مرض آلزهايمر: علاج جديد قد يعكس من مسير المرض


يبدو أن التقدم في العمر يفرض آثاره السيئة على الدماغ، كما أن الخلايا الموجودة في التركيب الدماغيّ المعروف بـ "الحصين" hippocampus -وهو منطقة دماغية فيها وصلات عصبية أساسية للتعلم والذاكرة- تبدو معرضة بشكل خاص للتغييرات الدماغية التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بآلزهايمر Alzheimer أو انخفاض المستوى المعرفيّ الإدراكيّ. 

 

بعد العلاج بـ "ريليوزول" riluzole، أظهرت أدمغة الجرذان نسبةً أعلى من الجزيء الناقل الذي يزيل الغلوتامات الفائضة، والذي يضيء بشكلٍ أقوى (يمين)، في الجرذان التي عولجت به، مقارنةً بالتي لم تعالج به (يسار).  حقوق الصورة: فريق تنظيف الغلوتامات.
بعد العلاج بـ "ريليوزول" riluzole، أظهرت أدمغة الجرذان نسبةً أعلى من الجزيء الناقل الذي يزيل الغلوتامات الفائضة، والذي يضيء بشكلٍ أقوى (يمين)، في الجرذان التي عولجت به، مقارنةً بالتي لم تعالج به (يسار). حقوق الصورة: فريق تنظيف الغلوتامات.

 

وفي أثناء مساعي العلماء من أجل عكس هذه التغييرات التي تؤدي إلى هذه الآثار السيئة في الدماغ، بدأ الباحثون في جامعة روكفلر وزملاءهم بفحص آثار دواء معروف بتأثيره على هذه الوصلات العصبية.

في بحث جديد في دورية Molecular Psychiatry، وجد فريق من الباحثين بقيادة آنا بيريرا Ana Pereira، مدربة في الطب السريريّ في مختبر بروس ماك إيوينBruce McEwen، أن الدواء "ريليوزول" riluzole قادرٌ على عكس التغييرات الجينية الأساسية المسؤولة عن هذه المشاكل العصبية.

تقول بيريرا: "في كلٍّ من التقدم في العمر، وداء آلزهايمر، يمكن للناقل العصبي "الغلوتامات" أن يتجمع بين الخلايا العصبية في الدماغ، مدمرًا الوصلات العصبية. عندما عالجنا الفئران بالريليوزول، وجدنا مجموعةً من التغييرات، ولعل أكثرها وضوحًا كان أنّ التعبير الجيني [1] عن الجزيئات المسؤولة عن تنظيف الفائض من الغلوتامات، قد عاد إلى مستويات الشباب".

في بحث سابق في مختبر ماك إيوين، أثبتت بيريرا أن هذا الدواء يحفز، من التغييرات البنيوية في الخلايا العصبية للجرذان، تغييراتٍ تمنع فقدان الذاكرة، وهو الأمر الذي عادةً ما نراه لدى الحيوانات المتقدمة بالسن. وتقوم الآن بيريرا باختبار الريليوزول للمرة الأولى على مرضى آلزهايمر في تجربةٍ سريرية في مستشفى جامعة روكفيلر.

تنظيف الغلوتامات



بشكلٍ عام، يُفرَزُ الغلوتامات من أجل تحفيز الخلايا العصبية الأخرى، ولا يبقى هذا الغلوتامات في الحيز الموجود بين الخلايا. أما عندما تتقدم بنا السنّ، تبدأ العيوب بالتسلل إلى هذا النظام، ويصير بإمكان الغلوتامات التجمع في هذه المناطق بين الخلوية، وهذا يحدث بشكلٍ جزئيّ عندما يقل تصنيع الخلايا العصبية للناقل العصبيّ المسؤول عن إزالة الفائض من الغلوتامات. وعندما يتراكم هذا الناقل العصبيّ الأساسيّ، فإنه قد يتسبب بمشاكل كبيرة، مدمرًا أو قاتلًا الخلايا العصبية، وبذلك يساهم في داء آلزهايمر، واضطراباتٍ أخرى.

بيريرا والمؤلف الرئيس المشارك جاسون غراي Jaspn Gray، وهو باحث ما بعد الدكتوراه في المختبر، بحثا عن فهمٍ أفضل لنقاط الضعف على المستوى الجزيئيّ لنظام الغلوتامات خلال التقدم بالعمر، وكذلك على أثر الريليوزول عليه.


يقول غراي: "يقوم بحثنا على استخدامنا لدواء معروف بتعديله للغلوتامات، وعندما أعطيناه للجرذان الكبيرة بالسن، وجدنا أنه يعكس العديد من التغييرات التي تبدأ في الأعمار المتوسطة في الحصين. وكذلك فقد وجدنا نمطًا مشابهًا عندما قارنّا التغييرات التي أثارها الريليوزول مع بياناتٍ من مرضى آلزهايمر، ووجدنا أن الدواء أنتج أثرًا معاكسًا للمرض في بعض السبل العصبية في الحصين".

يبدو أن الدواء يعدل من نشاط جينات معينة في الحيوان العجوز ليصير مشابهًا للجرذ الأصغر سنًا، فعلى سبيل المثال، وجد الباحثون أن الجين الذي يدعى EAAT2، والذي رُبط سابقًا بداء آلزهايمر، كما أنه معروف بدوره في إزالة الغلوتامات من الألياف العصبية، هذا الجين ينخفض مستوى تعبيره كلما تقدم الحيوان بالعمر، ولكن في الجرذان التي عولجت بالريليوزول، عاد نشاط هذا الجين إلى مستويات الشباب.

أهداف جديدة للعلاج؟



بالإضافة إلى القابلية المحتملة للريليوزول في التقليل من فقدان الذاكرة والتقليل من انخفاض المستوى المعرفيّ الإدراكيّ، فإن هذا الدواء مثيرٌ للاهتمام، لأنه علاجٌ محتمل لداء آلزهايمر، كما أنه مستخدم لتوه في علاج مرضٍ عصبيّ آخر، ألا وهو "التصلب الجانبيّ الضموريّ" amyotrophic lateral sclerosis، وبالتالي فهو آمن نسبيًا. 

في التجربة السريرية التي تقوم بها بيريرا، يُعطى المرضى المصابون بداء آلزهايمر إما هذا الدواء، أو علاجًا بالغفل [2] placebo، كما أنهم يخضعون لاختباراتٍ من أجل تحديد ما إذا تحسنت وظائف الدماغ.

تقول بيريرا: "نأمل أن نستخدم دواءً من أجل كسر الحلقة التي يدمر فيها الغلوتامات الخلايا العصبية التي تستخدمه كناقلٍ عصبيّ، وتجاربنا تخبرنا حتى الآن أن الريليوزول قد يكون قادرًا على تحقيق ذلك"، وتضيف: "وجدنا أن الدواء، بالإضافة إلى استعادته للتعبير الجيني لـ EAAT، فإنه قد استعاد أيضًا جيناتٍ مهمة من أجل التواصل العصبيّ والمرونة العصبية، وهما أمران ينخفضان مع التقدم بالعمر، وينخفضان بشكلٍ أكبر مع داء آلزهايمر".


الملاحظات:



[1] التعبير expression في علم الجينات: هي العملية التي بموجبها تستخدم الخليةُ المعلوماتِ الجينية من أجل تصنيع منتج جينيّ فعال، فتعبير الخلايا عن بروتين معين يعني إنتاج البروتين عن طريق قراءة المعلومات الجينية الخاصة بهذا البروتين ومن ثم تصنيعه.
[2] الغُفل (الدواء الكاذب): هو علاج مموه لا يحتوي على أي مادة فعالة معالجة، ويستخدم في تجارب سريرية كهذه، حيث يكون مشابهًا للعلاج الحقيقيّ إلا أنه لا يحتوي أي مادة فعالة.
 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات