الجسيمات الكمومية تأخذ الطريق الأكثر استخدامًا

وضع الفيزيائيون للمرة الأولى على الإطلاق، خريطة لمسار من المرجح أن تأخذه الجسيمات عندما تنتقل من حالة كمومية ما إلى حالة أخرى. في الفيزياء، يصف مفهوم يُعرف بـ (مسار الفعل الأصغر) المسار الذي من المرجح أن يقوم جسم ما باتباعه، بشكلٍ مشابه تمامًا لـ (مسار المقاومة الصغرى). على سبيل المثال، تتبع كرة قدم عند قذفها قوسًا على شكل قطع مكافئ عبر الهواء بدلاً من الدوران ضمن حلقات اعتباطية أو منعرجات.

 

ينتج هذا الأمر عن كون مسار القطع المكافئ يتطلب (أفعالاً) أقل من المسار المتعرج، أو المسار الحلقي. على أية حال، لا يعرف الفيزيائيون فيما إذا كانت الجسيمات الكمومية، مثل الإلكترونات أو النترونات أو الفوتونات، ستخضع للقاعدة نفسها. يبدو أن الكثير من القواعد الكلاسيكية في الفيزياء لا يُمكن تطبيقها على تلك الجسيمات الصغيرة. بدلاً من ذلك، تخضع تلك الجسيمات إلى مجموعة غريبة من القواعد الموجودة في ميكانيك الكم، لدرجة أن اينشتاين دعاها بـ (الشبحية).

 

يمكن للجسيمات الكمومية أن تكون في حالات حيث تتواجد بأماكن متعددة في نفس الوقت – تعرف هذه الظاهرة بالتراكب. تصف معادلة رياضية تُعرف بالدالة الموجية المواقعَ العديدة المحتملة التي يُمكن لجسيم كمومي التواجد فيها خلال الوقت نفسه. لكن حالما يحاول أحد الأشخاص القيام بقياس موقع أو سرعة أحد تلك الجسيمات، تنهار الدالة الموجية ويظهر الجسيم في بقعة واحدة، ليخضع من جديد إلى قوانين الفيزياء التقليدية. يجعل هذا الأمر من دراسة ميكانيك الكم أمرًا صعبًا للغاية، لأنه ما أن يبدأ العلماء بالقياس، تنهار الحالات الكمومية للجسيم.

 

على أية حال، طور الفيزيائيون طريقةً من أجل عزل العالم الكمي الغريب والإبحار فيه بشكل حيادي، يسمح هذا الأمر بوضع خريطة للمسار الذي من المرجح أن تختاره الجسيمات عندما تنتقل من حالة إلى أخرى. يقول أندرو جوردن لمجلة لايف ساينس(LiveScience) الإلكترونية -فيزيائي من جامعة روشستر، وهو من عمل على النظرية الأساسية: ''تُعتبر القدرة على القيام بمراقبة الأنظمة الكمومية قفزة هائلة. نحن الآن بصدد الكشف عن فيزياء جديدة''. طور جوردن النظرية، وجلب الفكرة إلى الفيزيائيين التجريبيين في جامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة واشنطن في سانت لويس وقام أيضًا بالمساعدة في تأسيس التجارب اللازمة من أجل اختبارها. في حين قام كاتر ميرتش -بروفسور في الفيزياء من جامعة واشنطن، برسم المسارات المحتملة والتي يُمكن لجسيم ما أن يأخذها.

 

بعد ذلك، طلب من فريق البحث أن يحدد المسارات التي يعتقد أنه من المرجح جدًا للتجربة أن تكشف عنها. صرح ميرتش لموقع لايف ساينس: ''كلنا خبراء، لكن لم يتفق اثنين على مسار واحد، ليست لدينا أي فكرة عن كيفية انتقال حالة كمومية ما إلى أخرى''. استخدم الفريق جهاز كمومي فائق الناقلية –وهو بشكلٍ أساسي عبارة عن صندوق مصنوع من النحاس. وفقاً لميرتش، تمت محاكاة النظام انطلاقًا من الذرة، فهو يتمتع بمستويات كمومية متعددة كما في حالة الذرة، كما أنه في بعض الأحيان يُشار إليه بتعبير (ذرة صناعية).

 

أطلق الباحثون مجرى من الجسيمات ذات الموجات الصغرية إلى الصندوق، فتفاعلت الجسيمات مع الدارة فائقة الناقلية وبعدها انعكست إلى الخارج. على طول الطريق، انتهت الجسيمات إلى: إما الحالة القاعدية (حالة الطاقة الدنيا) أو إلى حالة مثارة (أي حالة تتمتع بمستوى طاقي أعلى من الحالة القاعدية). يُوجد عدد لانهائي من التراكبات بين هذه الحالات، بحيث أن الباحثين قد أعادوا التجربة مليون مرة من أجل أن يقدروا المسار الأكثر شيوعاً.

 

في النهاية كشفت النتائج أن المسار الأكثر ترددًا لدى الجسيمات كان المنحني المحدب. يقول جوردن: "المعادلة بسيطة ومن السهل نسبياً القيام بحساب المسار الأكثر ترجيحاً لدى الجسيمات''. يقول ميرتش أن نتائج التجربة يُمكن أن تكون خطوةً نحو "الكأس المقدسة" للكيمياء –أي زيادة فعالية التفاعلات الكيميائية إلى الحدود القصوى. ويضيف: ''جوهرياً، يغير تفاعل كيميائي ما من الحالات الكمومية وينقلها بين بعضها البعض. ربما يساعد فهم هذا الإجراء الكيميائيين على إنتاج تفاعلات كيميائية أكثر فعالية''؛ ووفقاً لجوردن، ربما يقود هذا البحث في يومٍ ما إلى طريقة من أجل تحكم الفيزيائيين بشكلٍ مباشر بالأنظمة الكمومية.

 

تم نشر التفاصيل المتعلقة بالتجربة في عدد 31 يوليو/تموز من مجلة نايتشر Nature.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات