمثل هذه الاستراتيجية -من فصلٍ للأشكالِ الهيكلية والتكوين- تغييراً كبيراً واختراقاً هاماً، والذي جعل أخيراً من الممكن تشكيلُ قطعة واحدة من بنية تحتوي على ثلاثة قطاعات مختلفة من أنصافِ النواقل، التي تنبعث منها جميعُ الألوان المطلوبة والليزر الأبيض. يقول توركدوغان: "إن هذا ليس هو الحال، فعادةً، تتكون الأشكال والتركيبات للمادة في وقتٍ واحد."

وفي ضوء أهمية هذا الدليل الأول لمفهومِ تشكيل المواد، لا تزال تبرزُ عقبات كبيرة لجعل هذا الليزر الأبيض قابلا للتطبيق على الإضاءة في الحياة العملية، أو في شاشاتِ العرض. واحدةٌ من الخطوات المقبلة الحاسمة هي توليدُ ليزر أبيض مماثل بواسطة بطارية.


ولإثبات البرهان الحالي، كان على الباحثين استخدام ضوء ليزر لضخ إلكترونات بهدف إصدار الضوء. ويوضحُ هذا الجهدُ التجريبي المتطلبات الأساسية للموادِ الأولية لهذه التقنية، وسيضعُ حجرَ الأساس لأجهزة الليزر الأبيض التي تعملُ بالطاقة الكهربائية في النهاية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات