هل يمكن للتغيُّر المناخي أن يتسبب في انقراض البشر؟

تصور افتراضي لشخص يشاهد محاكاة للتغير المناخي. حقوق الصورة: boscorelli/Shutterstock.com


 

هناك أخبار جيدة وسيئة.

نحن نعيش آثار التغير المناخي من درجات حرارة متزايدة، وأعاصير أكثر قوة، وفيضانات شديدة وموسم حرائق غابات أطول وأشد من ذي قبل. يحذر العلماء من أن تجاهل هذه التغيرات المناخية سيؤدي بالضرورة إلى معاناة لا توصف للبشرية. إذا كانت الأمور ستصبح بهذا السوء، فهل من الممكن أن يتسبب التغيُّر المناخي انقراض البشر؟

يتوقعُ العلماءُ مجموعة من السيناريوهات المُدمِرة إذا لم يُسيطَر على التغير المناخي، لكن توجد بعض الأخبار السارة لو أخذنا بعين الاعتبار الآثار المباشرة فقط.. من غير المحتمل أن يتسبب في انقراضنا.

قال مايكل مان Michael Mann وهو أستاذ بارز في علوم الغلاف الجوي في جامعة ولاية بنسلفانيا ومؤلف كتاب "حرب المناخ الجديدة: القتال لاسترجاع كوكبنا" لموقع Live Science عبر البريد الإلكتروني: "لا يوجد أي دليل عن سيناريوهات تغير المناخ التي من الممكن أن تتسبب قي انقراض البشر".

ومع ذلك، تُفضِي بعضُ الأبحاثِ إلى إنه من الممكن أن يظل تغير المناخ تهديدًا لحياة مئات الملايين من البشر، وذلك بالتسبب في نقص المياه والغذاء مثلًا، والذي من الممكن أن يسبب انهيارًا مجتمعيًا وأن يمهد لصراع عالمي.


هل فات الأوان؟


يتسبب البشر في زيادة كمية الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان نتيجة حرق الوقود الأحفوري وغيره من الأنشطة. تَحبِسُ هذه الغازات الحرارة القادمة من الشمس داخل الغلاف الجوي، مُسببةً ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتغير المناخ بشكل أسرع من الطبيعي، مما يعرض البشرية للخطر.

قد يكون تأثير الاحتباس الحراري الجامح الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها لآثار التغير المناخي أن تتسبب في انقراض البشر بشكل مباشر، وفقًا للوك كيمب Luke Kemp، وهو باحث مشارك في مركز دراسات الأخطار الوجوديَّة في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة.. يحدثُ هذا التأثير عندما يقع الكوكب في حلقة متكررة من ارتفاع درجات الحرارة ويمتص حرارة أكثر مما يخسر، إلى أن تتبخر محيطات الكوكب ويصبح الكوكبُ بالتبعية غيرَ صالحٍ للحياة.

يقول براين كان Brian Kahn، وهو باحث في مختبر الدفع النفاث بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا أنه ولحسن الحظ، ليس الاحتباس الحراري الجامح بسيناريو معقول للتغير المناخي على الأرض، فحتى يحدث هذا التأثير، يحتاج الكوكب لمستويات من ثاني أكسيد الكربون تصل إلى ألفي جزء لكل مليون (تمتلك الأرض حوالي 400 جزء لكل مليون) أو لانبعاثات هائلة من غاز الميثان، ولا يوجد أي دليل على وجود لذلك على الأرض حاليًا.

ذكر موقع Live Science سابقًا أن الاحتباس الحراري المُفاجِئ يحدث في كوكب الزهرة، لكنها أقرب بكثير إلى الشمس وتمتلك غلافًا جويًا أكثر سماكةً وغنيًا بثاني أكسيد الكربون والذي يَحبِسُ الحرارة أكثر منه على الأرض. إن سيناريوهات الانقراض المُفاجِئ غير مدعومة علميًا، على الرغم من أن جماهير الهلاك المناخي يدَّعُونَ ذلك عادةً. يقول مان: "لا يوجد أي سبب لتضخيم التهديد المناخي. الحقيقة سيئة بما فيه الكفاية، وهي مبررُ كافٍ لاتخاذ إجراءات جذريَّة".

صورة بعدسة عين السمكة لكوكب الأرض. حقوق الصورة: Getty / Nuttawut Uttamaharad / EyeEm
صورة بعدسة عين السمكة لكوكب الأرض. حقوق الصورة: Getty / Nuttawut Uttamaharad / EyeEm


وفقًا لمان، فإن ازديادًا في درجات الحرارة العالمية لما مقداره 5,4 درجة فهرنهايت (3 درجات مئوية) أو أكثر يمكن أن يؤدي إلى انهيار البنية التحتية لمجتمعاتنا واضطرابات وصراعات هائلة ستؤدي بدورها إلى مستقبل مشابه لأفلام الديستوبيا التي تصنعها هوليوود.

ذكر موقع Live Science سابقًا أن إحدى الطرق التي يمكن للتغير المناخ أن يسبب بها انهيارًا مجتمعيًا هي انعدام الأمن الغذائي؛ حيث إن ارتفاع درجة حرارة الكوكب له مجموعة من الآثار السلبية على إنتاج الطعام، كازدياد نقص المياه، والذي يقلل من حصاد المحاصيل. يمكن للنقص في إنتاج الطعام أن يسبب زيادةً في عدد وفيات البشر وخسائرَ اقتصادية وزعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وبالإضافة لعوامل أخرى، قد يسبب هذا انهيارًا لمؤسساتنا ويزيد من خطر الانهيار المجتمعي، وفقًا لدراسة نُشرِت في 21 شباط/فبراير في مجلة Climate Change.


انهيارات وانقراضات الماضي


يدرس كيمب انهيارات الحضارات السابقة وخطر التغير المناخي. "تنطوي الانقراضات والكوارث بشكل دائم تقريبًا على عدة عوامل"، يقول كيمب. لكنه يعتقد أن التغير المناخي سيكون غالبًا المُسبِبُ الرئيسي في حال انقراض البشر.

قال كيمب: "إذا توجَّب عليَّ ذِكرُ ما أعتقد أنه أكبر مُساهِم في احتمالية انقراض البشر في المستقبل، فسأختار التغير المناخي بلا شك".

لقد تضمنت جميع حوادث الانقراض الجماعي الكُبرَى في تاريخ الأرض نوعًا ما من التغير المناخي، وفقًا لكيمب، كانخفاض درجات الحرارة في الانقراض الأوردوفيشي-السيلوري منذ 440 مليون سنة تقريباً والذي محى حوالي 85% من الأنواع الحية، وارتفاع درجات الحرارة في الانقراض الترياسي-الجوراسي منذ 200 مليون سنة تقريباً والذي قضى على حوالي 80% من الأنواع الحية. وفي وقت أحدث، أثر التغير المناخي على مصير أقارب البشر الأوائل.

بينما من الواضح أن الإنسان الحديث لم ينقرضْ، يقول كيمب: "نحن نمتلك سجلات لأنواع بشرية انقرضت، كإنسان نياندرتال. ويبدو مجددًا أن التغير المناخي يلعبُ دورًا ما في كل من هذه الحالات".

لا يعلم العلماء سبب انقراض النياندرتال منذ 40,000 سنة، لكن يبدو أن التقلبات المناخية قد قسمت تجمعاتهم إلى مجموعات مُتفرِقَة أصغر، بالإضافة للتغيرات الشديدة في درجات الحرارة والتي أثرت على النباتات والحيوانات التي اعتمدوا عليها كمصدر للغذاء، وفقاً لمتحف التاريخ الطبيعي في لندن. ذكر موقع Live Science سابقًا أنه من الممكن أن نقص الطعام قد أدى أيضًا لانخفاض ضئيل في معدلات خصوبة النياندرتال، مما ساهم في انقراضهم.

نسخة عن إنسان نياندرتال ذكر في متحف التاريخ الطبيعي بلندن. حقوق الصورة: Chettaprin.P/Shutterstock.com
نسخة عن إنسان نياندرتال ذكر في متحف التاريخ الطبيعي بلندن. حقوق الصورة: Chettaprin.P/Shutterstock.com


لقد لَعِبَ تغيرُ المناخِ دورًا في انهيار حضارات بشرية قديمة أيضًا. على سبيل المثال، ساهم الجفاف الذي دام 300 عام في سقوط اليونان القديمة قبل حوالي 3,200 عام، غير أن اختفاء النياندرتال وانهيار الحضارات ليس كانقراض البشر. ففي نهاية المطاف، لقد نجا البشر من تقلبات المناخ في الماضي، وهم يعيشون حالياً في جميع أنحاء العالم على الرغم من انهيار وقيام العديد من الحضارات.

لقد أثبت الإنسان الحديث أن له قدرة عالية على التأقلم والتعايش مع مناخات عديدة سواء أكانت حارة أو باردة أو جافة أو رطبة. فبإمكاننا استخدام الموارد من العديد من النباتات والحيوانات ومشاركتها مع المعلومات، لتساعدنا على الاستمرار في عالم متغير، وفقًا لمتحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي.

نعيش اليوم في حضارة عالمية مترابطة، لكِنْ هُناكَ سببًا لنعتقد أنه بإمكان جنسنا النجاة من انهياره. حيث حددت دراسة نشرت في 21 تموز/يوليو في مجلة Sustainability البلدان التي يُرجَحُ أن تنجو من انهيار مجتمعي عالمي وتحافظ على أسلوب حياتها المُعقَد. اُختِيرَت خمسُ بلدانِ جزريَّة من ضمنها نيوزيلندا وإيرلندا، حيث أنها يمكن أن تظل صالحة للسكن من خلال الزراعة، نظرًا لدرجات حرارتها المنخفضة نسبيًا، وقلة تقلبات طقسها وغيرها من العوامل التي تجعلها أكثر قدرةً على تحمل تغيُّر المناخ.


الانقلاب على أنفسنا


يبقى السيناريو الأخير الذي يتطلب النظر فيه هو الصراع الناجم عن المناخ. يقول كيمب أنه في المستقبل، يمكن لندرة الموارد نتيجةً لتغير المناخ أن تُهيئ الظروفَ لحروب تُهدِد البشرية، حيث قال: "هناك أسباب تدعو للقلق، لأنه كلما جفت موارد المياه وأصبح النقص في الموارد أسوأ، وأصبحت ظروف المعيشة العامة أسوأ بكثير، يصبح احتمال تهديد نشوب حرب نووية فجأةً أعلى بكثير".

وبعبارة أخرى، قد لا تؤدي تأثيرات تغير المناخ إلى انقراض البشر بشكل مباشر، لكنها يمكن أن تؤدي لأحداث تعرض مئات الملايين، إن لم تكن المليارات، من الأرواح للخطر الشديد. وجدت دراسة نشرت عام 2019 في مجلة Science Advances أن صراعًا نوويًا بين الهند وباكستان فقط، بجزء صغير من الأسلحة النووية في العالم، قد يؤدي لمصرع 50 إلى 125 مليون شخص في هذين البلدين فقط! كما ستُغيرُ الحربُ النووية المناخَ، كهبوط درجات الحرارة نتيجة للدخان الذي سيملأ الغلاف الجوي بسبب احتراق المدن، مما يهدد إنتاج الطعام حول العالم واحتمال التسبب بمجاعات واسعة.

ما التالي؟

قد لا يبدو تجنب انقراضنا الكامل بالشيء الكثير، إلا أن هناك سببًا للأمل. حيث يقول الخبراء أن الوقت لم يتأخر كثيرًا لتفادي أسوأ السيناريوهات إذا قللنا انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير.

يقول مان: "والأمر متروك لنا، فإذا فشلنا في تقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير في العقد القادم، فمن المرجح أننا سنُزِيد من سوء الأحوال المناخية المتطرفة والخطيرة أصلًا، بالإضافة لغمر الخطوط الساحلية حول العالم بسبب ذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر، والمزيد من الضغط على الموارد المحدودة نتيجة للنمو السكاني المترافق مع نقص الطعام والمياه والمساحات بسبب آثار التغير المناخي. فإذا تصرفنا بجُرأَة الآن، يمكننا تجنب أسوأ التأثيرات".

نشرت هذه الدراسة أولًا في موقع Live Science.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات