رؤية مزدوجة للانفجارات الشمسية

 

خلال الانفجارات الشمسية التي حدثت في كانون الأول/ ديسمبر عام 2013، قامت ثلاث مهمات تابعة لناسا برصد شكل الصفيحة المتدفقة والتي تشكل دليلًا قويًا في تفسير منشأ الانفجارات الشمسية. تُظهر هذه الصورة المتحركة أربعة مشاهد للانفجار مأخوذة من المرصد الديناميكي الشمسي التابع لناسا، ومرصد ناسا للروابط الأرضية والشمسية، ومرصد هينود جاكسا التابع لناسا أيضًا، الأمر الذي سمح للعلماء بأخذ قياسات غير مسبوقة لخصائصها. تظهر الصفيحة المتدفقة على شكل بُنيةٍ طويلة ورفيعة، حيث تظهر أكثر وضوحًا في الصور إلى جهة اليسار. تُظهر هاتان الصورتان المتحركتان الضوء منبعثًا من المواد عند درجات الحرارة المرتفعة، لذا تُظهران الصفيحة المتدفقة بشكل أوضح عند درجات الحرارة المرتفعة.

حقوق الصورة: NASA/JAXA/SDO/STEREO/Hinode (courtesy Zhu, et al.) 


الانفجارات الشمسية Solar flares هي انفجارات ضوئية مصدرها الشمس، تنشأ عندما تعيد المجالات المغناطيسية magnetic fields المعقدة ترتيب نفسها فجأة، محولةً الطاقة المغناطيسية إلى ضوئية خلال عمليةٍ تسمى إعادة الربط المغناطيسي magnetic reconnection –على الأقل، هذه هي النظرية المعروفة لدينا، والسبب في ذلك صعوبة تتبع آثار هذه العملية. لكن خلال الانفجارات الشمسية التي حصلت في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2013 التقطت المراصد الشمسية أكبر عملية رصدٍ شاملة لظاهرة كهرمغناطيسية تسمى الصفيحة المتدفقة current sheet، والتي عززت الدليل بأن هذا هو الفهم الصحيح للأنفجارات الشمسية.

تعمل هذه الثورانات الشمسية على إطلاق الإشعاعات في جميع الاتجاهات. باستطاعة الانفجارات الشمسية الأقوى أن تؤثر بقوة على الجزء المتأين من الغلاف الجوي للأرض - والذي يُسمى الأيونسفير ionosphere - وبالتالي، يحدث التداخل مع أنظمة اتصالاتنا، مثل الراديو ونظام تحديد المواقع. وأيضًا، تعطل الالكترونيات الموجودة على الأقمار الصناعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجسيمات عالية الطاقة، والتي تشمل الالكترونات والبروتونات والأيونات الثقيلة تتسارع بواسطة الانفجارات الشمسية.

وبعكس الظواهر الجوية الفضائية الأخرى، تتحرك الانفجارات الشمسية بسرعة الضوء، مما يعني أننا لا نستطيع التنبؤ بقدومها. لذلك، يريد العلماء أن يتعرفوا على العمليات التي تخلق الانفجارات الشمسية- بل وحتى التنبؤ بها يومًا ما قبل أن تؤثر على اتصالاتنا.

وقال جيمس ماكاتير James McAteer عالم الفيزياء الفلكية في جامعة ولاية نيو مكسيكو في لاس كروسيس ومؤلف دراسة عن الحدث ديسمبر/كانون أول 2013، نشرت يوم 19 أبريل/نيسان 2016، في مجلة الفيزياء الفلكية Astrophysical Journal Letters: "إن وجود صفيحة متدفقة هو أمر مهم في جميع نماذجنا عن الثورانات الشمسية". وأضاف: "لذلك، فإن عمليات الرصد هذه تجلعنا أكثر ارتياحاً حول صحة نماذجنا".

وقال مايكل كيرك Michael Kirk وهو عالم فضاء في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في جرينبيلت بولاية ماريلاند، والذي لم يشارك في الدراسة: "إن نماذج جيدة تؤدي إلى تنبؤات جيدة". وأضاف: "إن هذه الأرصاد المُكمِّلة سمحت بقياسات غير مسبوقة وبهيئةٍ ثلاثية الأبعاد لظاهرة إعادة الربط المغناطيسي، وسيساعد ذلك في تحسين نماذجنا وتنبؤاتنا حول تطور الانفجارات الشمسية".

النظر للصفيحة المتدفقة


 

الصفيحة المتدفقة عبارة عن تدفق منبسط وسريع جدًا لمواد مشحونة كهربائيًا، وتُعرّف جزئيًا بواسطة رقتها المتناهية(أي ارتفاعها) بالمقارنة مع طولها وعرضها. وتتشكل الصفيحة المتدفقة عند التقاء اثنين من المجالات المغناطيسية المتعاكسة، مما يولد ضغطاً مغناطيسسيًا هائلًا. وينحصر التيار الكهربائي المتدفق عبر هذا المنطقة عالية الضغط، مما يجعلها تتحول لتصبح رقيقة جدًا بشكلٍ سريع للغاية. يشبه الأمر وضع أصبعك الإبهام على فوهة خرطوم المياه أثناء خروج الماء منه، وبالتالي سيكون الماء مجبرًا على الخروج من فوهة ضيقة جدًا، وبسرعة كبيرة. هذا التكوين المؤلف من المجالات المغناطيسية غير مستقر، وهذا يعني أن نفس الظروف التي كونت الصفيحة المتدفقة، هي نفسها الظروف المواتية لتكوين إعادة الربط المغناطيسي. 

وقال تشومنغ تشو Chunming Zhu وهو عالم الفضاء في جامعة ولاية نيو مكسيكو والمؤلف الرئيسي للدراسة: "تحدث إعادة الربط المغناطيسي على السطح الفاصل للحقول المغناطيسية المتعاكسة، حيث تنفصل الحقول المغناطيسية ومن ثم تعود مرة أخرى للاتصال، مما يحول الطاقة المغناطيسية إلى حرارة وضوء، منتجةً بذلك الانفجار الشمسي".

ولأن الصفائح المتدفّقة مرتبطة بشكل وثيق مع إعادة الربط المغناطيسي، فإن عملية مراقبة الصفيحة المتدفّقة تدعم فكرة أن إعادة الربط المغناطيسي هي القوة المسببة للانفجارات الشمسية. قال ماكاتير: "عليك المشاهدة في الوقت المناسب، والزاوية المناسبة، واستخدام الأدوات المناسبة لرؤية الصفيحة المتدفقة، الأمر الذي يصعب الحصول عليه في الوقت نفسه".


هذه ليست المرة الأولى التي يشاهد فيها العلماء الصفيحة المتدفقة خلال انفجار شمسي، لكن هذه الدراسة فريدة من نوعها حيث إن العديد من القياسات للصفيحة المتدفقة تم إجراؤها من أكثر من زاوية واحدة، وأكثر من طريقة، مثل: السرعة، ودرجة الحرارة، والكثافة، والحجم.

تمكن العلماء من الحصول على المشهد متعدد الأوجه الذي حدث في ديسمبر/ كانون أول 2013 بفضل عدة أدوات خاصة بمهمات المراقبة الشمسية وهي: المرصد الديناميكي الشمسي التابع لناسا ويُعرف اختصارًا بـ SDO، ومرصد ناسا للروابط الأرضية والشمسية والذي يُعرف اختصارًا بـ STEREO؛ والذي لديه زاوية مشاهدة فريدة على الجانب البعيد من الشمس، وهينود؛ والذي هو عبارة عن تعاون بين كل من وكالات فضاء اليابان، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأوروبا، وتقوده وكالة استكشاف الفضاء اليابانية.

وحتى عندما يعتقد العلماء إنهم رصدوا شيئًا ربما يكون الصفيحة المتدفقة في البيانات الشمسية، فإنهم لا يكونون على يقين حتى يستعرضوا قائمة طويلة من الصفات المميزة. ونظرًا لأن هذه الصفيحة رُصدت بشكل جيد، فقد كان الفريق قادرًا على تأكيد أن كل من درجة حرارتها، وكثافتها، وحجمها خلال مدة الحدث تتطابق مع الصفيحة المتدفقة. 

وعلى اعتبار أن العلماء يعملون بشكل أفضل للحصول على صورة أوضح لكيفية تسبب كل من الصفيحة المتدفقة وإعادة الربط المغناطيسي في حدوث ثورانات شمسية، فسيكونون قادرين على إنتاج نماذج أفضل للفيزياء المعقدة التي تحدث هناك، مما يزودنا أكثر من أي وقت مضى برؤيةٍ أفضل لكيفية تأثير النجم الأقرب إلينا (الشمس) على الفضاء حولنا.

تم تمويل هذا البحث من قبل منحة كارير CAREER التابعة لمؤسسة العلوم الوطنية والتي حصل عليها جيمس ماكاتير.


تتشكل الصفيحة المتدفقة في الفضاء عند التقاء اثنين من المجالات المغناطيسية المتعاكسة والتي تكون قريبة جدًا من بعضها. يُظهر هذا التوضيح كيف أن الحقول المتعاكسة تستطيع بشكل متفجر إعادة الترتيب لتكوين جديد، في عميلة تدعى: إعادة الربط المغناطيسي. ولأن الصفائح المتدفقة مرتبطة بشكل قريب جدًا بظاهرة إعادة الربط المغناطيسي، فإن عمليات رصد الصفيحة المتدفقة في انفجارات ديسمبر/ كانون أول 2013 دعمت فكرة أن الانفجارات الشمسية هي نتيجة لإعادة الربط المغناطيسي الحاصلة على الشمس. 

حقوق الصورة: ESA (European Space Agency)
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التوهجات الشمسية (solar flares): ثورانات غازية عنيفة تحصل على سطح الشمس.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات