خطوة نحو تحسين أجهزة استشعار الحركة باستخدام أحجار الألماس النانوية

حجر ألماس نانويّ يسبح في ضوء أخضر

استطاع فيزيائيّون في الولايات المتحدة الأمريكية وفنلندا، من خلال جعل ألماسة صغيرة نانويّة تسبح في الفراغ مستخدمين الضوء، أن يخلقوا نظاماً كمومياً بالإمكان التحكّم به ويتمتّع بدرجات حرّية بصرية وميكانيكية ولفٍّ ذاتي.


واعتماداً على عيب واحد في بنية الألماس والذي يسمّى بـ "شاغر النتروجين" (Nitrogen Vacancy)، أو اختصاراً NV، قد يُمكن استخدام النظام في أجهزة قياس القوى الضعيفة جدًا، أو حتى خلق ما يدعى بحالة قطّة شرودينجر (Schrödinger's cat states).

تحدث عيوب "شاغر النتروجين" (NV) في الألماس عندما تُستبدل ذرّة نتروجين بذرتيّ كربون متلاصقتين، ما يؤدي لنشوء موقع شبكي فارغ. يشكّل نوعُ شاغر النتروجين السلبيّ (NV–) مصدر اهتمامٍ للفيزيائيّين المهتمّين بإنشاء أجهزة كمومية وذلك لأن حالة لفها الذاتي (spin) المتراوح بين (-1, 0, 1) يمكن تحديدها بسهولةٍ كبيرة باستخدام الضّوء.


إضافة إلى ذلك، تتميز شواغر النتروجين بأنها معزولة بشكل جيد جداً عن محيطها، ما يعني أن حالات لفها الذاتي (spin) -خلافًا لمعظم أنظمة الحالة الصلبة الأخرى- تحافظ على طبيعتها الكميّة لفترات طويلة نسبياً.

الشواغر المتعدّدة


هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها العلماء بتعليق الألماس في الهواء. ففي عام 2013، قام العالمان ليفاي نويكيرك Levi Neukrivh ونيك فاميفاكس Nick Vamivakas وزملاؤهما في جامعة روتشستر University of Rochester بالأمر نفسه من خلال مصْيدة بصريّة (optical trap)، حيث قام العلماء في هذه التجربة، والتي تمّت في الهواء، باستخدام الليزر بطول موجيٍّ مختلف بهدف تحديد حالات اللف الذاتي لشواغر النتروجين NV في ألماسة يعادل قطرها عشرات النانومترات.

اعتُبرت هذه التجربة خطوة مهمّة أولى تُجاه خلق "نظامٍ كمومي هجين"، غير أنّ الهواء معناه أن الألماسة النانوية لا يمكن أن توضع في حالتها الميكانيكية الأقلّ طاقة، في حين أن حضور شواغر النتروجين المتعدّدة (NVs) يعني أنّه لا يمكن استخدامها كحالة لف ذاتي واحدة على حد سواء.

بعد ذلك، وحَّد فريق جامعة روتشستر مع إيفا فون هارتمان Eva Von Haartman من جامعة أبو أكاديمي Abo Akademi قواهم، وذلك بهدف دراسة المشكلتيْن السابقتيّ الذكر عن طريق جعل ألماسةٍ نانوية ذات شاغر نتروجيني (NV) وحيد تسبح في فراغ خالٍ من الهواء، وتِبيان أن الحركة الميكانيكية للألماسة من الممكن تتبّعها مستخدمين اللف الذاتي لشاغر الهيدروجين (NV).

استخدم الفريق أحجار ألماس نانوية تتمتع بشكل غير منتظم يعادل قطرها حوالي 40 نانومتر، ومغلّفة بطبقةٍ من أوكسيد السيليكون لإعطائها شكلًا أكثر كرويّة يجعل بدوره إخضاعها للمصيدة البصريّة أسهل.

تمّ بعد ذلك اصطياد جزيئات الألماس باستخدام الضوء من منطقةٍ قريبة من حزمة أشعّة تحت الحمراء من الليزر المُسلّط على المنطقة الضيّقة من الحُجرة المُفرغة من الهواء وبضغط يعادل 1 كيلو باسكال، أي ما يعادل حوالي 1% من الضغط الجويّ العادي.

الضوء الأحمر والضوء الأخضر


قام فريق العلماء باصطياد ألماسة نانوية واحدة ذات شاغر نتروجيني واحد (NV) وقاموا بقراءة حالة لفِّها الذاتي من خلال تعريضها للضوء الأخضر. بعضٌ من هذا الضوء تم امتصاصه من خلال إلكترون شاغر النتروجين (NV) قبل أن يعود ويَصدُر على شكل ضوء أحمر عن طريق ما يعرف بالتألق الضوئيّ (photoluminescence). 

تعتمد هذه العملية على حالة اللف الذاتي لشاغر النيتروجين (NV)، والتي تجعل الآلية مثاليةً لقياس اللف الذاتي خاصته. عندما يتمّ حصر جسيم نانويّ في مصيدة بصرية عند الضغط الجويّ، تكون حركته عندها عشوائيّة، والسبب في ذلك هو الاصطدام مع جزيئات الهواء. على العموم، حالما يتمّ ضخّ الهواء خارج الحجرة، يهتز الجسيم النانويّ بحركةٍ متناغمة بسيطة تعادل تواتر 250 كيلو هرتز.

من خلال مراقبة شدّة الضوء المتألق، استطاع الفريق إظهار أنّ الجسيم النانويّ يتأرجح بالفعل إلى الأمام والخلف في المنطقة البؤريّة من الضوء الأخضر، إلى جانب كون التألق الضوئيّ بالذروة العليا عندما كان الجسيم في مركز المنطقة البؤريّة.

إضافة إلى ذلك، استطاع الفريق أن يتحكّم بحالة اللف الذاتي لشاغر النتروجين (NV) من خلال استخدام رنين اللف الذاتي الإلكترونيّ (ESR)، والذي يشمل إطلاق إشارة موجةٍ كهرومغناطيسيّة قصيرة باتجاه الجسيم النانويّ مسبّبًا تغيّراً في حالات لفه الذاتي.

هذا التغيّر في حالات اللف الذاتي يتضمن بلوغ امتصاص الموجات الكهرومغناطيسيّة القصيرة إلى ذروتها وذلك عند طاقة التغير، والتي تمّ أيضًا رصدها من قبل الفريق. وفي النهاية، درس الباحثون تأثير تطبيق حقل مغناطيسي على اللف الذاتي لشاغر النتروجين (NV).

في غياب الحقل المغناطيسيّ، فإن حالات اللف الذاتي 1+ و 1- تمتلك الطاقة نفسها. أما عندما يتمّ تطبيق حقل مغناطيسيّ، فإن حالة واحدة تكتسب الطاقة في حين تخسر الأخرى الطاقة، وهذا يسببّ انقساماً لذروة الامتصاص لتصبح ذروتان امتصاصيّتان، الأمر الذي شوهد من قِبل الفريق أيضاً.

القوى المتعاكسة


بعدما تعلّم الفريق كيفيّة مراقبة الحركة وحالة اللف الذاتي للجسيم النانويّ، أصبح هدف الفريق الآن هو إيجاد الطرق للتلاعب بالخصائص الكمومية لهذا النظام. قد يشمل هذا الأمر، على سبيل المثال، تطبيق حقل مغناطيسيّ على شاغر نيتروجين (NV) بوضعيّة لف ذاتي +1 قد يستشعر ضغطاً باتجاه واحد، بينما سوف يستشعر شاغر النتروجين (NV) عند حالة لف ذاتي 1- ضغطاً بالاتجاه المعاكس.

تحت ظروف الاختبار الحقيقية، قد تضع هذه القُوى المتعاكسة كامل الجسيم النانوي تحت تراكب كمومي (quantum superposition) من حالتين ميكانيكيتين كما بحالة قطّة شرودينجر الشهيرة، والتي هي في حالة تراكب لكونها ميتة وعلى قيد الحياة في آن واحد.

تطبيق محتمل آخر لهذا النظام، هو مقياس تسارع (accelerometer) قد يكون بإمكانه تحديد القوى الخارجية الصغيرة جدًا من خلال تأثيراتها على كيفية تذبذب الألماسة ذات الحجم النانويّ. ولكن قبل أن يتمكّن الفريق من القيام بتجارب مماثلة، لابدَّ لهم من معالجة مشكلة وهي أن الجسيمات النانوية المصطادة لا تصمد بوضعيتها لأكثر من دقيقةٍ أو اثنتين قبل أن تتلاشى.

يعتقد الفريق أن هذا يحدث بسبب أن الجزيئات تسخن بتأثير ضوء الليزر، ولكنها بنفس الوقت غير قادرة على التخلص من الحرارة عن طريق التلامس مع الهواء، حيث اعتقد الباحثون أن طلاء الألماسة بأكسيد السليكون سيعزّز صلابة الجسيمات النانوية، ولكن لم تكن هذه هي الحالة، مما يستدعي المزيد من العمل في هذا المجال.

نُشر هذا البحث في مجلّة Nature Photonics.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات