العِلم وراء الخيال: أين نحن من روبوتات عالم مسلسل Westworld؟

هل تحلم الروبوتات بقيام ثورة عنيفة ضد مُخترعيها ومُتداوليها البشريين؟

هذه إحدى الأسئلة التي يحاول مسلسل Westworld من شبكة HBO اكتشافها، فيستند المسلسل إلى فيلم أُنتج في عام 1973 والذي يحمل نفس الاسم (كتبه وأخرجه مؤلف فيلم Jurassic Park  المؤلف مايكل كريشتون Michael Crichton إلا أن المسلسل التلفزيوني من ابتكار جوناثان نولان Jonathan Nolan (شقيق كريستوفر نولان Christopher) وزوجته ليزا جوي Lisa Joy، فتدور أحداثه في المستقبل (30 عاما من الآن، على وجه التحديد) حيث مدينة الملاهي المليئة بالروبوتات المتوفرة لتلبية أكثر الشرور والملذّات البشرية.

ويستورلد Westworld هو واحد من هذه المنتزهات التي أنشأتها مؤسسة ديلوس Delos Incorporated، والذي تم إعداده في نسخة رومانسية من الغرب الأمريكي القديم مليئةٌ برعاة البقر، والهنود، والخارجين عن القانون، وناهبي القطارات. تشغل الروبوتات الشبيهة بالإنسان أو "المضيفين" هذا المنتزه ويمكن أن يساء استخدامها من قبل زبائن الحديقة البشريين أو "الضيوف" من دون أي تردد، لكن هناك مشكلة واحدة صغيرة: اكتسبت تلك الروبوتات الشعور بالوعي في نهاية الموسم الأول وبدأت في قتل أسيادها من البشر بدون عقاب. يأتي الموسم الثاني عندما يكون التمرد على قدم وساق بقيادة دولوريس أبرناثي Dolores Abernathy الممثلة إيفان راشيل وود.

تحدثنا مع ديفيد إيجلمان David Eagleman، عالم الأعصاب المشهور عالميًا (والذي يعمل كمستشار علمي للمسلسل) حول العِلم الحقيقي وراء آلة الفوضى وهو أستاذٌ مساعد في جامعة ستانفورد ومؤلف للعديد من الكتب حول العقل البشري مثل "التخفي: الحياة السرية للمخ " Incognito: The Secret Lives of the Brain، عرفنا إيجلمان إلى عدة مفاهيم يطرحها ويستوورلد أسبوعيًا وكذلك مدى الدقة العلمية التي أرادها مُنتجو وكتاب المسلسل.

ما مدى قربنا من ابتكار مستوى الذكاء الاصطناعي في ويستوورلد؟

لم يترك إيجلمان مجالا للشك أو الجدل بإجابته: "نحن لسنا قريبين حتى بالكاد. يحصل الذكاء الاصطناعي على الكثير من الاهتمام لأشياء مثل لعبة AlphaGo  والتغلب على بطل الشطرنج ولتمكنه من تصنيف مليارات الصور بشكل سريع للغاية، ولكن بشكل أساسي، الشيء الذي يُعد الذكاء الاصطناعي جيداً فيه حقًا في الوقت الحالي هو "التصنيف" فقط، مثل؛ هذه صورة قطة بينما هذه صورة كلب، على الرغم من أنه يتفوق على قدرة البشر في التصنيف، إلا أنه لا يمكنه فعل أشياء مثل التنقل في غرفة معقدة والتقاط الأشياء بسهولة والقيام بالتلاعب الاجتماعي باللغة".

برأي إيجلمان، ما يفتقده الذكاء الاصطناعي حقًا هو القدرة على توظيف ما تعلمه في تجارب سابقة واستخدامه في حالات جديدة، فعلى نحو ما الحاسوب الأكثر تطورًا لا يُضاهي حتى ذكاء طفل في سن الحبو.

يضيف إيجلمان: "أستطيع أن أُري فتاة بعمر الثالثة فاكهة البابايا، وأقول لها هذا بابايا وستتذكر الفتاة لاحقًا أن هذه الفاكهة هي البابايا، لهذا لايزال هناك فراغٌ كبير بين ما يستطيع فعله العقل البشري وما يستطيع فعله حتى الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورًا في هذه الأوقات.

هل ستصل الروبوتات إلى مرحلةٌ تعتبرنا فيها أقل شأنًا وتنتفض ضدنا؟

وفقًا لإيجلمان، هناك رأيان في هذه المسألة، تعتقد المجموعة الأولى بأنه إذا أصبح الذكاء الاصطناعي قريباً أو مساوياً لذكاء للبشر على مدى العقود القليلة القادمة فإن حدوثه سيكون له علاقة بتوسيع نطاق التكنولوجيا التي لدينا الآن. يعتبر إيجلمان نفسه مُناصرًا للمجموعة الأخرى، والتي تقول أن فكرة أن يصبح الذكاء الاصطناعي نظيرًا للبشر تحتاج إلى أن نبدأ بالتفكير في الوعي وما يعنيه أن تكون إنسانًا، بطريقة مختلفة تمامًا.

يضيف إيجلمان: "نحتاج إلى استكشاف طرق وأساليب جديدة تمامًا للتفكير بإمكانية إنشاء تلك الأشياء التي تمتلك رغباتها ودوافعها الخاصة للاهتمام بأشياء مثل التحضير لثورة ما".

وأضاف البروفيسور أيضاً أن العقل هو في الأساس عبارة عن مجموعة من العوامل المُتناقضة التي تجعل قضية وعي الآَلات أكثر تعقيدًا. فهل من المنطقي بناء روبوت مع تلك الشكوك، والمخاوف، والندم، وباقي المشاعر؟ من شأن ذلك أن يجعله أقل كفاءة، ولكن إذا كنت تريد أن تجعل الذكاء الاصطناعي مطابقاً لنا، عليك أن تُزينه بكل الصفات التي تجعلنا بشرًا.

تخيّل شخصاً يقوم بوضع طبق من رقائق الشوكولا أمامك. من ناحية ما تُريد أن تأكلها، لكن جزءًا آخر من عقلك يعوقك لأنك تعرف أنها غير صحية، ثم الجزء الأول من يُبرم صفقة، فيَعد أنك سوف تذهب إلى الصالة الرياضية إذا أكلت منها. هذه الصراعات الداخلية مهمة جدًا بخصوص ما نراه على أنه شعور بالذات، ومع ذلك تبدو وكأنها عيوب عند برمجتها إلى آلة ما.

ويضيف إيجلمان: "عندما تحدثت مع جوناثان وليزا، لم يكن واضحًا ما إذا كان لدى "المُضيفين" نفس النوع من هذه الصراعات الداخلية، ولكن بعد ذلك أدركنا أن هذا هو بالضبط ما يحدث مع هؤلاء المضيفين، على سبيل المثال، عندما تصل ميڤ Maeve إلى القطار في نهاية المطاف لتترك الحديقة، لديها الحرية التي تجرُها في اتجاه ما تريده حقًا. ولكن لديها أيضًا ذكرى ابنتها التي تشدها في الاتجاه الآخر، وفي النهاية تنزل ميڤ من القطار بصحبة هذه الصراعات الداخلية، التي من البشري جدًا امتلاكها. لكن هذه ليست الطريقة التي نبرمج بها الذكاء الاصطناعي حاليًا، لا أحد يبني ذكاءً اصطناعياً يقول "آه، أنا حائر حقًا، هل أفعل هذا أو ينبغي أن أفعل ذلك؟". الأمر رائع نوعًا ما، إن بنيت الآلات (مزودة بصراع داخلي)".

 

ما الصعوبة في استنساخ دماغ الإنسان؟

يجيب إيجلمان: "يقبع التحدي الأول في أن العقل البشري هو أعقد شيء على وجه الكرة الأرضية، والسبب الثاني هو أننا حتى هذا اللحظة لا نعرف تحديدًا كيف يعمل. هناك العديد من الجزئيات والتسلسلات الفرعية الصغيرة التي نعمل عليها جميعنا، لكن إذا أخبرك أحدهم أنه يعلم كيف يعمل العقل البشري، فهو كاذب". لتشغيل مجموعة وظيفيّة من العقل البشري، يجب عليك إجراء مسح حقيقي للدماغ على مستوى مجهري ومن ثم إعادة تجميع كل شيء، يبدو الأمر بسيطاً بما يكفي أليس كذلك؟ هُنا تكمن المشكلة، فوفقًا لإيجلمان: "لقد تبين أن هذه العملية تأخذ مقدار زيتابايت واحد من القدرة الحاسوبية، وهو ما يعادل إجمالي القدرة الحاسوبية للكوكب كله في الوقت الحالي".

مجددًا، هناك أراءٌ مختلفة حول أفضل وسيلة لمحاكاة الطريقة التي يفكر بها العقل البشري، إذا استطعنا أن نفهم ما يجعله مميزًا على أكثر المستويات بدائية، سيكون عالم Westworld قريبًا من الافتتاح بالقرب منك، هنا قارن إيجلمان هذا بالكيفية التي اكتشف بها الإنسان الطائرة، فإذا نظرت إلى طائر وفهمت مبادئ الديناميكا الهوائية لن تحتاج إلى بناء أجنحة ريشية، إنما يمكنك بناء شيء يتبع نفس المبادئ العلمية التي يتبعها تحليق الطائر. ويجري لدينا الآن تطبيق نهجٌ مماثل لتطوير الذكاء الاصطناعي.

يكمل إيجلمان: "يحاول سباق الذكاء الاصطناعي على نحو ما، معرفة ما إذا كان بإمكاننا تفادي كل هذه الأجزاء البيولوجية اللزجة (الدماغ) ومعرفة ما هي مبادئ الذكاء وجمعها معًا. عُلِّقَت على ذلك أمال كثيرة في الستين عاماً الأخيرة، لكن إلى حد الأن لم ينجح الأمر... لا تزال هناك فجوةٌ هائلة بين عمل الأدمغة البشرية وما يمكن أن يقوم به حتى أفضل ذكاء اصطناعي موجود حاليًا."

 

ما مدى الدقة العلمية التي أرداها منتجو المسلسل؟

كما اتضح أرادو دقة عالية، بالنظر إلى حقيقة ان إيجلمان خاض مناقشة لست ساعات مع نولان وجوي وغرفة الكتّاب حول امتلاك الروبوتات الإرادةَ الحرة.

على غرار ما فعله صانع الأفلام والمخرج ستيفن سبيلبرغ قبل تصوير فيلم Minority Report  في بدايات عام 2000، أراد مسؤولو المسلسل بالفعل من التكنولوجيا المعروضة أن تكون أشياءً قابلة للتطبيق ويمكننا تحقيقها على أرض الواقع خلال العقود الثلاثة القادمة.

يتابع إيجلمان: "كان الشكل الذي يجب لأدمغة المضيفين أن تبدو عليه أحد الأسئلة المطروحة، لأن من الواضح أن أدمغتهم لا تُصنع من اللحم. ولذلك، فإن الأمر يتطلب تكوين تكنولوجيا مستقبلية جديدة غير متوفرة حتى الآن، والتي يجب أن تكون مرتبطة بما يمكن أن يكون واقعيًا ... فتدور أحداث المسلسل بعد 30 عامًا من الأن، لذا فهم دائمًا يبحثون عن أشياء تعتبر نوعًا من التكنولوجيا المستقبلية التي يمكن أن تكون ذات فائدة".

في الواقع، اخترع إيجلمان شيئًا جديدًا في مختبره، والذي سيتم استخدامه في الموسم الثاني، لكن لم يصرح عن ماهيته خوفًا من حرق أحداث المسلسل، لكنه وعد بأن له علاقة بالمتعاقدين العسكريين اللذين جلبتهم ديلوس للقضاء على انتفاضة الروبوتات.

يقول إيجلمان: "أعتقد أنه سيكون من المسموح أن أقول إنه شيء يرتديه المتعاقدون العسكريون الخاصون، قطعةٌ من التكنولوجيا تسمح لهم بالعمل بشكل أفضل، فعندما كنا نتخيل ما يرتديه العسكريون بعد 30 سنة في المستقبل، هذه كانت الإجابة."

واحد من أكثر الأشياء بعيدة المنال التي تعرض في المسلسل؟

من الطريف أن الشيء الذي يجده إيجلمان أكثر منافاة للعقل في المسلسل من وجهة نظرة علمية ليس له علاقة بالعقل أو الوعي، في الحقيقة له علاقة بالموسيقى. فيقول: "هناك عيبٌ صغير لا أعتقد أنهم يمانعون في أن أقوله، هو مُشغل البيانو، ففي الغرب القديم، كان البيانو يعزف بواسطة شخص يجلس هناك ويضغط مفاتيح البيانو لأنه، بطبيعة الحال، لم يكن هناك كهرباء، الجزء المثير للسخرية هو أن البيانو يعزف بنفسه في الغرب القديم".

في الموسم الماضي، عُزف بالبيانو موسيقي لأحدث الأغاني مثل Black Hole Sun من Soungarden، وNo Surprises من Radiohead، وكذلك Paint it Black من The Rolling Stones، هذا فقط لإخبارنا أننا في المستقبل

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الثقب الاسود (Black hole): جسمٌ جاذبيته قوية إلى درجة لا يمكن معها حتى للضوء الإفلات منه.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات