ظلال متراقصة تلتقطها عدسة هابل

ظلال على قرص النجم TW Hydrae

حقوق الصورة: NASA, ESA, and J. Debes (STScI

أسرار غريبه في الكون يمكن أن تفصح عنها ظلال بسيطة! فأعجوبة كسوف الشمس يسببها ظل القمر، وقد صنف أكثر من 1000 كوكب يدور حول نجوم أخرى بواسطة الظل الذي ألقته هذه الكواكب عند مرورها أمام نجمها الأم. وفي سياق متصل دُهش علماء الفلك لرؤية ظل ضخم يتأرجح عبر قرص من الغبار والغاز يطوق نجما شابا مجاورا.

يشبه الشكل الناتج للقرص عين الطائر، بسبب ميله المواجه للأرض، وأما الظلال فتعبر القرص كعقارب الساعة، إلا أنّها تستغرق 16 عاما كي تكمل دورة واحدة.

لدى هابل 18 عاما من عمليات الرصد القيمة للنجم TW Hydrae. ولذلك، يمكن للفلكيين تجميع فيلم من تلك الصور المنفصلة تبين دوران الظل. أما شرح ذلك فقصة أخرى، إذ يعتقد علماء الفلك أنّ كوكبا غير مرئي في القرص يقوم بعمليات رفع ثقيلة نتيجة جذبه للمواد القريبة من النجم ليسبب تشوه الجزء الداخلي من القرص. فالقرص الداخلي المشوه وغير المنتظم يلقي بظلاله على سطح القرص الخارجي. كما يبعد النجم TW Hydrae عنا 192 سنة ضوئية، ويقدر عمره ب8 ملايين عام.

إنّ البحث عن كواكب تدور حول نجوم أخرى عمل صعب، فصغر حجمها وخفوتها الشديد يجعل اكتشافها أمرا صعبا. ولكن من المحتمل أن يفصح كوكب عن وجوده في نظام نجمي مجاور بطريقة فريدة: من خلال الظل الذي يتأرجح عبر سطح قرص الغاز والغبار الشاسع الذي يتخذ شكل الفطيرة ويحيط بالنجم الصغير.

لا يشكل الكوكب نفسه الظل، إلا أنه يقوم بعمليات رفع ثقيلة بجذبه للمواد القريبة من النجم ويشوه أيضا الجزء الداخلي من القرص. فالقرص الداخلي المشوه وغير المنتظم يلقي بظلاله على سطح القرص الخارجي.

يقول فريق من علماء الفلك بقيادة جون ديبس John Debes من معهد علوم تلسكوب الفضاء Space Telescope Science في بالتيمور، ماريلاند: إنّ هذا السيناريو هو التفسير الأكثر قبولا للظل الذي رصد في النظام النجمي TW Hydrae، والذي يقع على بعد 192 سنة ضوئية في كوكبة هيدرا the constellation Hydra، المعروفة أيضا باسم أفعى المياه الأنثى Female Water Snake.

 

فالنجم عمره 8 ملايين سنة تقريبا وحجمه أقل من حجم شمسنا بقليل. وقد كشف الباحثون هذه الظاهرة عند تحليل عمليات رصد قيمة ومؤرشفة عمرها 18 عاما مأخوذة من تلسكوب هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا.


يقول ديبس: "هذا هو القرص الأول الذي نملك له مقدارا كبيرا من الصور عبر فترة طويلة من الزمن، مما يتيح لنا مشاهدة هذا الأثر الملفت للانتباه. ويعطينا ذلك أملا بكون ظاهرة الظل هذه قد تكون أمرا شائعا إلى حد ما في النظم النجمية الشابة". وعرض ديبس نتائج فريقه في السابع من كانون الثاني/يناير في الاجتماع الشتوي للجمعية الفلكية الأمريكية American Astronomical Society في مدينة غرابفين، بولاية تكساس.

وأولى دلائل ديبس عن الظاهرة هو سطوع في القرص يتغير بتغير الموقع. و باستخدام علماء الفلك لأداة التصوير الطيفي في تلسكوب هابل الفضائي   (Hubble's Space Telescope Imaging Spectrograph) او اختصاراُ (STIS) لاحظوا هذا التباين في السطوع للمرة الأولى عام 2005. بيد أنّ مجموعة واحدة من عمليات الرصد، لا يمكن أن تفصح نهائيا عن طبيعة الجسم الغامض.

و بالبحث في الأرشيف، جمع فريق دبس ستة صور من عدة حقب مختلفة. وهذه المشاهدات قام بها STIS وكاميرا هابل المقربة العاملة بالأشعة تحت الحمراء Hubble's Near Infrared Camera والمطياف متعدد الأغراض (NICMOS).

 

وجُهز STIS بإكليلٍ حاجب coronagraph يحجب الضوء المباشر للنجوم التي تقع ضمن مسافة تبعد 1 مليار ميل عن النجم، مما يسمح لهابل بأن ينظر إلى النجم من مسافة تساوي المسافة بين زحل وشمسنا. ومع مرور الزمن، بدا أنّ البنية تتحرك حول القرص بجهة معاكسة لعقارب الساعة، وحتى عام 2016 كانت في نفس الموقع الذى كان عليه في الصور التي التقطت عام 2000 .

حيرت فترة الـ 16 عاما الباحثين. فقد كانوا يتصورون في الأصل أنّ الجسم هو جزء من القرص، إلا أنّ هذه الفترة القصيرة تعني أنّ الجسم يتحرك سريعا جدا بالنسبة إلى ارتباط عضوي بالقرص. فوفقا لقوانين الجاذبية، تدور الأقراص بسرعة بطيئة للغاية. اما الاجزاء الخارجية من القرص TW Hydrae فتستغرق قرونا لتستكمل دورة واحدة .

ويقول ديبس: "إنّ حقيقة مشاهدتي لنفس الحركة على بعد يفوق 10 مليار ميل عن النجم كانت أمرا هاما جدا وجميلا، و أملي على ذلك بأنني كنت أشاهد أمرا يحدث بشكل دامغ على القرص الخارجي عوضا عن حدوثه بشكل مباشر على القرص نفسه، وأفضل تفسير لذلك هو أنّ الجسم عبارة عن ظل يتحرك عبر سطح القرص".

واستنتج فريق البحث أنه أيا كان سبب الظل فعليه أن يكون عميقا داخل القرص ذي العرض 41 مليار ميل، وعلى مقربة شديدة من النجم بحيث لا يمكن لهابل أو أي تلسكوب آخر في الوقت الحاضر تصويره. والطريقة الأكثر احتمالا لنشوء الظل هو أن يكون القرص الداخلي مائلا نسبيا عن القرص الخارجي. وفي الواقع، تشير عمليات الرصد دون الميللي مترية التي قامت بها مصفوفة أتاكاما الميللي مترية الكبيرة Atacama Large Millimeter Array  او اختصاراً (ALMA) للنجم TW Hydrae والموجودة في تشيلي إلى تمزق محتمل في القرص الداخلي.

لكن ما الذي يسبب تشوه القرص؟


يوضح ذلك ديبس: "السيناريو الأكثر قبولا هو تأثير جاذبية كوكب غير مرئي، إذ يسحب المواد من السطح المستوي للقرص مسببا تشوه القرص الداخلي. فالقرص المنحني يقع داخل مدار الكوكب".

وبامتلاكنا لفترة ال 16عاما القصيرة عن حركة الظل الموافقة لجهة عقارب الساعة، قُدر بعد الكوكب 100 مليون ميل عن النجم وتقريبا هي نفس المسافة بين الأرض والشمس. وعلى الكوكب أن يكون له حجم كوكب المشتري لتكون جاذبيته كافية لسحب المواد من السطح المستوى للقرص الرئيسي. وسيسبب السحب نتيجة جاذبية الكوكب ارتعاشا في القرص، أو سيسبب حركة مداورة محورية للقرص حول النجم، ليمنح الظل زمن ال 16 عاما التي يكمل بها دورته حول النجم .

وأضافت عمليات الرصد الأخيرة لـ TW Hydrae بواسطة تلسكوب ALMA في تشيلي مصداقية على وجود كوكب. إذ اكتشف ALMA فجوة في القرص تبعد حوالي 9 ملايين ميل عن TW Hydrae. وتعد الفجوة أمرا هاما، إذ بإمكانها أن تكون دليلا على أنّ كوكبا غير مرئي يشق طريقه عبر القرص.

تقدم دراسة هابل الجديدة هذه طريقة فريدة من نوعها للبحث عن كواكب تختفي في الجزء الداخلي من القرص إضافة إلى سبر ما يحدث بالقرب من النجم، الذي لا يمكننا الوصول إليه عبر التصوير المباشر بواسطة التلسكوبات الحالية.

 

يقول ديبس: "ما يثير الدهشة هو تمكننا من معرفة شيء ما عن جزء غير مرئي من القرص من خلال دراسة المنطقة الخارجية للقرص وعبر دراسة الحركة والموقع وسلوك الظل، وتبين لنا هذه الدراسة بأنه حتى هذه الأقراص الكبيرة، والتي لا يمكن رصد مناطقها الداخلية، لا تزال فعالة، أو تتغير بطرق يمكن اكتشافها وماكنا لنتصورها".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الكوكبة (Constellation): أو البرج (احياناً)، وفي علم الفلك الحديث، تُشير هذه الكلمة إلى منطقة محددة من السماء داخل الكرة السماوية التي عرّفها وحددها الاتحاد العالمي لعلم الفلك (IAU).
  • المجال تحت الأحمر (Infrared): هو الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الطول الموجي الأكبر من النهاية الحمراء للضوء المرئي، والأصغر من الأشعة الميكروية (يتراوح بين 1 و 100 ميكرون تقريباً). لا يمكن لمعظم المجال تحت الأحمر من الطيف الكهرومغناطيسي أن يصل إلى سطح الأرض، مع إمكانية رصد كمية صغيرة من هذه الأشعة بالاعتماد على الطَّائرات التي تُحلق عند ارتفاعات عالية جداً (مثل مرصد كايبر)، أو التلسكوبات الموجودة في قمم الجبال الشاهقة (مثل قمة ماونا كيا في هاواي). المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات