أدلة جديدة على وجود الجسيم المستحيل تيترانيوترون

هزَّ باحثون يابانيون عالمَ الفيزياء في شباط من هذا العام لدى زعمهم بأنهم تمكنوا أخيراً من إثبات وجود الجسيم الغامض ذو الأربع نيوترونات، وغير الحاوي على بروتون، والذي اعتقد لزمن طويل بأن وجوده مستحيل، المعروف باسم التيترانيوترون (Tetraneutron) أي رباعي النيوترونات.


وتضيف دراسة جديدة الآن مزيداً من الأدلة على صحّة مزاعمهم، مظهرة أن التيترانيوترون لا يمكنه أن يوجد بشكل مستقر فحسب، بل وبأنه يجب أن يبدو شبيها جداً بالجسيم الذي رصده الفريق الياباني، وبذلك يتقدمون بنا خطوةً نحو إثبات وجود بنية دون ذرية جديدة.

وإن كان باستطاعة المزيد من عمليات الرصد المستقلة توثيق وجود التيترانيوترون، سيكون الأمر عظيماً جداً، وذلك لأن العلماء يحاولون منذ أربعين عاماً إيجاد هذه البنية الغامضة رغم المزاعم بعدم إمكانية وجودها، لكن مقدار الأدلة كان ضئيلا لنعتمد عليه حتى الآن. وسيكون الأمر حقيقةً حدثاً عظيماً، إذ سيتطلب إعادةَ صياغةِ نماذجنا الحالية عن القوة النووية Nuclear Force، وهي القوة التي تربط بين البروتونات والنيوترونات معاً.


تحدّث عالم الفيزياء النووية النظرية غير المشارك بالبحث بيتر سكاك Peter Schuck من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي إلى ساينس نيوز Scienc News في شباط الماضي قائلا: "سيكون هذا أمراً مذهلاً."

إذاً ما هو التيترانيوترون؟ ولما الكثير من الباحثين على يقين من عدم وجوده؟


تتكون البنية المفترضة هذه من مجموعة من أربع نيوترونات، وهي الجسيمات تحت الذرية التي تملك كتلة لكنها لا تملك شحنة. وللعلم فإن النيوترونات مع البروتونان تكون نوى الذرات.


رغم ذلك فإن النيوترونات بمفردها غير مستقرة لدرجة كبيرة جداً، وستتحول إلى بروتونات موجبة الشحنة في غضون عشر دقائق فقط، وبالطبع فمجموعات تحوي نيوترونين أو ثلاثة معاً ستكون عديمة الاستقرار بدرجة أكبر، ولهذا السبب اعتُقد لزمن طويل باستحالة وجود التيترانيوترونات، ولكن ظهرت علامات منذرة بوجوده عبر السنين.

فمنذ الورقة البحثية لعام 1965 التي أجملت القول بأن "وجود التيترانيوترون غير مرجح بدرجة كبيرة جدا"، أعلنت أربع أوراقٍ بحثية منفصلة عن عمليات رصدٍ تجريبية لهذا الجسيم، على الرغم أن أيّاً من هذه التجارب لم يكن بالمقدور تكرارها.


لكن في شباط من هذا العام أطلق فريق من معهد ريكن Riken وجامعة طوكيو حزمة من نوى الهليوم-8 الغنية بالنيوترونات (التي تحوي بروتونين وستة نيوترونات)، إلى الهيليوم السائل (الذي يحوي بروتونين ونيوترونين)، ووجدوا أن أربعة نيوترونات قد فقدت من نواتج الاصطدام!
 

وقد دام فقدانها فقط لمدة جزء من مليار من تريليون من الثانية قبل أن تعاود الظهور على شكل نواتج تفكك الجسيم، لكن في أثناء هذا الغياب قدر الباحثون بأن من المرجح أن النيوترونات الأربعة قد ارتبطت معاً لتكون تيترانيوترون. وبقدر ما كان البحث واعداً، بقيت مشكلة غير هامة، والمتمثلة بعدم تمكن أي أحد حتى من أن يثبت أن التيترانيوترونات كانت ممكنة الوجود، وفقاً لفهمنا الحالي للقوة النووية التي تربط الجسيمات مع بعضها (أي إثبات وجودها نظرياً قبل إثباتها تجريبياً).


لكن فريقاً من الفيزيائيين من جامعة ولاية آيوا كانوا قادرين بوساطة عمليات محاكاة حاسوبية جديدة أن يثبتوا إمكانية وجود أربعة نيوترونات بشكل مستقر لمدة من الوقت قبل أن تتفكك، وتبلغ تلك المدة \(5×10^{-22}\) من الثانية فقط -ما يعادل جزءا ضئيلا جدا من المليار من النانو ثانية- لكنها مدةٌ كافيةٌ لتمكن العلماء من دراسة التيترانيوترون، ومحاولة اكتشاف نوع القوة الشديدة التي تربط نيوتروناته معا.

يقول الباحث الرئيسي جيمس فاري James Vary: "إنّ هذا يفتح الباب أمام سلسة كاملة جديدة من البحوث"، ويُردف: "وستساعدنا دراسة التيترانيوترون على فهم القوى بين النيوترونات، بما فيها خصائص غير مستكشفة سابقاً للأنظمة غير المستقرة المكوّنة من نيوترونين وثلاثة نيوترونات."


كما أكّدت عمليات المحاكاة التي قام بها الفريق لطاقة وحجم تلك البنية ما رصده الباحثون اليابانيون عن هذه البنية تحت الذرية الجديدة، ما يعني بأن الخصائص التي تنبأت بها عمليات المحاكاة كانت متوافقة مع ما رآه الفريق الياباني قبل تفكك التيترانيوترون. وستتوجه الخطوة التالية للفرق المستقلة نحو البدء بصدم الذرات مع بعضها، وذلك لرؤية إن كان بإمكانهم أيضا إيجاد دليل مباشر على التيترانيوترون، وستعمل عمليات المحاكاة الجديدة هذه على تضييق حدود ما يبحثون عنه.


يقول فاري Vary: "نعلم بأن هنالك تجارب إضافية في المنشآت الأكثر تقدماً قيد التحضير، وتهدف إلى الحصول على خصائص دقيقة للتيترانيوترون"، ويكمل قائلا: "وها نحن نقدم تنبؤاتنا الأكثر تقدماً لتساعد في توجيه هذه التجارب".

وإذا أُثبت وجود التيترانيوترون، فسيضيف ذلك مفردة جديدة إلى قائمة النويدات Nuclides، والتي تشبه جدولاً دورياً يحوي كل النوى المعروفة ونظائرها، كما قد تقودنا أيضا إلى إعادة صياغة نماذجنا عن القوة النووية، وتغيير فهمنا لكيفية ترابط الجسيمات دون الذرية مع بعضها.


وحتى الآن فالبنية النيوترونية المثبتة التي نعرف عنها في كوننا هي النجوم النيوترونية، وهي نجوم صغيرة لكنها كثيفة ويعتقد بأنها مكوّنة تقريبا بأكملها من النيوترونات، وأنها تتشكل بعد انهيار نجوم عملاقة بعد انفجارات المستعرات الفائقة Supernovae، ويبلغ نصف قطر هذه النجوم مايقارب 11 كم (7 أميال) فقط، لكن يقدر أنها تمتلك كتلة مشابهة لكتلة شمسنا، ومكونة من حوالي \(10^{57}\) نيوتروناً كلها مرتبطة مع بعضها.


وأخيراً، إن اكتُشفت هذه التيترانيوترونات فستساعدنا في معرفة كيفية تشكل هذه النجوم المذهلة، وربما حتى في معرفة شبهها الغريب بالخلايا البشرية! ونحن تواقون لنرى ما الذي سيحدث لاحقاً.


نشر البحث في Physical Review Letters.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernovae): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات