دراسة مهمة: علماء فيزياء يثبتون عدم وجود صلة بين الجاذبية وميكانيك الكم!

 

عندما يتعلق الأمر بالفيزياء، فإن الجاذبية تحكم كل شيء نشاهده في الكون، فهي تحافظ على دوران الكواكب حول النجوم، والنجوم حول الثقوب السوداء (black holes)، وكذلك نحن العالقون فوق الكوكب. لكن في الوقت الذي تؤثر فيه الأجسام فائقة الكتلة والموجودة في الكون على الجاذبية (gravity)، فشل الباحثون مرة جديدة في إثبات وجود صلة بين الجاذبية وميكانيكا الكم. وبكلماتٍ أخرى، لا يبدو أن الجاذبية تهتم بالعالم الكمي، ويُشكل ذلك مشكلة بالنسبة لآمالنا المتعلقة بنظرية كل شيء (theory of everything).


دعونا ننظر هنا إلى فكرة ثانية لأن كل هذه الأشياء الكمية/ الكلاسيكية يُمكن أن تصبح فوضوية قليلاً. يوجد في الفيزياء نظريتان أساسيتان لتفسير الكون: الفيزياء الكلاسيكية (classical physics)، التي تشمل كل الأعمال التي جرت قبل القرن العشرين وتصف سلوك كل الأجسام التي يُمكن رؤيتها كالكواكب والنجوم والبشر، إلخ.. وهناك أيضًا ميكانيكا الكم (quantum mechanics) وهو النهج الأحدث والأكثر إثارة الذي يُحاول تفسير السلوك الغريب للجسيمات الأصغر في الكون، مثل البروتونات والإلكترونات وبوزون هيغز المراوغ.


ربما سمعت أن علماء الفيزياء يريدون في الواقع توحيد هاتين النظريتين لوضع نظرية كل شيء التي يُمكنها تفسير الكون ككل، سواء المُشاهد أو ذلك الصغير جدًا، وتهدف إلى فعل ذلك باستخدام مجموعة صغيرة وأنيقة من المعادلات. وتُشكل هذه الدراسة الحديثة جزءًا من تلك المحاولة، إذ قام فريقٌ من العلماء الصينيين من جامعة هوازنغ للعلوم والتكنولوجيا في ووهان باستخدام تقنية جديدة للبحث عن أي نوع من الترابط الذي قد يوجد بين الجاذبية واللف الذاتي الكمي (quantum spin)- السبين الكمومي. ويُعتبر هذا الأمر في حال وجوده دليلاً على اتصال الفيزياء الكمية والفيزياء الكلاسيكية معًا.


تنصّ النسبية العامة (general relativity)، التي تُعرف نظرية الفيزياء الكلاسيكية، على أن تأثير الجاذبية متطابق بالنسبة لكل الأجسام. ويُعرف هذا الأمر بمبدأ التكافؤ (equivalence principle)، ويعني هذا المبدأ أنه وبفضل الجاذبية ستتحرك الأجسام التي تمتلك نفس الكتلة على نفس المسارات إذا ما سقطت بشكلٍ حر في الفراغ.


ورغم أنّ ذلك يبدو جنونيًا، إلا أننا رصدنا هذا الأمر لمراتٍ ومرات منذ الاختبار الأول له من قبل غاليليو -الاختبار لم يكن مثاليًا طبعًا بسبب وجود مقاومة الهواء- فوق برج بيزا عام 1589، ويُمكنك حتى رؤية هذه الظاهرة في الفيديو التالي:

 


لكن يفترض العلماء أنه في حال وجود نوع ما من الترابط بين الفيزياء الكلاسيكية وميكانيكا الكم -عند بعض المستويات الصغيرة على الأقل- فيجب أن تتصرف الجاذبية حينها بشكلٍ مختلف قليلاً آخذةً في الحسبان اللف الذاتي الكمي للجسم.


السبين الكمي (اللف الذاتي) هو كمية حركة زاوية جوهرية تصف ما يفعله الإلكترون أو ذرة ما إذا ما أثرت على الجاذبية، وبالتالي ظهرت هذه الخاصية كاحتمالية واعدة جدًا للوصول إلى النظرية الموحدة في المستقبل.


حاول الباحثون -وفي الحقيقة فشلوا- البحث عن هذا التأثير الكمي على الجاذبية في الماضي، ولكن في هذه التجربة الحديثة اختبر الفريق الصيني هذه القضية عبر إعادة إنشاء تجربة السقوط الحر الأساسية التي أجراها غاليليو من فوق برج بيزا عند مقاييس صغيرة جدًا جدًا.


أخذ العلماء ذرتي روبيديوم لهما سبينين متعاكسين، ومن ثمّ بردا الذرتين وصولًا إلى أجزاء قليلة من المليون فوق الصفر المطلق، وبعد ذلك وضعا الذرتين في أنبوب خالٍ من الهواء. وحينها قدّم الفريق للذرتين دفعة صغيرة باستخدام شعاع ليزر من الأسفل، مما دفعهما نحو الأعلى على طول الأنبوب قبل أن يعودا ليسقطا سقوطًا حرًا نحو القاع من جديد. وأدى ذلك إلى خلق نافورة صاعدة وهابطة مكونة من ذرات الروبيديوم.


وباستخدام تقنية تُعرف بقياس التداخل الذري (atom interferometry)، والتي تعتمد على الطبيعة الموجية للذرات لمراقبة حركتها بتفصيلٍ كبير، قاس الباحثون وبدقة سرعة الذرات الساقطة في كل مرة. وبصرف النظر عن وجود سبينات متعاكسة، اكتشف العلماء أن تسارع السقوط الحر لكلٍ من الذرتين متفقان إلى حدود جزء من 10 مليون -أي أنهما متطابقان تمامًا. ويقترح هذا الأمر أن الجاذبية تُعطي وبدقة (صفرًا) -fucks- عندما يتعلق الأمر باللف الذاتي الكمي، ويُمثل هذا الأمر إشكالية بالنسبة لمسار تقدم النظرية الموحدة.


لكن -وهذه لكن كبيرة- هذه التجربة تثبت عدم وجود تأثير على الجاذبية يُمكننا قياسه. ولكن وكما أثبت لنا التاريخ، فقدرة العلماء على قياس الأشياء تتحسن بمرور الزمن. ولذلك ابقَ مستعدًا لما هو قادم وللمزيد من هذه الدراسات في السنوات القادمة. وفي المستقبل، إذا ما تمكن أحدهم من التقاط أي تغير في سلوك الجاذبية، فحينها سنقترب خطوة جديدة نحو نظرية كل شيء. وإذا لم يكن الحال كذلك، ستكون الاحتماليات المتاحة حينها بنفس الإثارة.


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • النسبية العامة (General Relativity): هي النظرية الهندسية للجاذبية. تم تطوير هذه النظرية من قبل البرت اينشتاين، و هي توسعة و مزج مع النسبية الخاصة. تقوم هذه النظرية بتوسيع مفهوم نظرية النسبية الخاصة، لتشمل جمل الإحداثيات التي تتحرك بتسارعٍ معين وتقدم هذه النظرية مفهوم التكافؤ بين قوى الجاذبية وقوى القصور الذاتي، كما أن لهذه النظرية مجموعة من النتائج التي تتعلق بكل من هذه المواضيع، كانحناء الضوء جرّاء وجود الأجسام فائقة الكتلة، و طبيعة الثقوب السوداء، و نسيج الزمان والمكان. المصدر: ناسا
  • قياس التداخل (Interferometry): التداخل: يعود أصل هذه الكلمة بشكلٍ أساسي إلى ظاهرة تداخل فيزو المسماة نسبةً إلى عالم الفيزياء الفرنسي هيبوليت فيزو (Hippolyte Fizeau) الذي اقترح استخدام التداخل لقياس أحجام النجوم. الفكرة بسيطة جداً: خذ الضوء القادم إلى جميع تلسكوباتك وقم بإسقاط هذه الأضواء على سلسلة من المرايا المرتبة بشكلٍ جيد بحيث تكون جميعها موجودة في نفس مستوي الصورة وكأن المرايا جزء من مرآة وحيدة ضخمة. إذا ما تمَّ القيام بذلك بطريقة تسمح بوصول أضواء التلسكوبات المختلفة إلى نفس مستوي الصورة وفي الوقت ذاته، تُنتج حزمة أضواء التلسكوبات هذه تابع الانتشار النقطي (PSF) الذي يُمثل تحويل فورييه لفتحات التلسكوبات مجتمعةً. وباختصار هي تقنية يستخدمها علماء الفلك للحصول على دقة تلسكوب عملاق بالاعتماد على مجموعة من التلسكوبات الصغيرة.
  • الجاذبية (gravity): قوة جذب فيزيائي متبادلة بين جسمين.

اترك تعليقاً () تعليقات