تعرف إلى تحويلات فورييه للصور وآلية عملها

تنتج الأصوات التي نسمعها، سواءً كانت الموسيقى أو الكلام أو ضجيج الخلفية، عن اهتزازات طبلة أذننا. وتُحفز هذه الاهتزازات من قبل الأمواج الصوتية المتحركة في الهواء والناجمة عن السماعات التي نضعها أو الأجهزة الموسيقية أو الحجرات الصوتية للأشخاص، أو حتى عن ذلك الشخص المزعج والجالس خلفك في السينما وهو يفتح علبة حلوياته. في الحقيقة، يُمكننا رسم هذه الاهتزازات -أي رسم شدة الموجة أو الضغط النجم عنها كتابع للزمن- مما يُقدم لنا تمثيلاً بصرياً للصوت.

 

موجة صوتية ناتجة عن شوكة رنانة (في الأعلى)، مقارنةً مع تلك الناتجة عن كلام الإنسان في الأسفل.
موجة صوتية ناتجة عن شوكة رنانة (في الأعلى)، مقارنةً مع تلك الناتجة عن كلام الإنسان في الأسفل.


تعتبر الموجة الصوتية الصادرة عن الشوكة الرنانة (الوسط A) مثالاً مثالياً عن موجة جيبية (sine wave)، أي تلك التي يُمكن كتابتها رياضياً على الشكل (sin(x. أما الموجة الصوتية الخاصة بالكلام فهي أكثر تعقيداً بكثير، لكن من الممكن تجزيء أي موجة صوتية -وفي الواقع، أي تابع متكرر- إلى عدد من الأمواج الجيبية ذات الترددات والسعات المختلفة (الشدّات)، وهذا الأمر كان نتيجةً لعملٍ بدأه عالم الرياضيات الفرنسي جوزيف فورييه (Joseph Fourier) الذي عاش في حقبة الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر.


إنّ التعبير عن أي موجة صوتية أو أي إشارة متغيرة بمرور الزمن على شكل مجموع للأمواج الجيبية المؤلفة لها، يُعرف باسم تحويل فورييه Fourier transform الخاص بتلك الإشارة (يُمكنك قراءة المزيد من الشروحات المفصلة عن الرياضيات الخاصة بهذه التحويلات في المقال التالي هنا، وعلى الرغم من أنّ رياضيات هذه التحويلات معقدة جداً إلا أن الأفكار الرياضية الخاصة بها محببة جداً.

يتغير التابع f الذي يُمثل موجة صوتية بمرور الزمن. عند تطبيق تحويلات فورييه على هذا التابع، فهي تُحلله إلى الأمواج الجيبية المكونة له بتردداتها وسعاتها المختلفة. وفي الشكل، يُمثَّل تحويل فورييه على شكل مجموعة من القمم في مجال الترددات، ويُعبر ارتفاع القمة عن سعة الموجة عند ذلك التردد.
يتغير التابع f الذي يُمثل موجة صوتية بمرور الزمن. عند تطبيق تحويلات فورييه على هذا التابع، فهي تُحلله إلى الأمواج الجيبية المكونة له بتردداتها وسعاتها المختلفة. وفي الشكل، يُمثَّل تحويل فورييه على شكل مجموعة من القمم في مجال الترددات، ويُعبر ارتفاع القمة عن سعة الموجة عند ذلك التردد.


يُمكنك التفكير بصورةٍ ما على أنها تابع متغير، وعوضاً عن التغير بالنسبة للزمن، فهو يتغير في أرجاء فضاء الصورة ثنائي الأبعاد. وفي صورة رقمية رمادية تُمثل القيمة المرافقة للبكسل الواحد، والواقعة في المجال بين 0 و256، مقدار حلكة ذلك البكسل. ولذلك فإنّ حلكة -أو شدة- البكسل عبارة عن تابع للإحداثيات الشاقولية والأفقية التي تُعطي موقع ذلك البكسل، وبذلك يُمكنك التفكير بالصورة على أنها فسحة متموجة، حيث يُعطى ارتفاع الفسحة في موضعٍ ما بقيمة البكسل في ذلك الموضع.

صورة رقمية لمحرري "بلس"، ولكل بكسل من الصورة قيمة واقعة في المجال بين 0 و256، وهذه القيمة تُمثل مقدار رمادية البكسل. وإلى اليمين من الصورة، نُشاهد تابع الصورة لنفس الصورة الرقمية، حيث تُعطى قيمة الرمادية بالتابع (u(x,y والموضحة على شكل ارتفاع للسطح فوق المستوي x-y.
صورة رقمية لمحرري "بلس"، ولكل بكسل من الصورة قيمة واقعة في المجال بين 0 و256، وهذه القيمة تُمثل مقدار رمادية البكسل. وإلى اليمين من الصورة، نُشاهد تابع الصورة لنفس الصورة الرقمية، حيث تُعطى قيمة الرمادية بالتابع (u(x,y والموضحة على شكل ارتفاع للسطح فوق المستوي x-y.

