صاروخ يحل أحد ألغاز الكون ويكتشف آخر!

في القرن الماضي، أدرك البشر أن الفضاء مليءٌ بأنواع للضوء لا يُمكن رؤيتها، بدءاً من إشارات الأشعة تحت الحمراء الصادرة عن النجوم الحارة والمجرات، إلى الخلفية الكونية الميكروية التي تأتي من كل ركنٍ من أركان الكون. بعضٌ من هذا الضوء غير المرئي والذي يملأ الفضاء، يأخذ شكل الأشعة السينية، وهو المصدر الذي اعتُبر الأسخن خلال العقود القليلة الماضية.

لم يتحقق الأمر حتى انطلاق صاروخ السبر المُسمى DXL، وهو اختصارٌ لـ Diffuse X-ray emission وتعني انبعاث الأشعة السينية المنتشر من المجرة المحلية، ليملك العلماء إجاباتٍ محددةً حول مصادر الأشعة السينية. 


وفي دراسةٍ حديثةٍ نُشرت بتاريخ 23 أيلول/سبتمبر 2016 في مجلة الفيزياء الفلكية Astrophysical Journal، فإن بيانات DXL تؤكد بعض أفكارنا حول مصادر الأشعة السينية، الأمر الذي يعزز بدوره فهمنا لتاريخ نظامنا الشمسي المبكر، لكنه يكشف أيضاً لغزاً جديداً، وهو عبارة عن مجموعة كاملة من الأشعة السينية التي لا تأتي من أي مصدر معروف!

أرسل باحثون -بتمويلٍ من ناسا- صاروخاً سابراً من خلال غلاف الهيليوم الشمسي الكثيف. ويسمى مخروط تركيز الهيليوم helium-focusing cone، وذلك لفهم منشأ بعض الأشعة السينية في الفضاء.(الرسم المفاهيمي لا يطابق المقياس). حقوق الصورة: NASA Goddard's Conceptual Image Lab/Lisa Poje
أرسل باحثون -بتمويلٍ من ناسا- صاروخاً سابراً من خلال غلاف الهيليوم الشمسي الكثيف. ويسمى مخروط تركيز الهيليوم helium-focusing cone، وذلك لفهم منشأ بعض الأشعة السينية في الفضاء.(الرسم المفاهيمي لا يطابق المقياس). حقوق الصورة: NASA Goddard's Conceptual Image Lab/Lisa Poje


المصدران المعروفان لانبعاث الأشعة السينية هما: الرياح الشمسية solar wind، وهي عبارة عن بحرٍ من المواد الشمسية التي تملأ النظام الشمسي. والفقاعة الساخنة المحلية Local Hot Bubble، وهي عبارة عن منطقة نظرية من المادة بين النجمية الساخنة التي تحيط بنظامنا الشمسي.

وقال ماسيميليانو غالياتسي Massimiliano Galeazzi عالم الفيزياء الفلكية في جامعة ميامي ومؤلف الدراسة: "تبين أن مساهمة الأشعة السينية القادمة من تبادل شحنة الرياح الشمسية، تبلغ حوالي 40% على المستوى المجري، وحتى أقل من ذلك في أماكن أخرى"، وأضاف: "وهكذا، فإن بقية الأشعة السينية القادمة لابد أنها آتية من الفقاعة الساخنة المحلية، الأمر الذي يثبت وجودها".

ومع ذلك، فإن DXL قاسَ أيضاً بعض الطاقة العالية من الأشعة السينية، والتي لا يمكن أن تكون أتت من الرياح الشمسية ولا من الفقاعة المحلية الساخنة.

وقال يوراج أبرتي Youaraj Uprety المؤلف الرئيس للدراسة، وعالم الفيزياء الفلكية في جامعة ميامي في الوقت الذي أجري فيه البحث: "عند الطاقات العالية، تساهم هذه المصادر بأقل من ربع انبعاث الأشعة السينية"، وأضاف: "لذلك يوجد مصدر غير معروف من الأشعة السينية في نطاق الطاقة هذا".

في العقود التي تلت أول اكتشافٍ لنا لانبعاث الأشعة السينية التي تتخلل الفضاء، وُضعت ثلاث نظريات لتفسير مصادرها.


النظرية الأولى، والتي سرعان ما تم استبعادها، هي أن الأشعة السينية نوع من ضجيج الخلفية الكونية قادمة من الامتدادات البعيدة للكون، لدى مجرتنا الكثير من الغاز المتعادل الذي يستطيع امتصاص الأشعة السينية القادمة من مصادر بعيدة، الأمر الذي يعني أن مصدر الأشعة السينية في مكانٍ ما بالقرب من نظامنا الشمسي.

لذلك، ما الذي يمكن أن ينتج هذا النوع من الأشعة السينية على مقربة من نظامنا الشمسي؟ اقتنع العلماء أن هناك فقاعة ضخمة من الغاز المتأين الساخنة التي تغلف نظامنا الشمسي، مع كمية من الإلكترونات النشطة كفايةً لإنتاج أشعة سينية مثل هذه، سمي هذا التركيب بالفقاعة الساخنة المحلية. 

وقال غالياتسي: "نعتقد أنه قبل حوالي 10 ملايين سنةٍ مضت، انفجر نجم سوبرنوفا supernova وأيّن غاز الفقاعة الساخنة المحلية"، وأضاف: "لكن نجم سوبرنوفا واحد غير كافٍ لخلق تجويفٍ كبيرٍ كهذا، والوصول إلى درجات الحرارة هذه، لذلك على الأرجح أن الأمر نتج عن اثنين أو ثلاثة من السوبرنوفا على مر الوقت، واحدة داخل أخرى".

كانت نظرية الفقاعة الساخنة المحلية هي النظرية السائدة لعدة سنوات، بعد ذلك وفي أواخر التسعينيات، اكتشف العلماء مصدراً آخر من مصادر الأشعة السينية، وهي عبارة عن عملية تدعى "تبادل شحنة الرياح الشمسية".

تطلق شمسنا باستمرار مواد في جميع الاتجاهات، وهي عبارة عن تدفق من الجسيمات المشحونة تسمى الرياح الشمسية (solar wind)وكما هو الحال مع الشمس، فإن الرياح الشمسية تتكون من غاز متأين حيث الإلكترونات منفصلة عن الأيونات، وهذا يعني أن الرياح الشمسية يمكن أن تحمل المجالات الكهربائية والمغناطيسية.

عندما تتفاعل الرياح الشمسية المشحونة مع جيوب الغاز المتعادل -حيث لا تزال الإلكترونات والأيونات مرتبطة بقوة مع بعضها- فإن باستطاعتها التقاط الإلكترونات من هذه الجسيمات المتعادلة وإثارتها، ومع عودة هذه الإلكترونات إلى الحالة المستقرة، فإنها تخسر طاقتها من الأشعة السينية والتي هي نفس النوع القادم من الفقاعة الساخنة المحلية.

إن اكتشاف هذا المصدر من الأشعة السينية القادم من الرياح الشمسية، يشكل مشكلةً بالنسبة لنظرية الفقاعة الساخنة المحلية، حيث أنها المصدر الوحيد الذي كان موجوداً لأرصاد الأشعة السينية هذه. لكن إن كانت الفقاعة الساخنة موجودة، فإنها ستخبرنا عن كيفية تشكل موقعنا من المجرة.

: انطلاق صاروخ السبر DXL من منطقة الرمال البيضاء للصواريخ في نيومكسيكو في 13 ديسمبر/كانون أول 2012، لدراسة مصدر محدد من الأشعة السينية رُصد بالقرب من الأرض. المصدر: White Sands Missile Range, Visual Information Branch
: انطلاق صاروخ السبر DXL من منطقة الرمال البيضاء للصواريخ في نيومكسيكو في 13 ديسمبر/كانون أول 2012، لدراسة مصدر محدد من الأشعة السينية رُصد بالقرب من الأرض. المصدر: White Sands Missile Range, Visual Information Branch


وقال أبرتي Uprety وهو الآن عالم الفيزياء الفلكية في جامعة ولاية تينيسي الوسطى: "إن التعرف على مساهمة الأشعة السينية من الفقاعة الساخنة المحلية، هو أمر مهم لفهم التركيب الذي يحيط بنظامنا الشمسي"، وأضاف: "إنه يساعدنا على بناء نماذج أفضل للمادة بين النجمية في حينا الشمسي".

يعتبر التمييز بين الأشعة السينية القادمة من الرياح الشمسية والأشعة السينية القادمة من الفقاعة الساخنة المحلية تحدياً، حيث تأتي انبعاثات الأشعة السينية المنتشرة. 


تمر هذه الانبعاثات فوق ما يسمى صاروخ السبر والذي يحلق لـ 15 دقيقة، هذه الدقائق القليلة من وقت المراقبة فوق الغلاف الجوي للأرض قيمة جداً، حيث تحجب الأرض معظم هذه الإشعاعات من الأشعة السينية، مما يجعل رصدها مستحيلاً من سطح الأرض.  تزود هذه الفترة القصيرة لصواريخ السبر وسيلة غير مكلفة نسبياً لجمع أرصاد الفضاء الصعبة.

إن صاروخ DXL هو المركبة الثانية لقياس لغز الأشعة السينية، لكن بعكس البعثة السابقة -وهي قمر صناعي يسمى روسات ROSAT- فإن صاروخ DXL حلق في وقت كانت تمر الأرض فيه خلال ما يسمى مخروط تركيز الهيليوم helium-focusing cone. يعتبر مخروط تركيز الهيليوم منطقةً في الفضاء حيث الهيليوم المتعادل أكثف بعدة مرات مقارنةً مع بقية النظام الشمسي الداخلي.

وقال أبرتي Uprety: "يتحرك النظام الشمسي في الفضاء بين النجمي بسرعة 15 ميلاً في الثانية"، وأضاف: "هذا الفضاء مليء بالهيدروجين والهيليوم. الهيليوم أثقل قليلاً، لذلك يأخذ شكل ذيل حول الشمس".

ولأن تبادل شحنة الرياح الشمسية يعتمد على الكثير من المادة المتعادلة للتفاعل معها، فإن قياس الأشعة السينية في مخروط تركيز الهيليوم يمكن أن يساعد العلماء بتحديد كمية انبعاث الأشعة السينية القادمة من الرياح الشمسية بشكلٍ حاسم، وكميتها -إن صحَّ ذلك- القادمة من الفقاعة الساخنة المحلية.

تكشف بيانات DXL أن حوالي 40% من الأشعة السينية المرصودة قادمة من الرياح الشمسية، لكن ضمن مستويات الطاقة الأعلى، فإن بعض إشعاعات الأشعة السينية ما زالت غير مفسرة. 


تُظهر أرصاد DXL، أن أقل من ربع انبعاث الأشعة السينية في مستويات الطاقة الأعلى تأتي من الرياح الشمسية، وأن الفقاعة الساخنة المحلية ليست أيضاً تفسيراً جيداً.

وقال أبرتي Uprety: "إن حرارة الفقاعة الساخنة المحلية ليس ساخنةً كفايةً لإنتاج الإشعاعات السينية ضمن هذا المستوى من الطاقة"، وأضاف: "لذلك نحن مع ترك السؤال مفتوحاً حول مصدر الإشعاعات السينية هذه".

انطلق صاروخ DXL من منطقة الرمال البيضاء للصواريخ في نيومكسيكو في 13 ديسمبر/ كانون أول 2012. ويُدعم DXL من خلال برنامج صاروخ السبر التابع لناسا في منشأة والوبس Wallops للطيران التابعة للوكالة في جزيرة والوبس في فيرجينيا، و الذي يديره مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في جرينبيلت بولاية ماريلاند. يدير قسم الفيزياء الشمسية في ناسا برنامج الصورايخ السابرة التابعة للوكالة.1

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • الإصدارية (Emission): هي كمية الضوء، أو بشكلٍ عام الإشعاع الكهرومغناطيسي، الناتجة عن ذرة ما أو جسم آخر. المصدر: ناسا
  • الهليوم (helium): ثاني أخف العناصر الكيميائية وثاني أكثر العناصر الكيميائية وفرةً. تتألف ذرة الهليوم النموذجية من نواة مكونة من بروتونين ونترونين محاطة بالكترونين. تم اكتشاف الهليوم للمرة الأولى في شمسنا، حيث تصل نسبة الهليوم في الشمس إلى ما يُعادل 25% من كتلتها. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات