اكتشاف آلية تواصل مهمة بين منطقتين دماغيتين عند مرضى الفصام


قد يتسبب تعطيل دائرة دماغية تثبيطية بين المِهاد(thalamus) والقشرة أمام الجبهية (prefrontal cortex) في اضطرابات إدراكية كالفصام.


كولد سبرنج هاربور، نيويورك - تلعب القشرة أمام الجبهية للدماغ دورًا مهمًا في الوظائف الإدراكية كالانتباه، والذاكرة، وصنع القرارات. ويعتقد أن التوصيلات المعطوبة بين القشرة أمام الجبهية ومناطق أخرى من الدماغ هي التي تنتج اعتلالات مختلفة في الإدراك. أثبت العلماء أن هناك علاقة ما بين الفصام وبين تعطيل دائرة معينة في الدماغ (تمتد بين القشرة أمام الجبهية وبين جزء آخر من الدماغ يدعى المهاد thalamus)، ولكن تفاصيل هذه الآلية غير معروفة. والآن، اكتشف علماء مختبر كولد سبرنج هاربور رابطةً تثبيطيةً (inhibitory connection) بين هاتين المنطقتين عند الفئران، بحيث تقوم هذه الرابطة بالسيطرة على توقيت تدفق المعلومات للقشرة أمام الجبهية. من الممكن أن يساعدنا هذا الاكتشاف في توضيح ما الذي يجري خطأً في داء الفصام، وقد يظهر مسلكًا لعلاج جديد.

مقطع جبهي لدماغ فأر. حفز بولي وزملاؤه عصبونات PV المتوسطة الموجودة في القشرة الجبهية المقدمة الإنسية (mPFC) من أجل أن تنتج وصمة حمراء تنير أي نوع من العصبونات يمدها بالإدخال، الأمر الذي يشير إلى وجود وصلة مباشرة بينها وبين العصبونات الموسومة بالأحمر والمرئية في هذه الصورة، وهي موجودة في المهاد الظهراني الناصفي (أي في الجانب الخلفي الداخلي من المهاد). اكتشف فريق لي دائرة تثبيطية بين تينك المنطقتين من الدماغ، بحيث أنها لو تعطلت، قد تكون السبب في اضطرابات معرفية (إدراكية) كالفصام.
مقطع جبهي لدماغ فأر. حفز بولي وزملاؤه عصبونات PV المتوسطة الموجودة في القشرة الجبهية المقدمة الإنسية (mPFC) من أجل أن تنتج وصمة حمراء تنير أي نوع من العصبونات يمدها بالإدخال، الأمر الذي يشير إلى وجود وصلة مباشرة بينها وبين العصبونات الموسومة بالأحمر والمرئية في هذه الصورة، وهي موجودة في المهاد الظهراني الناصفي (أي في الجانب الخلفي الداخلي من المهاد). اكتشف فريق لي دائرة تثبيطية بين تينك المنطقتين من الدماغ، بحيث أنها لو تعطلت، قد تكون السبب في اضطرابات معرفية (إدراكية) كالفصام.

”تشير بعض الدراسات المجراة على البشر وعلى نماذج الحيوانات أن القشرة الجبهية المقدمة والمهاد لهما علاقة بمرض الفصام، إلا أن الآلية التي يجري فيها التواصل بين هاتين المنطقتين الدماغيتين غير واضحة“ وذلك كما ذكر الأستاذ المساعد بو لي (Bo Li ) من مختبر كولد سبرنج هاربور.

يعمل المِهاد كبوابة من خلالها تجمع وتعالج المعلومات من مناطق أخرى من الدماغ قبل أن ترسل للقشرة الدماغية (cortex) هذه الدائرة المِهادية القشرية غالبًا ما تُضبط بصورة جيدة بواسطة عصبونات مثبطة (inhibitory neurons)، والتي تُوهن الإشارات الناقلة للرسائل والمتبادلة بين العصبونات المهيجة (excitatory neurons). ركز الأستاذ المساعد "لي" وزملاؤه على الروابط بين أقسام من القشرة الجبهية المقدمة والمِهاد تدعى القشرة الجبهية المقدمة الوسطى (medial prefrontal cortex) والمِهاد الوسطي الظهراني (mediodorsal thalamus). هنا لوحظت عملية تدعى التغذية التقدمية المثبطة (feedforward inhibition)، بهذه الآلية تهيج خلية عصبية واحدة خليةً عصبية مجاورةً تقع بعدها في سلسلة التوصيل (downstream)، كما تقوم الخلية الأولى بتجنيد خلية عصبية أخرى لتقوم بتثبيط الخلية العصبية الثانية، ولكن بعد حين.

هذه العملية تُوجِد نافذةً ضيقةً في الوقت من خلالها يتم تحفيز العصبون المستهدف. عندما ينقل المِهاد المعلومات التي جمعها من الحواس، تعمل التغذية التقدمية المثبطة على تصفية المدخولات (inputs) الخارجية، منتجةً بذلك تمثيلات حسية ذات دقة متناهية. لم يكن معلومًا قبل هذا البحث إن كانت توجد مثل هذه الآلية المثبطة للربط العصبي بين القشرة الجبهية المقدمة الوسطى والمهاد الوسطي الظهراني، وهذه الأخيرة هي منطقة مرتبطة بالفعاليات الإدراكية وليس بمعالجة المدخلات الحسية.

بحسب ما وصف في بحث نُشر في دورية The Journal of Neurosciences، فقد استخدم "لي" وزملاؤه التحفيز البصري (Optogenetic stimulation)، وهي تقنية تتم فيها السيطرة بواسطة نبضات ضوئية على عصبونات تحتوي على بروتينات حساسة للضوء لتنشط عصبونات في المِهاد. تقوم هذه العصبونات بدورها بتنشيط صنفين من الخلايا في القشرة الجبهية المقدمة –وهي عصبونات متوسطة تحتوي على بروتين البارفالبومين وكذلك عصبونات هرمية محفزة. التوقيت النسبي لتنشيطهن أوحى للبروفيسور "لي" وفريقه انه من المحتمل أن الخلايا المثبطة تحدد شكل أنشطة الخلايا المحفزة. حاليًا يقترح الفريق أن العصبونات المتوسطة التي تحوي بروتين البارفالبومين يمكنها أن تحدد المدة الزمنية التي تُكامِل خلالها الخلايا الهرميةُ المدخولاتِ التحفيزية الآتية من عصبونات في المِهاد.

يقول "لي":” في علاجه، لذلك المشكلة الحالية في علاج الفُصام هي الافتقار إلى دواء فعال فإن اكتشاف هذه الآلية في هذا المرض لهو شيء مشوق. هذا العمل هو فقط بداية الجهود لتحديد مسار عصبي لمرض الفصام، وكذلك تحديد التغييرات التي تحصل في هذا المسار“.

في التجارب المستقبلية سيستخدم "لي" وفريقه نموذجًا جينيًا للفصام في الفئران المخبرية لتقييم أي تغيير (حال وجوده) تُمكن ملاحظته في التغذية التقدمية المثبطة الحاصلة في المسار العصبي "القشرة الجبهية المقدمة الوسطى- المِهاد الوسطي الظهراني". وبحسب البروفيسور "لي" فإن” هذا البحث يمكنه أن يقودنا إلى تطوير وسائل يمكنها عكس أي تغيير نراه في المسار العصبي "القشرة الجبهية المقدمة الوسطى - المِهاد الوسطي الظهراني" في النماذج الحيوانية ويمكنه أيضا أن يحسن الوسائل العلاجية لهذا المرض“.

دعم هذا العملَ معهدُ الصحة الوطني، ومؤسسة بحوث الدماغ والسلوك، وكذلك مؤسسة عائلة ستانلي.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات