أوّلُ عمليّةِ تسليمٍ للفولاذِ الصّديقِ للبيئة، تُشيرُ إلى أنَّ مستقبلهُ ليسَ بعيدَ المنال.

قد يبدو مُصطلحُ "الفولاذِ الصّديقِ للبيئة" وكأنّه تناقضٌ لفظيّ، لكنّها عبارةٌ ستسمعها كثيراً في السنواتِ القليلةِ المقبلة.

في العامِ الماضي، سُلّمت أوّل دُفعةٍ في العالمِ من الفولاذِ الخالي من الكربون إلى شركة الشّاحنات AB Volvo في السّويد.

إنّها مجرّد عيّنةٍ تجريبية، ومن المُسلّم به أنّها عبارةٌ عن حيلةٍ إعلاميّة، لكنّ فولفو تقولُ أنها طالبتْ بالمواد، لبدءِ إنتاجِ أسطولٍ جديد من المركبات المصنوعة من الفولاذِ الصّديقِ للبيئة.

وفقاّ لـ SSAB، وهي شركةُ صناعةِ الفولاذ السّويدية المسؤولة عن الفولاذِ الصّديقِ للبيئة، يُعدُّ هذا الحدثُ "خطوةً مهمَّة نحو صناعةِ فولاذ غير أُحفوري -أي من المنجم- إلى الفولاذ النهائي مباشرة".

صُنعت HYBRIT، أو تقنية صناعة الحديد بالهيدروجين، من خلالِ مشروعٍ مُشتركٍ بين SSAB و Vattenfall وشركةِ التّعدين الحكوميَّة LKAB.

إنّه أحدُ المشاريعِ الأولى في العالم، لمحاولةِ استخدامِ الهيدروجين المتجدّد لإنتاجِ الفولاذِ الصّديقِ للبيئة في مصنع تجريبي في مدينة Lulea الشّمالية، ويبدو أنَّهُ ناجح.

بحلول عام 2026، يكمنُ الأملُ في إظهارِ ما يمكن أن تقوم به HYBRIT على نطاقٍ صناعيّ، وبالنظرِ إلى أن SSAB تُنتج حالياً 10% من انبعاثات الكربونِ في السّويد، فإنّ عواقبَ ذلك، قد تكون هائلة.

ويقولُ مارتن ليندكفيست Martin Lindqvist، الرئيسُ والمديرُ التنفيذيّ لشركةِ SSAB في تصريحٍ له: "إن أوّل فولاذٍ غير أُحفوري في العالم، ليس فقط خطوة عظيمة لـ SSAB، بل إنّه يمثِّلُ دليلاً على أنَّهُ من الممكن إجراءُ الانتقالِ والتغيير وتقليلُ البصمةِ الكربونيَّةِ العالميَّةِ لصناعةِ الفولاذِ بشكلٍ كبيرٍ، نَأملُ أن يُلهِمَ هذا الآخرين الرَّغبةَ أيضاً في تسريع التحوُّلِ والتغيير البيئيّ.

تُنتج الصناعاتُ وخاصّةً صناعة الصّلب انبعاثاتٍ كبيرة، ولكنَّها أيضاً جزءٌ مهمٌ من الحل".

مثلَ الأسمنت، يُعدُّ الفولاذُ إحدى تلك المواد، التي لا تلاحظُ أنها موجودةٌ في كل مكان حولك، إلى أن تبدأَ البحث عنها.

بعد ذلك، ستجدها في كلِّ مكان: إنَّها على مائدة العشاء على شكل أدوات مائدة، وفي عجلاتِ الرّياح على التّل، وفي الجسورِ التي تعبرها كلَّ يوم، وفي المباني التي تدخلها، وفي السياراتِ التي تقودها، وفي عُلبِ الطعامِ التي تشتريها.

يتطلَّبُ الفولاذُ الكثيرَ من الطّاقةِ لصنعهِ،في المتوسِّط، يتطلَّبُ كلُّ طنٍّ من الفولاذِ حوالي طنينِ من ثاني أُكسيدِ الكربون على مستوى العالم.

في كلِّ عام، يُمثّل إنتاجُ الصّلب أكثرَ من 7% من انبعاثاتِ غازاتِ الاحتباسِ الحراريّ في العالم، وهو ما يزيدُ قليلاً عن انبعاثاتِ جميعِ السيّاراتِ في العالم.

بحلولِ عام 2050، ستكونُ صناعةُ الصّلب وحدها في طريقها للحصولِ على 50% من ميزانيةِ الكربون اللازمةِ للحفاظِ على الاحترارِ على 1,5 درجة مئويّة، مما يعني أنَّها مكانٌ رائعٌ للبدءِ عندما يتعلق الأمر بخفضِ انبعاثاتنا الكربونيّة.

بالرغمِ من أنّ الفولاذَ يتمتَّعُ بواحدٍ من أعلى معدلاتِ إعادةِ التدويرِ في العالم، إلّا أنّ هناك حاجة لصُنعِ فولاذٍ جديدٍ لتلبيةِ الطَّلب، فإذا تمكنّا من القيامِ بذلك بطريقةٍ أكثرَ حرصاً على البيئة، فبإمكانِنا تحقيقُ تقدّمٍ كبيرٍ نحو أهدافنا المناخيَّة.

اليوم، تُصنَع الغالبيةُ العُظمى من الفولاذِ في أفرانِ صَهر، وغالباً ما تستخدم عمليّة تعتمدُ على الفحم، وتؤدي إلى انبعاثاتِ ثاني أُكسيد الكربون، ويمكن إدخالُ الهيدروجين في هذه العمليّة لتقليلِ هذه الانبعاثات.

لقد بدأَ استخدامُ طاقةِ الهيدروجين لتوليدِ الكهرباء وتشغيل المركبات في بعض أجزاءِ العالم، لكنّ معظمَ الهيدروجين المُستخدَم في تكريرِ النِّفط وإنتاج المواد الكيميائيّة يأتي من الوقود الأُحفوري، في الولايات المتحدة، يأتي الهيدروجين في الغالبِ من الغاز الطبيعيّ.

كلّ هذه الطُرق تُنتِج الانبعاثات، ولكن هناك بدائل أكثر مراعاة للبيئة.

حيثُ يمكن أيضاً صُنع الهيدروجين من طاقةٍ نظيفة، إذا كانت الكهرباءُ القادمةُ من عجلاتِ الرّياح أو الألواحِ الشّمسيّة تفصلُ الهيدروجين عن الماء، فإنّه يُمكن استخدامُ قوتّها لتقليلِ الحديدِ الخام إلى حديدٍ معدنيّ دون إنتاجِ أيّ انبعاثاتٍ كربونية على الإطلاق.

مع ذلك، وعلى الرغمِ من أنّ هذهِ العمليّة لإنتاج "الهيدروجين الصديق للبيئة" أصبحت أرخصَ بكثير على مر السنين، إلّا أنّها لا تزالُ أغلى بعدّة مرّاتٍ من تكلفةِ استخدامِ الوقودِ الأُحفوري أو الغاز الطبيعيّ.

لقد أثبتت هذه التكلفة، أنَّها تُشكِّل حاجزاً للعديدِ من الدول، في أستراليا على سبيل المثال، رفضت الحكومةُ مؤخّراً طلباً لبناءِ أكبر مصنع صديق للبيئة للهيدروجين والأمونيوم في العالم.

مع ذلك، في عام 2019، حدّد الاتحادُ الأوروبيّ هدفاً يتمثَّل في أن يصبح محايداً مناخيّاً بحلول عام 2050.
لتحقيق ذلك، هناك 23 مشروعاً لصناعةِ الفولاذِ بالهيدروجين، إما قيد التنفيذ، أو على وشك البدء في الإنتاج عبر بلدان متعددة.

في السنوات القادمة، يمكن أن تبيع هذه المشاريعُ مئات الآلافِ من الأطنانِ من الفولاذِ الصّديقِ للبيئة، المصنوع بدون أي وقود أحفوري.

ويعتبر الفولاذ الصديق للبيئة من HYBRIT، هو أوّل فولاذٍ يُسلّم، ولكنه قد لا يكون أول فولاذ صديق للبيئة يدخل السّوق، حيث أن H2 Green Steel، وهو مشروعٌ آخر مقره في السويد، يخطط لبناء محطة هيدروجين متجدّد وصنع الفولاذ الصديق للبيئة بحلول عام 2024.

في الولايات المتحدة، تعهَد الرئيسُ بايدن بتخفيضِ تكلفةِ الهيدروجين الأخضر، حتى يتمكن من منافسةِ الغاز الطبيعي.

لكن إذا كانت أوروبا ستوفّر الفولاذ الصديق للبيئة للشراء في السنوات الخمسِ المقبلة، فمن المؤكّد أنّه لن يمر وقت طويل، حتى تطلب الدول الأخرى نفس الشيء.

يقول يان موستروم Jan Moström، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة LKAB: "من خلال تصنيعِ هذه التكنولوجيا في المستقبل والانتقال إلى إنتاج الحديد الإسفنجي على نطاق صناعي، ستتمكّنُ صناعةُ الفولاذ من إجراءِ التحوّل.
هذا هو أعظمُ شيءٍ يمكننا القيامُ به معاً من أجلِ المناخ".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات