يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
السفر أسرع من الضوء بين محركات الانحناء والثقوب الدودية

مركبة يو إس إس إنتربرايز الشهيرة للسفر بين النجوم من برنامج ستارتريك.

طبقًا للفيزيائيّ الفلكيّ إريك ديفيس Eric Davis، والذي يُعدّ واحدًا من أهم العلماء في مجال السفر أسرع من الضوء faster-than-light (FTL)، فإنّ قدرة البشريّة على استكشاف الفضاء الشاسع والسفر فيه بسرعة الانحناء warp speed ليست ضربًا من الخيال العلميّ.

فازت آخر دراسةٍ لديفيس بعنوان (محركات انحناء الفضاء للسفر أسرع من الضوء.. الوضع الراهن والخطوات القادمة Faster-Than-Light Space Warps, Status and Next Steps) بجائزة أفضل ورقةٍ بحثيّةٍ في المجالات النوويّة والمستقبليّة لوسائل الدفع المقدّمة من المعهد الأمريكيّ للملاحة الجويّة والفضائيّة (AIAA) للعام ٢٠١٣.

ولقد اجتمعت مجلة تيك نيوز ديلي مؤخرًا بديفيس لمناقشة ورقته البحثيّة التي نُشرت في عدد مارس/أبريل من صحيفة الجمعية البريطانية للكواكب. شكّلت هذه الورقة البحثيّة الأساس لمحاضرة ديفيس في مؤتمر المركبات الفضائيّة الذي تنظّمه منظّمة إيكاروس إنترستيلار Icarus Interstellar في آب/أغسطس لعام ٢٠١٣.

يقول ديفيس: "إنّ الدليل على السفر أسرع من الضوء قد نُشِر منذ عقود، إشارةً إلى الورقة البحثيّة التي نشرها عام ١٩٩٢ الفيزيائيّ ميغيل ألكوبير Miguel Alcubierre. كلّ الوسائل التكنولوجيّة الفيزيائيّة التقليديّة للدفع النفّاث مقيّدةٌ بسرعاتٍ أقل من سرعة الضوء. واستخدام وسائل السفر أسرع من الضوء سيقلّل بشكلٍ كبيرٍ من الوقت والمسافة المطلوبَين للسفر عبر النجوم".

السفر أسرع من الضوء: مقدمة


قبل الخوض في دراسة ديفيس، إليك نبذةٌ سريعةٌ عن السفر أسرع من الضوء.

طبقًا لنظرية النسبيّة الخاصّة لأينشتاين، فإنّ أيَّ جسمٍ ذو كتلةٍ لا يمكن أن يتحرك بسرعةٍ مساويةٍ أو أسرع من سرعة الضوء. بالرغم من ذلك، يظن بعض العلماء أن هناك ثغرةً في هذه النظرية والتي يمكن استخدامها يومًا ما لتمكين البشر من السفر مسافة سنينٍ ضوئيةٍ خلال بضعة أيامٍ فقط. أما النظريات الحاليّة للسفر أسرع من الضوء تنص على أن السفينة الفضائيّة ليست هي التي تتحرّك بل الفضاء نفسه. فقد ثبت أن الفضاء مرنٌ، بل في الواقع، فإن الفضاء يتوسّع بثباتٍ منذ الانفجار العظيم The Big Bang. وعبر تغيير الفضاء حول السفينة بدلًا من تسريع السفينة نفسها لن تخرق هذه السفن الفضائيّة قوانين النسبيّة الخاصّة لأينشتاين، فالسفينة الفضائيّة نفسها لن تسير بسرعةٍ تفوق سرعة الضوء مقارنةً بالفضاء المحيط بها.

كما تتضمّن دراسة ديفيس نظريتَين أساسيتَين لكيفية السفر أسرع من الضوء، هما محركات الانحناءء warp drives والثقوب الدوديّة wormholes.

يكمن الاختلاف بين النظريتين في كيفية التلاعب بالفضاء في كلٍّ منهما. ففي حالة محرك الانحناء، فإنّ الفضاء أمام السفينة يتقلّص أو يصغر (ينكمش) بينما يتوسّع من خلفها، ممّا يخلق نوعًا من الموجة التي تحرّك السفينة نحو وجهتها. وفي حالة الثقب الدوديّ، فإنّ السفينة (أو ربما آليةٌ خارجيّةٌ) ستخلق نفقًا خلال نسيج الزمكان وبداخل النفق يوجد مدخلٌ ومخرجٌ للوجهة المحدّدة. ستدخل السفينةُ الثقبَ الدودي بسرعةٍ أقل من سرعة الضوء وتخرج في موقعٍ آخر قد يبعد العديد من السنوات الضوئيّة. ويصف ديفيس في دراسته مدخل الثقب الدوديّ على أنه "كرةٌ تحتوي على صورةٍ مطابقةٍ ولكن مصغرةٍ لكونٍ آخر أو لمنطقةٍ بعيدةٍ داخل كوننا منكمشةٍ جدًّا ومشوهةٍ أو متغيرةٍ".

يتخيّل محبو الخيال العلمي نظرية محركات الانحناء كما في سلسلة ستار تريك "Star Trek" وفيوتشراما "Futurama". ويتخيّلون نظرية الثقوب الدوديّة كما في فيلم ستارغيت "Stargate".

مرآة سحرية... على هيكل السفينة


والسؤال التالي هو عن كيفية صنع التغييرات في نسيج الزمكان والتي تسمح للمركبة بالسفر أسرع من الضوء؟

والإجابة: استنادًا إلى بعض التجارب الأوليّة فإنه من الممكن الوصول إلى التأثير المرغوب على الزمكان عن طريق إنتاج ما يُسمّى "الطاقة السالبة negative energy".

يمكن إنتاج المادة المضادّة في المختبر بواسطة ما يُسمّى بتأثير كازمير (casmir effect). تتمحور هذه الظاهرة حول فكرة أن الفضاء على عكس ما تصوّره الفيزياء الكلاسيكية ليس فارغًا. فطِبقًا لنظرية الكمّ فإن الفضاء مليءٌ بالتردّدات الكهرومغناطيسيّة. وعن طريق تغيير هذه التردّدات يمكن إنتاج الطاقة السالبة. ووفقًا لديفيس، فإن مرآة فورد-سافيتر Ford-Saviter تُعدّ واحدة من أكثر الطرق الواعدة لإنتاج الطاقة السالبة. وهي عبارةٌ عن جهازٍ نظريٍّ تتمثّل فكرة عمله في تركيز كلّ تردّدات الفضاء الكمومية على بؤرة المرآة.

يقول ديفيس: "تتولّد طاقةٌ سالبةٌ عندما تُركَّز هذه التردّدات في بؤرة المرآة"، ويضيف قائلًا: "يمكن الحصول على أنواعٍ مختلفةٍ من الطاقة السالبة التي يمكنها صنع ثقبٍ دوديٍّ يسع شخصًا بداخله، وباستخدام مرآةٍ أكبر، يمكنك صنع ثقبٍ دوديٍّ يسع سفينةً فضائيةً خلاله، فالمرآة قابلة للتطوير، هذا هو الجميل في الأمر".

يصف ديفيس هذا التركيب النظريّ لمرآة فورد-سفيتر الذي يسمح بالسفر أسرع من الضوء بقوله: "لخلق ثقبٍ دوديٍّ قابلٍ للاجتياز، يجب أن تكون هناك عدّة مرايا فورد-سفيتر مرتبةً في مصفوفةٍ منفصلةٍ لإنشاء الثقب، وتكون السفينة الفضائيّة نفسها مرفقةً بمرايا أخرى لتوسيع هذا الثقب الدوديّ إلى النجم المراد التوجّه إليه".

ولكن السؤال الأهم يقبع في كيفية الوصول إلى مخرج الثقب الدودي؟ يقول ديفيس: "لا نعلم بعد الإجابةَ على هذا السؤال، فنظرية النسبية العامة لأينشتاين لا تزوّدنا بإجابةٍ عن هذا السؤال". ويضيف ديفيس موضحًا بأن هذا هو الفرق بين مجالات الفيزياء والهندسة، فوفقًا لفهمنا الحاليّ للفيزياء، فإن من الممكن استهداف مخرج الثقب الدوديّ، ولكن لم يتوصّل المهندسين بعد إلى كيفية تحقيق ذلك.

"عرض مرئي... فريد من نوعه"


تناولت ورقة ديفيس البحثية مسألةً أخرى وهي كيفية قيادة مركبةٍ فضائيّةٍ تسير بسرعةٍ تفوق سرعة الضوء. يقول ديفيس: "إذا كنت بداخل ثقبٍ دوديٍّ، فإنك تتحرّك بسرعةٍ عاديةٍ وليس بسرعةٍ تفوق سرعة الضوء، ولكن رؤيتك لِما أمامك تنعدم وكذلك ملاحتك النجمية وذلك لانعدام النجوم حتى يمكن الاسترشاد بها في الملاحة".

يقول ديفيس إن الصورة الراسخة في أذهاننا عن السفر في الفضاء التي عُرضت في سلاسل الأفلام الناجحة مثل 'ستار تريك' و'ستار وورز' عن النجوم التي تمرّ بجانب السفينة مسرعةً هي ببساطةٍ صورةٌ غير دقيقةٍ "ذلك لأن الضوء المار خلال الثقب الدوديّ يتشوّه ويتشتّت، مما يجعل التجربة البصرية غير واضحةٍ تمامًا". ويكمن السبب في ذلك هو أن الطاقة السالبة اللازمة لإنشاء الثقب الدوديّ أو محرك الانحناء، تخلق قوة طردٍ تعمل على تشويه وحرف الضوء حول المركبة. وبذلك تصبح المركبات الفضائيّة التي تسير بسرعةٍ أسرع من الضوء غير قادرةٍ على تبيّن المحيط بها مما يجعلها غير قادرةٍ على تحديد موقعها وسيضطر رواد الفضاء إلى الاعتماد على برامجٍ حاسوبيةٍ معقّدةٍ لحساب موقعهم. يقول ديفيس: "ستحتاج عندها إلى حاسوبٍ خارقٍ مجهّزٍ بمعالجةٍ متزامنةٍ وسيقوم هذا الحاسوب بكل العمل اللازم، باستخدام بياناتٍ من آخر موقعٍ وتقدير الموقع الحالي".

تُعدّ هذه مسألة مثيرةً للقلق فيما يتعلّق بمحركات الانحناء، والتي تعيد تشكيل الفضاء أثناء تنقّلها، ولكن ليس فيما يتعلق بالثقوب الدوديّة التي يمكن اجتيازها والتي غالبًا ما ستُحدَّد مداخلها ومخارجها مسبقًا قبل بدء الرحلة. طبقًا لديفيس: "يمكنك أن تتحرك في اتجاهٍ واحدٍ فقط خلال الثقب، لذلك فليست هناك إمكانيةٌ لأن تضل الطريق". من المهم أيضًا أن يكون الكمبيوتر قادرًا على صنع نوعٍ من التمثيل البصريّ للرحلة الفضائيّة والموقع المكانيّ. ثم تُقدَّم هذه الصور وتُعرض في قمرة قيادة المركبة الفضائيّة حتى يتمكن الطاقم من رؤيتها ودراستها. يقول ديفيس: "سيُشبع ذلك حاجة النفس البشرية لفهم ما ستبدو عليه تغييرات النجوم المكانية في الوقت الحقيقي".

حيث لم يذهب أحد من قبل


كما تتضمّن ورقة ديفيس البحثية مبدأً هامًا مدعمًا بنظريةٍ علميةٍ مؤكدةٍ وهو أن السفر أسرع من الضوء هو إمكانيةٌ حقيقيةٌ ملموسةٌ. حيث يقترح القسم الأخير من الورقة تسع خطواتٍ تاليةٍ من شأنها دفع المجال نحو النماذج الهندسية والاختبارات العملية الأخرى لنظريات السفر أسرع من الضوء.

وتشمل هذه الخطوات تركيب وإنشاء محاكاةٍ حاسوبيةٍ لنموذجٍ وتأثير السفر أسرع من الضوء. كما دعا ديفيس لاستكشافاتٍ أكثر جديةً لمرآة فورد-سافيتر، والتي لا تزال عبارةً عن جهازٍ نظريٍّ إلى حدٍّ كبيرٍ. تعد هذه المرآة إحدى الطرق الممكنة لإنتاج الطاقة المضادة، ولا يزال هناك حاجةٌ لإجراء المزيد من الدراسات لتحديد ما إذا كانت هناك طرقٌ عمليةٌ أخرى لتحقيق نفس التأثير.

يصف ديفيس في ورقته البحثية عملية تطوير وتطبيق السفر أسرع من الضوء بأنها: "شاقةٌ من الناحية التقنية"، ولكنه أردف لاحقًا في حوارٍ له بأنه ليس لديه شكٌّ في أن السفر أسرع من الضوء لن يكون ممكنًا فقط في المستقبل، بل وأيضًا ضروريًا.

ويقول ديفيس: "الأرض معرضةٌ للفضاء الطبيعي والفضاء الخارجي وللكوارث البيئية، لذلك فإن الحياة على الأرض هشةٌ للغاية، وبقية الكواكب في نظامنا الشمسي غير مهيأةٍ للحياة عليها، لذلك نحن بحاجةٍ لإيجاد بديلٍ للأرض عن طريق استكشاف الكواكب خارج نظامنا الشمسي. هذا كله جزءٌ من نمو وتطوّر الجنس البشري".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات