عين أشعة غاما القادمة على السماء

اختبر العلماء بنجاحٍ النموذج الأولي لكاميرا صفيفة تلسكوبات شيرينكوف.

راقبت صفيفة تلسكوبات فيريتاس VERITAS وهيس HESS وماجيك MAGIC، الثقوب السوداء النشطة فائقة الكتلة وبقايا انفجارات النجوم فائقة الكتلة وأنظمة النجوم الثنائية والمجرات النشطة التي تنتج نجوماً جديدةً.

وهذا ممكن، لأن كل هذه الأشياء الكونية مشتركةٌ في أن جميعها مصادرٌ لأشعة غاما عالية الطاقة، يبحث فيريتاس و هيس وماجيك عن الضوء المرئي المُنتج عندما تتفاعل أشعة غاما مع الغلاف الجوي للأرض.

ما يزال مصدرٌ واحدٌ لأشعة غاما يرواغ هذه التلسكوبات القوية، وهو ألمع حدثٍ إلكترومغناطيسيٍّ معروفٍ يحدث في الكون: انفجار أشعة غاما. لكن ربما تستطيع صفيفة تلسكوبات قيد التطوير حالياً التقاط واحدة.

ستغطي صفيفة تلسكوبات شيركوف واختصاراً CTA، مساحةً أكبر بكثيرٍ على الأرض، مما يجعلها "دلو" كبير لجمع إشعاعات غاما الواردة التي تنتج الإشعاعات، وستكون قادرةً أيضاً على جمع البيانات في مرتين تقريباً خلال عدة ساعات في السنة كما في الصفيفات الحالية.

سوف تدرس الصفيفة المجال الكامل لمصادر أشعة غاما، وسيكون لديها القدرة على الكشف عن إشارات جزيئات المادة المظلمة المُدمَّرة. قال المتحدث المشارك في اتحاد CTA رينيه أونج Rene Ong: "نأمل حقاً في اكتشاف شيء جديد، نوع جديد لظاهرة فيزياء فلكية عالية الطاقة". شغل العلماء بنجاح النموذج الأولي لكاميرا CTA في أواخر تشرين الثاني، ومن المقرر أن يبدأ تشغيل الصفيفة الكاملة في 2020.

فائدة أشعة غاما


تشكل أشعة غاما ناقلاتٍ مثاليةً إلى حدٍ ما لجسيمات الفيزياء الفلكية عالية الطاقة، تنشأ أثناء العمليات الأكثر طاقة في الكون، وهي -مثل جميع الأشكال الأخرى للضوء- متعادلة كهربائياً، وبالتالي لا تؤثر فيها المجالات المغناطيسية المجرية عند سفرها عبر الفضاء، وهذا يعني أنّ العلماء يستطيعون استخدامها للإشارة إلى مصدرها. 

 

والعائق أن هذه الناقلات لا تستطيع المرور عبر الغلاف الجوي للأرض، وبدلاً من ذلك، تتفاعل وتنتج وابلاً من الجسيمات ذات طاقةٍ منخفضة. وإذا كان بعض منها يسير بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء في الوسط الغازي للغلاف الجوي، فإنه سينشئ ومضاتٍ من الضوء ذروتها بين الأزرق وفوق البنفسجي، يشبه دوياً قوياً لطائرةٍ أسرع من الصوت، وهذا ما يسمى إشعاعات شيرنكوف، وهذا فعلاً ما تكتشفه التلسكوبات الأرضية لأشعة غاما ذات الطاقة العالية.

فيريتاس في ولاية أريزونا، وهيس في ناميبيا، وماجيك في جزيرة الكناري في لا بالما، هي صفيفات لتلسكوبات بصرية تكشف هذا الضوء لعقدٍ من الزمن، يحتوي فيريتاس على أربعةٍ من هذه التلسكوبات، وهيس خمسة تلسكوبات، وماجيك تلسكوبان. ينعكس الضوء الضعيف من المرآة الأولية المجزئة ويُضخ إلى كاميرا، تتكون كل كاميرا تلسكوب من مئات الآلاف من الأنابيب المُضخمة التي تحول الفوتونات الواردة إلى إشاراتٍ كهربائية.

مع الجيل المقبل من CTA، يأمل العلماء بالتقاط انفجار أشعة غاما عن طريق صفيفة التلسكوبات الأرضية للمرة الأولى، يريدون معرفة الفيزياء الكامنة وراء هذه التفجيرات، والمصادر التي يعتقدونها متواجدة على بعد ملايين ومليارات السنين الضوئية.

شَهِد العلماء انفجارات أشعة غاما عن طريق المعدات الفضائية، مثل تلسكوب فيرمي الفضائي لأشعة غاما وسويفت، لكن لم تستطع الصفيفات الأرضية فقط اكتشاف أشعة غاما ذات الطاقة العالية، والتي تجاوزت 100 مليار إلكترون-فولت، وصفيفة أرضية كبيرة مثل CTA، التي ستغطي 10 كيلومتر مربع في الجنوب، و 1 كيلومتر مربع في الشمال، ستكون قادرةً على التقاط المزيد من المعلومات.

بناء CTA


عمل حوالي 1300 باحث من 31 بلداً في اتحاد دولي لبناء CTA، ستركز الصفيفة على مجالٍ طاقيٍّ أوسع لأشعة غاما من المعدات التي تعمل حالياً، ترى ما بين 20 مليار إلكترون-فولت و 300 ترليون إلكترون-فولت، وستستطيع فعل هذا عن طريق حساسيةٍ أعلى بعشر مرات.

يتكون CTA من موقعين للكشف على الأرض، واحدٌ في كل نصف من الكرة الأرضية، سينشر في سيرو بارانال في صحراء أتاكاما في تشيلي ما يقارب 100 تلسكوب عبر منطقة مساحتها 10 كيلومتر مربع، وستمسح السماء الجنوبية، وسيتوجه نحو 19 تلسكوباً للسماء الشمالية في جزيرة لابالما الإسبانية. 


مرصد CTA في المفاوضات النهائية لممثلين من كلا الموقعين لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقيات لاستضافة الصفيفات. سيكون لكل من الصفيفتين الشمالية والجنوبية أربع تلسكوبات كبيرة، عرض كل واحد منهم 23 متراً ومتباعدة بما يقارب 100 متراً عن بعضها البعض، وتتجمع باتجاه مركز الصفيفة. بعد ذلك تأتي التلسكوبات في نطاق من 10 إلى 12 متراً.


تمتلك الصفيفات الشمالية 15 تلسكوباً متوسط الحجم، بينما تملك الصفيفة الجنوبية 25 تلسكوباً، بالإضافة إلى ذلك، يستضيف موقع سيرو بارانال تقريباً 70 تلسكوباً ذات نطاق 4 أمتار بعيداً من مركز الصفيفة.

سيُستخدم 70 تلسكوباً صغيراً كواشف جديدةً مصنوعةً من السيليكون تمتلك العديد من الميزات في التصميم الحالي، وقال طالب الدراسات العليا أندريا دي فرانكو Andrea De Franco في جامعة أوكسفورد: "لكن أكثر شيءٍ مثيرٍ بالنسبة لنا، هو أنها تستطيع مقاومة سطوع خلفية السماء في الليل".

وهذا يعني أنها تستطيع كشف ضوء شيرنكوف حتى في ضوء القمر الساطع، وهو أمرٌ لا تستطيع فيريتاس وهيس وماجيك فعله. ستسمح هذه التكنولوجيا الجديدة لمرصد CTA بالتشغيل لحوالي (16-17)% من الساعات في السنة، وتستطيع المصفوفات الحالية الرصد خلال 10% فقط.

 التقدم في العمل


يعتبر CTA في مرحلة التطوير الآن، مما يعني أن أعضاء الاتحاد يقومون بتطوير واختبار الأجهزة والتحقق من كيفية توزيع العمل وتشغيل المعدات ومحاكاة أفضل تخطيطٍ للتلسكوبات في كل موقع. بدأ مشروع CTA في أكتوبر بإنشاء النموذج الأولي من التلسكوب الكبير في لابالما.

ويوجد نموذجين أوليين لتلسكوبات متوسطة الحجم قيد الإنشاء حالياً، الأول لتصميم مرآتين، فيما تُبنى المرآة الأولى وعرضها 10 أمتار في جنوب ولاية أريزونا، والنموذج الآخر تحت الاختبار لمرآةٍ أحاديةٍ بتصميمٍ عرضه 12 متراً في برلين، وكاميرته كاملة تقريباً.

تسير ثلاثة نماذج أولية للحجم الصغير بشكلٍ جيد، صممت مرآةٌ واحدةٌ بحجم 4 أمتار في كراكوف في بولندا، ومرآتين بحجم 4 أمتار جاهزة للعمل بالقرب من جبل إتنا في إيطاليا، ومرآتين أخريين بحجم 4 أمتار صُممتا وتم تدشينهما في 1 كانون الأول خارج باريس.

قضى دي فرانكو العامين الماضيين في بناء واختبار كاميرا النموذج الأولي ومقره باريس، بالإضافة إلى تفويضه قبل التدشين. في 26 نوفمبر أثبت دي فرانكو مع زملائه أن التصميم يعمل حتى مع مدينةٍ ذات أضواءٍ قريبة. سجلت كاميرا شيرينكوف الضوء مما جعله أول نموذجٍ أوليٍّ من CTA يعمل ويرصد بشكلٍ كاملٍ.

يقول دي فرانكو بأنه على الأرجح أن الضوء كان جزءاً من وابل الجزيئات الناجم عن الأشعة الكونية الواردة أكثر من أشعة غاما، ولكن حتى لو أنه كذلك، شكّل هذا الكشف خطوةً أخرى للأمام على طريق بناء عين أشعة غاما التالية للعلماء التي ستجوب السماء. ستكون الخطوة التالية هي بناء ونشر التلسكوبات سابقة الإنتاج في المواقع الفعلية للصفيفات.

قال مدير المشروع كريستوفر توينسلي Christopher Townsley: "من الناحية المثالية، كلٌّ من هذه التلسكوبات مطابق للتلسكوب النهائي المُنتج، الفكرة أننا سوف نتعلم شيئاً جديداً من وضعه في الصحراء". ويتوقع أعضاء مشروع CTA البدء بهذه المرحلة في ربيع عام 2017 اعتماداً على توفّر التمويل.

عندما تُشغّل التلسكوبات مسبقة الإنتاج سيتمكن الفريق من جمع البيانات، على الرغم من أنه لن يصل للجودة المتوقعة لمرصدٍ كاملٍ. وفقاً للجدول الزمني الحالي ستكون معظم التلسكوبات والصفيفات جاهزةً في 2020 أو 2021. عند هذه النقطة، ستتجاوز البيانات ما تستطيع الحصول عليه أفضل معدات أشعة غاما الحالية، وسيبدأ CTA بالتطور من هذه النقطة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات