كيف يمكننا حماية المريخ من الأرض أثناء بحثنا عن الحياة هناك؟

يضعنا البحث عن الحياة على سطح المريخ أمام الكثير من التحديات، ويعتبر التلوث الميكروبي أهمها؛ إذ كيف يمكننا التأكد من عدم وصول الميكروبات الأرضية إلى الكوكب الأحمر، ومن ثمَّ انتشارها هناك؟ وما هي الخطوات اللازمة لحماية البيئة من أي تغير قد يؤْذي الحياة المريخية عند وجود المركبة الفضائية على سطح المريخ؟
 

وفي النهاية، عندما نقوم بالتقاط ميكروبات محتملة لتحليلها على الأرض، كيف يمكننا ضمان أن العينة المريخية لن تشكل أي خطر على البشر أو المخلوقات الأخرى؟ لأنه وكما أشار إليه عالم الأحياء جون روميل (John Rummel)، فالميكروبات قد تكون مميتة إذا أخدنا بعين الاعتبار الدرس المُستقى من كتاب حرب العوالم للكاتب هربرت جورج ويلز (H.G. Wells)، وهو كتاب مُستوحى من الخيال المتعلق بغزو المريخ.


ويصرح روميل، الذي كان عالم أحياء في جامعة كارولينا الشرقية عندما قاد الفريق الذي نشر دراسةً حديثةً حول إمكانية نمو حياة أرضية على، أو تحت سطح المريخ: ''أهم الأشياء المتعلقة بحماية الكواكب هي كون هذه القضية ذات اتجاهين. وتكمن الفكرة الرئيسية في عدم أخذنا للميكروبات إلى مكان تتكاثر وتنمو فيه، خصوصاً أنها ستؤثر على إمكانية اكتشافِ ما كان موجوداً هناك قبل التلوث الأرضي. فنحن لا نريد أن نلوث ما نهدف إلى دراسته. ومن ناحية أخرى، فإذا كانت هناك حياةٌ ما فمن غير المؤكد أنَّ جلب رواد المريخ لعينة منها إلى الأرض سيُشكل أي خطرٍ على المحيط الحيوي للأرض''.
 

ويُشير روميل إلى أن هذا السؤال اُعتبر غير مجد إلى حد ما خلال رحلات أبولو، فعندما عاد رواد الفضاء إلى الأرض خلال البعثات القليلة الأولى، بقوا تحت الحجر الصحي لمدة 21 يوماً. كانت طواقم البعثات تسير سابقاً على حاملات الطائرات مرتدين الأقنعة وبدلات قفز خفيفة فقط، ويعرض هذا الأمر السفينة وطاقمها لثلوتٍ محتمل. وبالطبع فنحن نعرف الآن أن 21 يوما هي المدة الأقصر لحضانة العديد من الفيروسات، ولانتشار أمراض كجنون البقر، لكن فترة حضانة هذه الأمراض لم تكن معروفة في ذلك الوقت.


روميل حاليا عالم زائر في جامعة ماكجيل (McGill)، وقد أصدر ورقة تنظر إلى "مناطق خاصة" على المريخ -أي المواقع التي تتوفر فيها شروط تجعل منها أكثر قابلية لاستضافة الحياة -وتشرح الورقة العلمية أيضاً كيفية حماية تلك المناطق. نُشرت هذه الورقة في مجلة البيولوجيا الفلكية في عدد نوفمبر/تشرين الثاني وتحمل العنوان ''تحليل جديد لمناطق خاصة على المريخ: اكتشافات مجموعة التحليل العلمي للمناطق الخاصة MEPAG''.


معايير التعقيم


يعتبر البحث عن قابلية السكن أحد الأهداف الرئيسية لبعثة كريوزيتي، التي هبطت على سطح المريخ عام 2012. وأثناء تجولها في محيط فوهة غيل (Gale Crater)، اكتشفت أدلة كثيرة على وجود ماء في قاع مجرى قديم، بَعد بضعةَ أشهرٍ فقط من هبوطها. ومؤخراً، وجدت أن الصخور الموجودة على أرضية الفوهة مائلة بطريقة تُوحي أن المنطقة بأكملها كانت عبارة عن قاعٍ لبحيرة في الماضي، لكن يبقى السؤال الذي يشغل بال الباحثين في ناسا وهو: لكم من الزمن استمر وجود الماء هناك؟


في عام 2020، سيكمل جوالٌ آخر رحلة كريوزيتي، وسيبحث أيضاً عن البيئات القابلة للسكن، وسيمتلك أجهزة تُمكنه من البحث عن المواد العضوية. وفي الوقت نفسه، سيُخزن عينة للعودة بها في وقت لاحق إلى الأرض. يُعتبر هذا الأمر عنصراً أساسياً في قدرة ناسا على العودة بالعينات المريخية خلال العقود المقبلة. مع ذلك، هناك توترٌ كبير في مجال البحث عن بيئات صالحة للسكن، أو البحث عن الحياة باستخدام آلة صُنعت في الأرض دون تلويث سطح المريخ. وحسب تصريح روميل، فإن موقع هبوط كريوزيتي يقتصر على منطقة تحوي جليداً على سطحها أو تحته. ولأن المركبة تعمل بالاعتماد على مولد بلوتونيوم يظل ساخناً على الدوام، فهناك خطر وقوع حادث تحطم قد يُذيب الجليد، موفراً بذلك حوضا مائياً دافئاً تحت السطح قد يدوم من بضعة أشهر إلى بضع سنوات، مما يُقدم بيئة محتملة وصالحة للسكن من قبل ميكروبات أرضية هاجرت إلى هناك خلال الرحلة.


تتعامل ناسا مع مركبات المريخ الفضائية الحديثة بشكل مختلف عن الجوال فايكنغ، إذ لا تُعقَّم بشكل كلي، في الوقت الذي كانت فيه مركبات فايكنغ تُعرض للحرارة لمدة 54 ساعة لتعقيمها قدر الإمكان جنباً إلى جنب مع وجود قدر كبير من العناية والتخطيط. لكن يمكن لهذا الأسلوب العنيف أن يضر بالإلكترونيات الحساسة في الوقت الحالي، فتوقفت ناسا عن تطبيقه منذ تقرير مجلس البحوث القومي الأمريكي عام 1992 الذي اقترح أن المريخ (ولا يشمل ذلك "المناطق الخاصة") لا يتطلب ذلك، ولهذا يُشير روميل إلى أن مستوى تعقيم كريوزيتي أقل بكثير مقارنةً مع فايكنغ. لازالت المعايير الموجودة غير كافية لتلبية متطلبات حماية الكواكب، لكن لم يرغب الباحثون في اتخاذ أي خطوة فيما يتعلق بالمناطق الخاصة على المريخ.


المياه ودرجة الحرارة


تطورت المعايير المتعلقة بالمناطق الخاصة تحت رعاية المجلس الدولي للجنة العلوم وأبحاث الفضاء (COSPAR)، الذي كان أول من أخذ مسألة الحماية الكوكبية بعين الاعتبار في بدايات ستينات القرن الماضي. يظهر تأثير هذه اللجنة في معاهدة الفضاء الخارجي للأمم المتحدة عام 1967، والتي تنص، بين مجموعة من البنود، على أن الاستكشاف الفضائي لكل من القمر والأجسام السماوية الأخرى يجب أن يتم بطريقة "تُجنبها تلوثاً خطيراً''.
 

جرت أول عملية هبوط ناجحة على سطح المريخ في عام 1976، تلتها بعثة باثفايندر (Pathfinder) التابعة لناسا، وجوالها(Sojourner) . وبوجود المزيد من الخطط للهبوط بمهمات على سطح المريخ -بشكلٍ خاص جوالي أُبورتيونيتي وسبيرت اللذين أقلعا في العام 2003 -يَظْهر السؤال المتعلق باحتمالية وجود مناطق يُمكنها استضافة الحياة على سطح المريخ وتعرضها لخطر تلوث أكبر.


طرحت لجنة أبحاث الفضاء رسمياً هذه المسألة في ورشة عمل عُقدت في وليامزبرغ-فيرجينيا، وعرفت تلك الورشة المنطقة الخاصة كموقع يمكن إعادة إنتاج الحياة الأرضية فيه، أو أنه يحتضن حياة مريخية، وأُضيف هذا التعريف إلى سياسة حماية الكواكب للجنة أبحاث الفضاء في نفس العام للحصول على تعريف أكثر فائدة للمناطق الخاصة. لذلك الغرض، وبعد انقضاء أربعة سنوات، طرحت مجموعة التحليل والتخطيط لاستكشاف المريخ في ناسا (MEPAG) توصيات بشأن كيفية تحديد المناطق الخاصة والتركيز على درجات الحرارة وتوافر الماء وثبات الظروف المريخية خلال الأعوام المئة القادمة.


في ذلك الوقت، اقترحوا أن درجة الحرارة لا تزيد عن -20 درجة مئوية (-4 فهرنهايت)، وكما هو متعارف عليه فليس بإمكان أي من الميكروبات التكاثر عند درجة حرارة -15 أو أقل، إذ يمكنها البقاء على قيد الحياة لكن دون أي تكاثر. يقول روميل فيما يخص صياغة خطة التكاثر: ''إذا كان لديك ميكروب واحد صغير وغير سعيد على سطح المريخ، ويأمل بتغير الطقس هناك خلال 100 سنة كي يتكاثر، فأنت لن تستطيع تغييره ولذلك لن يُشكل الأمر تهديداً كبيراً''.


عُرّف حد النشاط المائي (water activity limit) بقيمة 0.5 على مقياس يمتد بين 0 (لا ماء/نشاط منعدم) و1 (الماء النقي/نشاط مرتفع). وتميل الحياة للنجاة في ظروف تتراوح بين الماء العذب (0.6 على المقياس) والمحيطات (حوالي 0.95).


رسم خرائط البقع الساخنة


أسفرت هذه الدراسة الحديثة عن نمودج لإمكانية تكاثر الحياة عند درجة حرارة تعادل -18 مئوية (-0.4 فهرنهايت)، وكان روميل راضٍ عن كونها واقعة في حدود الدراسة السابقة. أخذ المؤلفون بعين الاعتبار أهمية نتائج مهمة فينكس التي هبطت على سطح المريخ عام 2007 ودرست التربة المالحة، والجليد بالقرب من القطب الجنوبي للمريخ. وأضاف روميل: "الشيء الأكثر إثارة للاهتمام هو زيادة كل من الحد الأدنى لدرجة الحرارة للحياة، وتجاوز الحد الأقصى لنشاط المياه (من خلال نسبة الرطوبة العالية) في فصل الصيف، لكن ذلك الأمر لم يحصل بشكلٍ متزامن''.


تَمثل أحد الأهداف الرئيسية في أخذ نتائج الدراسات ورسم المناطق التي تكون أكثر عرضة للخطر أثناء الاستكشاف، وهي تشمل الكهوف والمنحدرات المتناوبة، وهي عبارة عن مواقع موجودة في المريخ وتمتلك أشرطة مظلمة حيت يُعتقد أن المياه تتسرب من خلال المنحدرات الجليدية في أوقات معينة من السنة عند شروق الشمس على المكان. ويضيف روميل أن مهمة المريخ 2020 والجوالين المشابهين لها لن يستطيعوا استكشاف هذه المناطق، لأن منحدر الكهف أو الخطوط ستشكل خطراً على الجوالين، فقد لا تستطيع الأخيرة تسلقها من جديد.


يعترف روميل بوجود صعوبة ستواجه المستكشفين سواء البشريين أو الآليين منهم، الذين سيرغبون في الوصول إلى مثل هذه المناطق المثيرة للاهتمام، إذ يجب الحرص أيضاً على بذل المزيد من الجهود لتفاذي إزعاج أية حياة قد تكون موجودة هناك. وبالنسبة له فإن دراسة هذه المناطق بواسطة الروبوتات تتطلب طرقاً للتعقيم أكثر صرامة، وذلك بغرض التأكد من وجود مستوى خطر التلوث في أدنى درجاته، حتى نتمكن من الحفاظ على جدار حماية بين الكواكب لدراستها كما هي.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات