لم تكن وكالة الفضاء الأمريكية ناسا -التي وصل اهتمامها بالبحث عن الحياة إلى أجرامٍ تبعد عنَّا آلاف السنين الضوئية- لتغفل عن الأرض وما عليها من حياةٍ طبيعية، بل وتحديدًا على هذه البقعة الجغرافية التي بُني فوقها مركز كينيدي للفضاء، بعضُنا يذكر ذلك العقاب النساري الذي بنى عشه فوق أحد مباني الوكالة في هذا المكان في ربيع عام 2011، وحضن البيض بسلامٍ حتى تفقّس، وكَبُرَت الفراخ ومن ثم غادروا العش. لكن هذا العقاب ليس الوحيد الذي يتشارك هذا المكان مع الإنسان، بل غيره الكثير من الثدييات والطيور والزواحف التي تسكن جميعها أرض مركز كينيدي للفضاء وتعيش في جوار المنشآت ومنصات إطلاق الصواريخ المتوزعة على كل مساحة جزيرة ميريت.
وكبادرة اهتمام من وكالة ناسا بأرض المركز التي تبلغ مساحتها أكثر من 144 ألف فدّان (582.7 كم2) قامت بوضع مجموعة قوانين لحماية الحياة الطبيعية والحفاظ على الأنواع التي تعيش وتتكاثر على هذه الجزيرة، حيثُ تُعد أراضي المركز أراضٍ محمية ويمنع الصيد أو القنص في أرجائها، مما وفّر بيئةً آمنةً لمجموعةٍ لا بأس بها من الكائنات الحيّة تحديدًا التماسيح والضفادع وحيوانات الظربان والراكون والسلاحف المائية والأفاعي والخنازير والسناجب، إضافةً إلى مجموعة متنوعة جدًا من الطيور منها طيور الزقّة الأميركية واللقالق وطيور الغاق والبَلشون والنسور السوداء والنوارس وحَمَام كولارد وعصافير الدوري.
لم تكن خطوة حماية الحياة البرية هي الخطوة الوحيدة التي قامت بها وكالة ناسا وإدارة مركز كينيدي للفضاء رعايةً للطبيعة، بل قامت أيضًا ببناء جناح خاص في مجمع الزوار في مركز كينيدي للفضاء يعرض أهم الكائنات الحية التي تعيش فوق أرض المركز وعلى جزيرة ميريت Merritt ككل.

لا وجود لأيٍّ من الكائنات الحية داخل هذا المعرض، فهذا الجناح ليس حديقة حيوان صغيرة، بل مشروعًا ثقافيًا للتعريف بالكائنات الحية التي تعيش على هذه الأرض وتأقلمها مع نشاطات وكالة ناسا عليها، وقد تم الاكتفاء بعرض مجسماتٍ أحيانًا وصورٍ أحيانًا أخرى لتلك الحيوانات مرفقةً ببعض المعلومات عن النوع والفصيلة لا أكثر.

عودوا قليلًا بذاكرتكم إلى الوراء، هل تذكرون الجناح الخاص بالمريخ؟ والمتجر في الجهة المقابلة؟ في الحقيقة، هناك متجر آخر أيضًا في المبنى الكبير الذي يحتوي مكوك الفضاء أتلانتس، وبسبب عدد الزوار الهائل يوميًّا عملت إدارة المركز على بناء هذا الأخير لتخفيف الضغط عن الأول وتقديم معروضات أكثر ومقتنيات متنوعة تستهوي كل المهتمين بالفضاء صغارًا وكبارًا.

من منّا لا يود الاحتفاظ بتذكارٍ ما عن الفضاء؟ مجسّم صغير لمركبة فضائية أو مكوك، كوبٌ يحمل رسمًا لشعار وكالة ناسا أو صور لرواد الفضاء في رحلات متعددة ولحظات ملحمية أو كتب في علم الفلك غاية في البساطة أو التعقيد أو أقراص مدمجة تتضمَّن برامج وثائقية عن الفضاء وأسراره، أو مثلًا بعض الألبسة ذات صور لظواهر كونية مختلفة أو مجرات أو حتى شعارات الرحلات المتعددة التي قامت بها المكوكات في برنامج مكوك الفضاء.
نيزك للبيع!
نعم، لمَ لا؟ هنا في متجر مركز كينيدي للفضاء بإمكانك أن تشتري نيزكًا!
يوفِّرُ المتجر عدة أحجام وأشكال متنوعة من النيازك وحطامها الذي تم جمعه من كل دول العالم، منها ما جُلبَ من المغرب والصحراء العربية ومنها ما جُلب من الصين ومنغوليا، أو من روسيا والشمال الأوروبي، ومنها جُلِبَ من الأمريكيتين. عندما تشتري أيّاً من هذه الحجارة الغريبة الجميلة ستحصل على وثيقة تثبت بأن هذه القطع الصخرية نيازك وليست حجارة عادية، فلا بُدّ من هكذا إثبات فهي ليست رخيصة الثمن فسعرها يراوح بين 30 دولارًا و10 آلاف دولار. نعم إنّه مبلغ كبير ولكن النيزك كبيرٌ أيضًا، هناك دائمًا زبائن لهكذا نوادر، فالبعض مهووسون بالفضاء إلى حدٍ لا نستطيع تصوره.


ليس الربح فقط هو غاية هذا المتجر ومع أنَّ جزءًا كبيرًا من المرابح يعود لصالح الوكالة، وهذا ما يدعم برامجها ولو بقدر ضئيل جدًا من المال مقارنةً بالتكاليف الباهظة لكل برنامج فضائي، إلا أنّها تهدف أيضًا لتقليص الهُوة بين عامة الناس والمشاريع الفضائية العملاقة، وهذا كان في الأساس أحد أهم أهداف بناء مركز الزوار ككل وليس المتجر فقط.
ستستوقفك آلةٌ مميزةٌ جدًا، بل وستنتظر في الصف ربّما 15 دقيقة لتحصل على فرصة لاستخدامها، آلة بسيطة لصك النقود، أو بالأصح إعادة نقشها، ففيها تضع نصف دولار كتكلفة لاستخدامها في كل مرة، وتضع سنتًا واحدًا ليتم استخدامه لصناعة القطعة المعدنية التي ستحتوي النقش الذي تختاره والذي يخصّ الفضاء ووكالة ناسا بالتأكيد.
عند الفراغ من التسوّق والتوجه إلى الصندوق للدفع ستجذبك بعض الميداليات المعدنية اللامعة التي تمثل تذكارًا لأحد البرامج أو المركبات الفضائية، وهي هنا في مأمن بسبب قيمتها المرتفعة، فمنها قد صُكَّ من الذهب الخالص أو الفضة أو البرونز أو النحاس ولكل واحدةٍ منها سعر مناسب، أمّا أنا فقد اخترت ميداليةً ليست من معدن ثمين، ولكن بالنسبة لي فإنّ معدنها هو أثمن المعادن وأندرها فهي تتضمن خليطًا معدنيًا تم اختبار كفايته أثناء تصميم المستكشف الآلي الشهير كيريوستي "Curiosity" ليستخدم في صناعة أجزائه.