يُمكن التعبير عن الصور على شكل مجموع لأمواج جيبية أيضاً، ولكن في هذه المرة لدينا أمواج تابعة لبعدين بدلاً من بعدٍ وحيد فقط كما هو الحال مع التموجات على سطح صفيحةٍ ما. تُعطى الأمواج الجيبية ثنائية الأبعاد بالعلاقة التالية:


\( z=a sin(hx+ky)  \)

 

حيث تمثل x وy إحداثيات النقاط فوق الصفيحة، في حين يُمثل z الارتفاع أو شدة الموجة عند تلك النقطة، a هي سعة الموجة (الارتفاع الأعظمي)، في حين يُقدم لنا كل من h وk عدد المرات التي تتكرر فيها الموجة في الاتجاهات x وy على التوالي (إنهما ترددات x وy).

الأمواج (sin(x و(sin(2y و(sin(x+y.
الأمواج (sin(x و(sin(2y و(sin(x+y.


عندما يكون لدينا k=0، فذلك يعني أن الموجة الجيبية تهتز فقط على طول المحور x، في حين أنها تهتز فقط على طول المحور y إذا كانت h=0. لكن إذا كان كلٌ من h وk غير مساويين للصفر، فذلك يعني أن الموجة الجيبية تتحرك بشكلٍ قطري عبر الصفيحة، مع وجود أمواج تتحرك في اتجاه يعادل ميله القيمة h/k (أي عمودياً على جبهة الموجة wave fronts).

إن إضافة هذه الأمواج إلى بعضها تتضمن إضافة القيمة أو الارتفاعات المتتالية للأمواج عند كل بكسل، وبالتالي، فإنّ هذه الأمواج قد تتداخل بشكلٍ بنّاء مما يؤدي إلى ظهور موجة نهائية لها قيمة أعلى (سعة أكبر) عند ذلك البكسل. ومن ناحية أخرى، فتلك الأمواج قد تتداخل بشكلٍ هدّام، وتُلغي بعضها بعضاً؛ وإذا كانت سعة إحدى الأمواج المؤلفة لها أكبر بكثير من الأخرى، فإنها ستهيمن في هذه الحالة.

 

نُشاهد في هذه الصورة الأمواج التالية (sin(x)+sin(y، و(5sin(x)+sin(y، و(sin(x)+5sin(y، ويُمكنك رؤية كيفية هيمنة الموجة ذات السعة الأكبر (-5sin(x في الصورة الوسطى و(5sin(y في الصورة إلى اليمين- على الموجة الناتجة.
نُشاهد في هذه الصورة الأمواج التالية (sin(x)+sin(y، و(5sin(x)+sin(y، و(sin(x)+5sin(y، ويُمكنك رؤية كيفية هيمنة الموجة ذات السعة الأكبر (-5sin(x في الصورة الوسطى و(5sin(y في الصورة إلى اليمين- على الموجة الناتجة.


تُحطم تحويلات فورييه لصورة ما تابع الصورة (الفسحة المتماوجة) إلى مجموع مؤلف من الأمواج الجيبية المكونة له. وكما هو الحال مع الموجة الصوتية، فإنّ تحويلات فورييه تُرسم كتابع للتردد. ولكن على النقيض من تلك الحالة، فإنّ فضاء التردد في هذه الحالة هو ثنائي الأبعاد: بالنسبة للترددات h وk للأمواج في الاتجاهات x وy. ولذلك فهي لا تُرسم على شكل سلسلة من القمم، وإنما على شكل صورة لها نفس أبعاد البكسلات للصورة الأصلية.

لكل بكسل في تحويلات فورييه الأحداثيات التالية (h,k) والتي تُمثل مساهمة الموجة الجيبية بـ x التردد (h)، وy التردد (k) في تحويل فورييه. تُمثل النقطة المركزية الموجة (0,0)، أي موجة مسطحة ليس لديها أي تموجات، أما الشدة (أي اللمعان على سلم اللون الرمادي) فهي القيمة الوسطى للبكسلات في الصورة.

تعبر النقاط الموجودة إلى اليسار واليمين من مركز الصورة عن الأمواج الجيبية التي تتغير على طول المحور x أي (k=0)، ويُمثل لمعان هذه النقاط شدة الموجة الجيبية التي لديها ذلك التردد في تحويل فورييه (الشدة هي سعة الموجة الجيبية مرفوعة للقوة اثنين). أما تلك النقاط الشاقولية الموجودة فوق النقطة المركزية وأسفلها، فتمثل تلك الأمواج الجيبية التي تتغير في الاتجاه y، أما قيمة x لها فهي ثابتة أي h=0، في حين تُمثل النقاط الأخرى في تحويلات فورييه مساهمة الأمواج القطرية (diagonal waves).

لتابع الجيبي ممثل كصورة رمادية، إضافةً إلى تحويل فورييه لتلك الصورة.
لتابع الجيبي ممثل كصورة رمادية، إضافةً إلى تحويل فورييه لتلك الصورة.


على سبيل المثال، انظر إلى الصورة الموجودة إلى اليسار من الصورة السابقة. إنها تُمثل الموجة الجيبية ثنائية الأبعاد (sin(x، التي رأيناها سابقاً، على صورة بمقياس رمادي. وإلى جانبها، نُشاهد تحويل فورييه لهذه الصورة رمادية المقياس، ونرى أن لها نفس الأبعاد (بالبكسل) للصورة الأصلية، وهي سوداء بالكامل باستثناء وجود بضع بكسلات لامعة في المركز. إذا ما قمت بتكبير المنطقة المركزية لتحويل فورييه (وهو ما يُمكنك مشاهدته إلى اليمين)، فسيكون باستطاعتك حينها رؤية ثلاثة بكسلات ليست سوداء.

 

إحدى تلك البكسلات عبارة عن نقطة المركز اللامعة ذات الإحداثيات (0,0)، وتُمثل مساهمة الموجة (0,0) في الصورة، أما البكسلان اللامعان الموجودان على جانبي هذه النقطة ولهما الإحداثيات (1,0) و(1,0-) فيُمثلان مساهمة الموجة (1,0) -أي الموجة الجيبية في صورتنا الأصلية- أما كل ما تبقى من بكسلات في تحويل فورييه فهي سوداء لأنّ الصورة الأصلية تُوصف بدقة بواسطة الموجة الأصلية (1,0).

نُشاهد في الأعلى الموجة (sin(20x)+sin(10y وتحويل فورييه الخاص بها، وهو يُوضح زوجاً من البكسلات اللامعة (عند الإحداثيات (20,0) و(0,10) إضافةً إلى الانعكاسات الخاصة بها) التي تُمثل مساهمات كلاً من الموجتين. وفي الأسفل من الصورة، يُمكننا مشاهدة الموجة (sin(100x+50y وتحويل فورييه الخاص بها، وهي تُبين زوجاً واحداً من البكسلات اللامعة عند الإحداثيات (100,50) إضافةً إلى انعكاسها.
نُشاهد في الأعلى الموجة (sin(20x)+sin(10y وتحويل فورييه الخاص بها، وهو يُوضح زوجاً من البكسلات اللامعة (عند الإحداثيات (20,0) و(0,10) إضافةً إلى الانعكاسات الخاصة بها) التي تُمثل مساهمات كلاً من الموجتين. وفي الأسفل من الصورة، يُمكننا مشاهدة الموجة (sin(100x+50y وتحويل فورييه الخاص بها، وهي تُبين زوجاً واحداً من البكسلات اللامعة عند الإحداثيات (100,50) إضافةً إلى انعكاسها.


لتحويل فورييه الخاص بتركيب بسيط من الأمواج عدد قليل من البقع اللامعة. أما بالنسبة للصور الأكثر تعقيداً، كالصور الرقمية مثلاً، فهناك الكثير الكثير من البقع اللامعة في تحويل فورييه المرافق لها لأننا بحاجة للعديد من الأمواج لتمثيل الصورة.

في تحويل فورييه المرافق للعديد من الصور الرقمية التي نأخذها، غالباً ما يكون هنالك شدة قوية (سعة) على طول المحورين x و y لتحويل فورييه، مما يُبين أن الأمواج الجيبية التي تتغير على هذين المحورين فقط تلعب الدور الأهم لتمثيل الصورة النهائية. ينتج ذلك عن وجود العديد من المعالم الشاقولية أو الأفقية والتناظرات في العالم المحيط بنا كالجدران وسطوح الطاولات، وحتى الأجسام المتناظرة بالنسبة لمحور شاقولي.

 

يُمكنك التعرف إلى هذه الخصائص عبر تدوير الصورة قليلاً (لنقل 45%)، وبعد ذلك ستجد أن تحويل فورييه للصورة الجديدة لديه شدة قوية جداً على طول خطين متعامدين دارا بنفس النسبة.

محررا "بلس" وتحويل فورييه الخاص بهما، وهو يوضح سلسلة من المساهمات الناجمة عن أمواج شاقولية ممثلة بنقاط لامعة على طول المحور الشاقولي.
محررا "بلس" وتحويل فورييه الخاص بهما، وهو يوضح سلسلة من المساهمات الناجمة عن أمواج شاقولية ممثلة بنقاط لامعة على طول المحور الشاقولي.


صورة المحررين بعد تدويرها بزاوية 45 درجة، وتحويل فورييه المرافق لها.
صورة المحررين بعد تدويرها بزاوية 45 درجة، وتحويل فورييه المرافق لها.


تحويلات فورييه هي أدوات مفيدة بشكلٍ لا يصدق في مجال تحليل الأصوات والصور والتلاعب بها. وتُمثل هذه التحويلات، بشكلٍ خاص بالنسبة للصور، الآلية الرياضية الكامنة وراء ضغط الصورة (على شكل صيغة JPEG مثلاً)، وترشيح الصور وتخفيض التشويش والضبابية.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات