يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
كم بلغت حرارة المحيطات عند تطور الحياة في البداية ؟!

عندما تشكلت الغيوم في الغلاف الجوي لكوكب الأرض في الدهر السحيق Archean، كان هذا الكوكب اليافع ليبدوكهذا التصور الفني، نقطة برتقالية شاحبة.


حقوق الصورة:NASA’s Goddard Space Flight Center/Francis Reddy


لا نعلم إلا القليل عن درجات حرارة سطح كوكب الأرض للأربع مليارات سنة الأولى من تاريخه. وهذا بالتالي يحد من البحث في أصول الحياة على كوكب الأرض، وكذلك كيف يمكن أن تنشأ في عوالم بعيدة أيضًا. لكن الباحثين يقترحون الآن أنه من خلال إعادة بناء الأنزيمات القديمة، قد يتمكنون من تقدير درجات الحرارة التي نشأت فيها قبل مليارات السنين. ونشر العلماء مؤخرًا نتائج أبحاثهم في مجلة Proceedings of the National Science Academy.

تقول المؤلفة الرئيسة أماندا غارسيا Amanda Garcia، وهي عالمة في نشأة الإنسان والبيولوجيا الأرضية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "نحن بحاجة إلى فهم أفضل، ليس فقط للكيفية التي تطورت بها الحياة بداية على الأرض، وإنما كيف تطورت الحياة وبيئة الأرض معًا على مدى مليارات السنين من العصر الجيولوجي". وتضيف: "إن تطوراً مشتركاً مماثلاً يعتبر –بالتأكيد- الحالَ لأي حياة في أي مكان آخر في الكون."

وقد ركزّت غارسيا وزملاؤها على تاريخ درجات حرارة سطح الأرض، حيث تعطي الصخورُ العديدَ من الدلالات التي يمكن من خلالها تتبع درجات الحرارة على مدى آخر550 مليون سنة من دهر الحياة الظاهرة (دهر البشائر) Phanerozoic Era، عندما ظهرت الكائنات المعقدة ومتعددة الخلايا، ومن ضمنها البشر. ووُجِد القليل من الأشياء التي من الممكن أن تُستعمل لقياس درجة الحرارة في بداية عصر ما قبل الكامبري Precambrian Era كمقاييس درجة الحرارة الأحفورية paleothermometers، ويمتد هذا العصر منذ تكون كوكب الأرض قبل 4.6 مليار سنة إلى نشأة الحياة.

وتشير الأدلة الجيولوجية أن درجة حرارة المحيطات كانت بمعدل من 131 فهرنهايت إلى 185 فهرنهايت (أي من 55 إلى 85 سليزيوس) في الدهر السحيق Archean Eon قبل 3.5 مليار سنة. وقد توصل العلماء لهذه التقديرات من خلال فحص نظائر الأكسجين والسيليكون في الصخور البحرية.

 

وتمتلك الصخور الغنية بالكوارتز في قاع البحر -والمعروفة باسم تشيرتس Cherts، مستوياتٍ أعلى من نظائر الأكسجين-18 ونظائر السيليكون-30 كلما زادة برودة مياه البحر. ومن حيث المبدأ، فإن النسب المتفاوتة من الأقل للأعلى لنظائر الأكسجين ونظائر السيليكون تسلط الضوء على درجات الحرارة القديمة.

الصورة على اليسار تصور ما كانت تبدو عليه الأرض في الدهر السحيق قبل أكثر من 3 مليارات سنة. وتمثل الأشكال البرتقالية القارات الغنية بالبروتين والمغنيزيوم قبل بدء تشكل الصفائح، وبالرغم من ذلك يستحيل تحديد شكلها وموقعها بشكل دقيق. أما المحيط، فيظهر باللون الأخضر بسبب كمية أيونات الحديد الكبيرة في الماء في ذلك الوقت. ويتتبع الجدول الزمني الانتقال من قشرة قارية علوية غنية بالمغنيزيوم إلى قشرة قارية علوية تفتقر إلى المغنيزيوم. حقوق الصوة: Ming Tang/University of Maryland
الصورة على اليسار تصور ما كانت تبدو عليه الأرض في الدهر السحيق قبل أكثر من 3 مليارات سنة. وتمثل الأشكال البرتقالية القارات الغنية بالبروتين والمغنيزيوم قبل بدء تشكل الصفائح، وبالرغم من ذلك يستحيل تحديد شكلها وموقعها بشكل دقيق. أما المحيط، فيظهر باللون الأخضر بسبب كمية أيونات الحديد الكبيرة في الماء في ذلك الوقت. ويتتبع الجدول الزمني الانتقال من قشرة قارية علوية غنية بالمغنيزيوم إلى قشرة قارية علوية تفتقر إلى المغنيزيوم. حقوق الصوة: Ming Tang/University of Maryland


لكن هذه المقاييس الحرارية لا تأخذ بعين الاعتبار كيف تغيرت هذه الصخور أو المحيطات على مدى مليارات السنين. ولعل تفاوت نسب النظائر في مياه البحر يعود لأسباب فيزيائية أو كيميائية، كتدفق المياه من الأرض أو من الفتحات المائية الحرارية hydrothermal vents.


وبالنظر إلى النتائج غير المؤكدة، سعت غارسيا وزملاؤها إلى قياس مستقل لدرجات حرارة مياه البحر في عصر ما قبل الكامبري، بحيث يركز القياس على سلوك الجزيئات البيولوجية، حيث فحص العلماءُ إنزيماً يعرف بكيناز ثنائي فوسفات النيوكليوزيد nucleoside diphosphate kinase، أو اختصارًا (NDK)، الذي يساعد على التلاعب ببناء الحمض النووي (الدنا) DNA والحمض النووي الريبوزي (الرنا) RNA، فضلًا عن العديد من الأدوار التي يقوم بها. كما وُجدت نسخ من هذا البروتين في كل الكائنات الحية تقريبًا، ومن المرجح أنه كان ضروريًا للكائنات المنقرضة أيضًا. وقد توصلت أبحاث سابقة إلى وجود علاقة بين درجات الحرارة المثلى لاستقرار البروتين ونمو الكائن الحي.


تمكن العلماء من خلال مقارنة التسلسل الجزيئي لنسخ إنزيم (NDK) لمجموعة متنوعة من الكائنات المعاصرة من إعادة بناء نسخ إنزيم (NDK) التي قد تكون وجدت في أسلافهم المشتركين. ومن خلال تجميع نسخ البروتين المعاد بناءها، يمكن للعلماء تجربتُها من خلال اختبارها لمعرفة درجات الحرارة التي يستقر عندها البروتين، وبالتالي التوصلُ لدرجة الحرارة المتوقعةِ للكائنات السابقة.

ويقدر العلماء الفترة الزمنية التي قد تكون وجدت فيها الإنزيمات القديمة عبر النظر معمقاً للكائنات التي تستضيفها. وكلما زاد عدد الاختلافات في التسلسلات الجينية لهؤلاء الأقارب، كلما طالت الفترة الزمنية منذ وجود آخر قريب لها. ويستخدم العلماء هذه الاختلافات لقياس عمر الجزيئات الحيوية مثل إنزيم (NDK) المُعاد بناؤه.

وكانت الأبحاث السابقة قد أعادت بناء الإنزيمات للتوصل لدرجات الحرارة السابقة، ولكن ربما تكون هذه الإنزيمات من كائنات قد عاشت في بيئات حارة غير عادية، مثل ينابيع المياه الحارة في أعماق البحار، وهذه لن تمثل المحيط الواسع بكل تأكيد. وبدلًا من ذلك، سعت غارسيا وزملاؤها لإعادة بناء إنزيم (NDK) الموجود في النباتات والبكتيريا التمثيلية في الطبقة العلوية من المحيط والتي تصلها أشعة الشمس، والتي يفترض أن تكون بعيدة عن الينابيع الحارة.

الشعاب الميكروبية والتي تسمى ستروماتوليتيس stromatolites أمثلة على الهياكل البيولوجية التي وجدت منذ ما يقارب 3.7 مليار سنة. الحقوق  Pamela Reid, Ph.D., University of Miami Rosenstiel School of Marine and Atmospheric Science
الشعاب الميكروبية والتي تسمى ستروماتوليتيس stromatolites أمثلة على الهياكل البيولوجية التي وجدت منذ ما يقارب 3.7 مليار سنة. الحقوق  Pamela Reid, Ph.D., University of Miami Rosenstiel School of Marine and Atmospheric Science


ويشير بحثهم إلى أن حرارة سطح الأرض قد انخفضت مما يقارب 167 فهرنهايت (أي ما يعادل 75 سليزيوس) قبل حوالي 3 مليارات سنة إلى ما يقارب 95 درجة (أي 35 فهرنهايت) قبل حوالي 420 سنة، وتتوافق هذه النتائج مع النتائج السابقة المبنية على أساس بيولوجي وإنزيمي.


وتقول غارسيا أنه من الصعب فهم هذا الانخفاض الكبير في درجات الحرارة، مؤكدة أهمية أن يبقي العلماء في أذهانهم مدى اختلاف البيئات في الماضي، عند دراسة كيف تطورت الحياة مع مرور الوقت. وأضافت: "إن تصور عالمٍ لا يتوافق مع الفكرة السليمة لظروف الأرض الحالية يتطلب مجهودًا كبيرًا".

قد تقوم الأبحاث المستقبلية بإعادة بناء نسخ من إنزيم (NDK) من المزيد من الكائنات الحية، بالإضافة إلى إنزيمات الأخرى، موفرةً أدلةً أكثر تدعم هذه الطريقة، كما أن مثل هذه الأبحاث يمكن أن تساعد في "حل تساؤلات كبيرة بداية تطور الحياة وبيئة الأرض."

نُشرت هذه المقالة من مجلة علم الأحياء الفلكية التابعة لوكالة ناسا NASA's Astrobiology Magazine.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات